عبد الرحمن مراد
أمعن التحالف العربي بقيادة السعودية في الذنوب ومارسوا كل أنواع الرذيلة والقتل والتوحش والدمار والخراب منذ بداية العدوان في نهاية مارس 2015م.. بيد أن كل تلك الجرائم كانت تجد غطاءً إعلامياً وسياسياً وتغاضياً من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وإعراضاً من المؤسسات الدولية، ثمَّ بدأ التسلسل في تأنيب الضمير الإنساني منذ قصف سوق الهنود بالحديدة، ويبدو أن طول أمد العدوان قد ترك أثراً مدمراً في جدار الإنسانية وفي الحضور الاعتباري للمؤسسات الدولية، فلم يَسَعْ أولئك إلاّ الإفصاح عن تأنيب الضمير بصورة قد تبدو تعاني من الخجل وفاقدة لقيمتها الاعتبارية.
لم تدرك السعودية أنها وصلت إلى هذا البعد اللاأخلاقي لأن عمه الطغيان كان قد قادها إلى هذا الجنون الذي حدث في القاعة الكبرى، وكانت تظن أن الإعلام والتضليل سيمحو آثار الجرم بل ذهب بها الوهم إلى اعتقاد أن تحقيق الهدف ولو في حدوده الدنيا اللاأخلاقية قد يكون كافياً في الشعور بالنصر الذي ظلت تبحث عنه طوال عام وثمانية أشهر من عمر الحرب والعدوان على اليمن ولم تجنِ طوال كل هذا الزمن سوى الخزي والعار والشنار وفقدان القيمة وغضب المتحالفين الذين شعورا بالهزيمة وأثرها النفسي والمعنوي في مستقبل الأنظمة- كما أفصح عن مثل ذلك ملك المغرب في وقت سابق- ويبدو أن خروج مصر في الآونة الأخيرة قد يوحي بحالة التصدع الذي وصل إليها تحالف آل سعود ضد اليمن، وحين ينفرط العقد تتداعى بقيته في السقوط وهو الأمر الذي قد يرمز بالسعي الحثيث إلى عزل السعودية سياسياً والتقليل من تأثيرها في المنطقة وقد سبق ذلك التمهيد للعزل الثقافي في مؤتمر «غروزني» وتصنيف الوهابية كحالة غير متوافقة مع إجماع أهل السنة والجماعة وذلك من خلال تعريف أهل السنة والجماعة وتحديد المفهوم في إطار نصي واضح لا لبس فيه.
ويمكن أن يقال إن تدخل السعودية في العراق وفي سوريا وفي اليمن كان بهدف العزل العسكري ومحاصرتها بالثارات والعداء الشديد، وقد وقع نظام آل سعود في الهوّة السحيقة التي أرادها له الغرب والنظام العالمي الجديد الذي تدل الرموز والإشارات ،التي تبعثها قانون جاستا أنه سيكون تحت الهيمنة السياسية والاقتصادية من خلال حجم التعويضات التي تنتظره والبالغة وفق أحدث التقديرات «116» تريليون دولار.. ومن خلال الهيمنة الاقتصادية التي تفرضها التعويضات المنتظرة لأحداث «11 سبتمبر» تكون السعودية قد وضعت نفسها في دائرة ضيقة لا يمكنها أن تتجاوزها كما أن تأثيرها سيصل إلى مراتب الدونية والتبعية فهي لن تكون قادرة على ممارسة جنونها الهيستيري ولن تجدَ بُداً من الركوع لثنائية «الهيمنة والخضوع» التي ينتظرها الغرب منها بعد أن حاولت الرشاوى التي تدفعها للعالم أن تفرض قدراً من الهيمنة وأن تحدث قدراً من الانحراف في المسارات الإنسانية والأنساق القيمية وهو الأمر الذي ترك خدشاً بالغ التأثير على مفردات الهيمنة للنظام العالمي، وما كان لمثل ذلك أن يحدث لو لم تدخل في حرب اليمن أو بالأصح في مرحلة العدوان على اليمن بتحالف متعدد التوجهات.
لقد كان حدث قصف القاعة الكبرى في صنعاء حدثاً مروعاً من البعد القيمي والأخلاقي والإنساني، وهو في المقابل سيكون نقطة فاصلة بين تغطرس يمعن في الجنون والقتل والتدمير، ومصير بدأت تباشيره الأولى تعلن عن نفسها وترمز إلى قدومه يتجلى من خلال الاهتزاز المفاجئ للضمير العالمي وتصريح الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان الأقوى من كل تصريحاته بشأن اليمن وجرائم النظام السعودي فيه طوال أكثر من عام ونصف.
لقد سقط نظام آل سعود في وحل الرذيلة، ولم يكن قصفه للقاعة الكبرى سوى حجر تأسيس لمرحلة سوف تأتي نشهد فيها تداعيات انهياره، وعليه أن يدرك هذه الحقيقة وهو سيدركها عاجلاً أم آجلاً.. وتلك هي نهايات الأنظمة الفاسدة والمفسدة والمتغطرسة.