أحمد المالكي
الخيارات الاقتصادية المتاحة لليمنيين في مواجهة العدوان أو الحصار كثيرة ومتعددة، فنحن شعب ميزنا وأكرمنا الله بأرض طيبة وقوة بشرية كبيرة أغلبها من الشباب ناهيك عن غنى جبالنا وترابنا وسواحلنا وصحارينا وودياننا فقط المطلوب توجه عام من رأس الدولة أولاً ومن الدوائر الاقتصادية الرسمية والأكاديمية والتجار ورجال الأعمال والقطاع الخاص عموماً، في استغلال كل تلك الموارد المتاحة والممكنة والعمل الجاد على رسم السياسات الاقتصادية والاستثمارية وتفعيلها على الواقع وليس مجرد أوراق تتحول إلى معتقلات في الأدارج بل يجب تبني كل الأفكار البناءة في هذا الاتجاه واليمن بلا شك ولاّدة بالعقول اليمنية المبدعة والمنتجة، وهي موجودة لا تحتاج لمن يبحث عنها بل تحتاج إلى التفاتة وتشجيع وتوجيه واستثمار، وبالتوازي مع قوة العطاء والبذل العظيم لشعبنا في جبهات القتال من الرجال والمال والدماء والعتاد فنحن ننتصر عسكرياً والنصر اقتصادياً يجب أن يكون خياراً حتمياً لشعب مؤمن يستبسل في الدفاع عن الأرض اليمنية الغنية التي يجب أن تكون الخيار الاقتصادي الأول للتغلب على الضوائق المعيشية سواء طال العدوان أو قصر.. إلى التفاصيل:
تغطية الواردات
وما دامت اليمن تعيش حالة حرب عدوانية عسكرية واقتصادية فلا خيار لليمنيين سوى الصمود والاعتماد على انفسهم لمواجهة العدوان والحصار والانتقال من الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط والغاز إلى اقتصاد منتج معتمد على الإمكانيات والموارد المتاحة ولعل أبرز هذه الموارد الممكنة هي الزراعة، خاصة وأن نسبة كبيرة من أراضي اليمن زراعية وهناك مساحات زراعية ووديان واسعة بعيدة عن المناطق المشتعلة يمكن استغلالها واستثمارها زراعياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الاحتياجات الغذائية الرئيسية كالحبوب مثلاً والتي يتم انفاق مليارات الدولارات على استيرادها سنوياً.. وبحسب بيانات البنك المركزي اليمني فقد بلغ حجم ما تم صرفه من الاحتياطي النقدي الأجنبي لتغطية واردات المواد الأساسية قمح، أرز، وسكر العام الماضي 2015م إلى حوالي 933 مليون دولار أي قرابة «مليار دولار» وهو ما أثر على انخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك البالغ حوالي 4.5 مليار دولار قبل العدوان بالتزامن مع قلة الموارد من النقد الخارجي نتيجة للحصار المطبق على البلاد والعباد وضرب كل المقومات الاقتصادية والزراعية والصناعية وكل مقومات الحياة المعيشية للمواطنين، وما يوضح حقيقة احتياجنا للاعتماد على أرضنا في التنمية الاقتصادية أن قيمة الصادرات اليمنية بلغت عام 2013م تريليوناً و539 ملياراً و173 مليون ريال بينما بلغت قيمة الواردات تريليونين و888 ملياراً و190 مليون ريال.
مغادرة
ومن البديهي القول أن السياسات الاقتصادية المتبعة في اليمن ليس الآن فقط بل منذ عقود أدت إلى مغادرة الفلاحين لأراضيهم نتيجة لفتح باب الاستيراد على مصراعيه للمنتجات الزراعية والسلعية من دول الجوار ومن الخارج عموماً، واستنزاف العملة المحلية والأمر ذاته ينعكس أيضاً على القطاع الصناعي وهو الأمر الذي أدى إلى تعاظم حجم قطاع الخدمات الطفيلي الذي لا يفيد في العملية الانتاجية لأن الكثير من الرجال والشباب والشيوخ لم يجدوا وسيلة لتحقيق أي دخل أو تحسين دخولهم غير التزاحم في الشوارع والجولات لبيع ما يمكن بيعه من المواد والسلع المستوردة أو إقامة منشآت ومشاريع صغيرة جداً لا تفي بالغرض المنشود.
إدارة اقتصادية
وبلا شك فإن الاقتصاد اليمني اليوم في أشد حاجته إلى توجه عام وقرار سياسي يعمق التكاتف والتعاضد والتعاون وإلى وجود إدارة اقتصادية كفوءة قادرة على إخراج البلد من أزمته الراهنة مبتعدة عن المكايدات والمهاترات السياسية بحيث تقوم بتحقيق أحلام الناس في المعيشة الكريمة خاصة في ظل ما تتعرض له البلاد من عدوان وحصار غاشم وظالم تقوده مملكة آل يهود السعودية ولا بد من استثمار كل الطاقات والإمكانيات الموجودة داخل بلادنا وفي أرضنا و هي كثيرة في الجوانب الزراعية والحيوانية والانتاجية حيث يمكن تشجيع المزارعين ورجال الأعمال على تبني مشاريع جيوانية وانتاجية من خلالها يمكن أن نكتفي من اللحوم والألبان والأجبان والسمون والبيض التي يتم انفاق ملايين الدولارات ومليارات الريالات وسحبها إلى السعودية.
