هل هناك ما هو أوضح من حقيقة أن أمريكا بعظمتها وتفوقها العسكري لا تزال إلى هذه اللحظة عالقة في مواجهة أعباء ومضاعفات إسقاطها للدولة العراقية رغم أنها أشركت معها تحالف دولي عريض ثم سمحت حتى لخصمها إيران بالدخول معها كلاعب مساهم في تقاسم أعباء ومغانم الخوض في وحل الواقع العراقي الناجم عن سقوط وتحلل الدولة؟
السؤال الأهم هو ما الذي يمكن للسعودية -التي أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها كيان هش عديم الخبرة- أن تفعله في اليمن الذي سرّعت بتدخلها العسكري من دفعه نحو حالة شبيهة بعراق ما بعد الاحتلال الامريكي؟
طبعا مع الفارق أن أمريكا دفعت بقوات برية ضخمة للسيطرة دفعة واحدة على كامل أراضي العراق الذي لا يجمعها به شريط حدودي طويل ولعبت دورا مباشرا في سد فراغ السلطة إلى حين الانتهاء من عمليات وترتيبات بناء النظام الجديد القائم حاليا في العراق والذي ولد هزيلا ومختلا ومنتجا لأسوأ التناقضات والظواهر المرضية التي تجعله مهددا بالانهيار على الدوام.
بينما في اليمن اكتفت السعودية وتحالفها المكون من دويلات خليجية مع حضور شكلي لعدد من الدول العربية بالسيطرة الجوية والاعتماد بريا على فصائل مسلحة سيئة التنظيم وتحركها دوافع وأهداف متباينة وتهيمن عليها نزعات ذات طابع مذهبي وجهوي ومناطقي إضافة إلى أنها لا تدين بولاءها لقيادة موحدة على مستوى البلاد وأغلب هذه الفصائل لا تتلقى أوامرها من هادي ولا من القيادات الحكومية الأدنى منه.
تخطر ببالي نصيحة هادي للسعودية قبل أيام عبر جمال خاشقجي بأن عليها أن تحذو حذو العثمانيين الذين كان لهم تجربتين تاريخيتين لاحتلال اليمن بدأتا بالسيطرة على تعز والحديدة وبحسب هادي فإن هذه الخطوة كان يعقبها مباشرة مجيء صنعاء إلى المحتلين طائعة.
لست هنا بصدد التحقق من صدق هذه الملاحظة التاريخية التي أوردها هادي في معرض التشديد على أهمية جبهة تعز بالنسبة لأي مخطط عسكري يرمي لاخضاع صنعاء.
أراد هادي أن يحث السعوديين على اتباع طريقة الاتراك في غزو اليمن إلا أن الرجل نسي أن السعودية في حالتها الراهنة ليست مؤهلة من نواحي عدة للقيام بما قامت به الامبراطورية العثمانية عندما أرسلت جنودها وقطعها الحربية لاخضاع اليمن مرتين وخرجت من التجربتين بذكريات مريرة.
ورغم أن الاتراك كانوا يحرزون نجاحا أوليا مستفيدين من ظروف داخلية يمنية وسياق تاريخي عالمي إلا أن الأوضاع كانت ما تلبث أن تخرج عن سيطرتها بالتدريج وتنفجر التمردات التي كانت تكبدهم خسائر موجعة.
بناءا على هذه المعطيات يلح السؤال الصعب عما سيكون عليه الحال في اليمن وما الذي يمكن توقعه من نتائج ومسارات على المدى القريب والبعيد؟
من صفحته على الفيس بوك