القطاع الأهم
وبحسب الدراسات الاقتصادية فإن العمليات الديمغرافية ذات الخصائص التقليدية إنما هي سمة ملازمة للبيئة الاجتماعية التي تكون فيها الزراعة أساسها الاقتصادي الرئيس فالزراعة في اليمن تمثل القطاع الأهم والأبرز في المعادلة الاقتصادية والاجتماعية حيث يعمل في القطاع الزراعي أكثر من 55 % من قوة العمل اليمنية ويعيل ثلاثة أرباع سكان اليمن تقريباً وما يزال ينتج ثلث قيمة الناتج المحلي الإجمالي ووفقاً لتلك الدراسات فإن هناك مفارقة درامية بين عدد من يعتمدون على الزراعة وبين حجم ما يقدمه لهم هذا القطاع من فرص العيش ومتطلبات الحياة إذ ينحصر النشاط الاقتصادي فيه على تلبية الاحتياجات المتواضعة للسكان سواء المنتجين الأساسيين أو المعالين أو الشرائح الاجتماعية الحاكمة المهيمنة اقتصادياً ويغلب على هذا القطاع بالإضافة إلى بعض القطاعات الاقتصادية التقليدية الأخرى كقطاع الحرف والصيد والتجارة وغيرها خصائص «الركود» حيث وسائل العمل في الغالب قليلة فردية وبسيطة من حيث التكنولوجيا مما يجعل انتاجها ضعيفاً ومن الطبيعي في ظل هذه الظروف أن لا يتم تلبية الاحتياجات الاستهلاكية لأفراد المجتمع ولا يمكن تحقيق اكتفاء استهلاكي ذاتي إلا من خلال النشاط الاقتصادي السائد والذي يقتضي بالدرجة الأولى وجود عدد من المحددات والناشطين الاقتصاديين..
قوة بشرية
وبحسب خبراء الاقتصاد فإن بلادنا لما تتميز به من موارد وامكانيات طبيعية زراعية وحيوانية ومعدنية وسمكية فقد حباها الله بقوة بشرية هائلة يمكن استثمارها لاستغلال كل تلك الموارد والامكانيات الطبيعية التي تمتلكها اليمن حيث يشير التوزيع النسبي للسكان بحسب الفئات العمرية أن الفئة العمرية من سن 15 – 64 % يمثلون ما نسبته 54.5 % من إجمالي عدد السكان وذلك وفقاً للاسقاطات السكانية في الجمهورية اليمنية للفترة من 1996 – 2026م وهذه الفئة تتمثل غالبيتها من الشباب وتضرب البطالة الفئات العمرية الشابة حيث تبين من مسوحات القوى العاملة في اليمن أن نحو 48.4 % من العاطلين هم من الفئة العمرية 15 – 24 سنة كما تشتد البطالة بين خريجي الجامعات وتشير عدد من الدراسات أن ثلثي خريجي الجامعات اليمنية لم يتمكنوا من الالتحاق بأي عمل وأن هذه النسبة ستتضاعف ما لم يحرز سوق العمل اليمني تقدماً محلوظاً ويجري العمل سريعاً على تصحيح العلاقة بين العرض والطلب وحفز النمو الاقتصادي عند مستوى لا يقل من 7 % سنوياً..
ولعل مشروع «الميكاترونكس» الذي تم افتتاحه مطلع الأسبوع من قبل الرئيس صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى يعد في مثل هذه الظروف العدوانية والحصارية نواة للتوجهات الوطنية الصادقة والمخلصة من قبل رجال الأعمال والقطاع الخاص لاستثمار قوتنا البشرية وتشغيل وتشجيع شبابنا المتعلمين والخريجين من جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية التخصصية والفنية والمهنية وتغذية سوق العمل.
الميكاترونكس
وقد تم افتتاح قسم الميكاترونكس بكلية الهندسة بجامعة صنعاء بتكلفة إجمالية بلغت مليون و550 ألف دلار وبتمويل من مجموعة الحباري والذي يهتم بتنمية وتأهيل قدرات الطلاب في مجال الهندسة الإلكترونية والكهربائية ومواكبة التطور التكنولوجي ورفد سوق العمل بمختلف التخصصات التكنولوجية ويأتي هذا المشروع في خضم ظروف استثنائية ومعترك هو الأصعب الذي تواجهه اليمن في ظل العدوان والحصار الاقتصادي الذي لم تمر به بلد في الدنيا كما تمر به بلاد الحكمة والإيمان ولعل نماذج الاختراعات والمشاريع التي عرضها الطلاب يوم الافتتاح تبعث على الأمل والتفاؤل وتؤكد أن المعاناة تولد الإبداع وأن لا مستحيل في تجاوز كل الصعوبات والوصول إلى صناعة الطائرات والرادارات والتمكن من الصناعات التقنية والتكنولوجيا المختلفة والمتنوعة واللحاق بركب التقدم الصناعي التكنولوجي العالمي، ومن يشكك في ذلك فلينظر إلى ما تحرزه القوة الصاروخية من تقدم مهول أرعب قوى العدوان وأوجد توازناً حقيقياً وفعالاً في المعادلة العسكرية وكبح جماح العدوان الذي يمتلك قدرات وامكانيات عسكرية وتكنولوجيا هائلة.. إذا فاليمن قوية بقدراتها وامكانياتها ومواردها الطبيعية والبشرية وبرجالها الوطنيين المخلصين وليكن عنوان أو شعار المرحلة «جيش عظيم، اقتصاد عظيم، دولة يمنية عظمى» ولماذا لا.. موفقون بالنصر المبين الذي نراه قريباً يلوح في الأفق..>