توطدت العلاقات المصرية السعودية، منذ بيان القوات المسلحة، في الثالث من يوليو 2013، تُدفئها مليارات السعودية لمصر، قبل أن تبلغ العلاقة أوجها مع تنازل الجانب المصري، عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، في أبريل الماضي.
لكن، أعقب ذلك، تردد وفتور في العلاقة بين البلدين، بدت ملامحه ظاهرة في العديد من المواقف السياسية التي لم يجتمع هواهما فيها.
خلاف سعودي مصري بشأن الأزمة السورية
«من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي، أقرب إلى الموقف العربي من المندوب المصري»، بهذا التصريح، عبّر المندوب السعودي في مجلس الأمن، عبد الله المعلمي، عن أسفه من الموقف المصري تجاه قرار مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية، يوم السبت الماضي، إذ كانت مصر الداعم العربي الوحيد للقرار الروسي، وإحدى أربع دول، هي التي أيدت القرار الروسي، من بين 15 دولة.
الغضب السعودي من الموقف المصري، تعدى الجانب الرسمي، إذ انتقد سلمان الأنصاري، رئيس اللوبي السعودي في أمريكا أو ما يُعرف باسم «سابراك»، الموقف المصري، في تغريدة له على موقع التدوينات القصيرة، تويتر، قال فيها: «عذرًا يا جمهورية مصر العربية، ولكن تصويتك لصالح مشروع قرار روسيا في مجلس الأمن يجعلني أشكك في أمومتك للعرب وللدنيا»، كما انتقد عددًا من النشطاء السعوديين الموقف المصري، من خلال وسم (هاشتاج) مصر_تصوت_لصالح_المشروع_الروسي.
وكانت كل من فرنسا وإسبانيا، قد تقدمتا بمشروع قرار للأمم المتحدة، يُطالب بشكل أساسي بوقف القتال في حلب، بما في ذلك الغارات الجوية فوق المدينة السورية، ويدعو إلى هدنة، ووصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق السورية.
ومنذ انهيار الهدنة الروسية الأمريكية في حلب، في 19 سبتمبر (أيلول)الماضي، والمدينة السورية تعيش أوضاعًا إنسانية صعبة، مع إطباق النظام السوري الحصار على الجزء الشرقي للمدينة، وتكثيف الغارات الروسية والسورية على تلك المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة، ومنذ انهيار الهدنة فقد قُتل 497 مدنيًّا، وأُصيب أكثر من 1200، بحسب تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أصدره السبت الماضي، وأفاد بأن معظم الضحايا المدنيين في حلب، سقطوا بسبب هجمات النظام السوري، والغارات الروسية على المدينة.
و من بين 15 دولة من أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أيد القرار الإسباني الفرنسي، 11 دولة من بينهم مصر والسعودية، فيما امتنعت الصين وأنجولا عن التصويت عليه، وعارضت فنزويلا وروسيا القرار، واستخدمت الأخيرة، حق النقض (فيتو)، مجهضة مشروع القرار، ما أثار ردود أفعال غاضبة تجاه الموقف الروسي، من معظم الدول بالمجلس، فعلى سبيل المثال، أعرب المندوب البريطاني عن شعوره بالعار من الموقف الروسي، قائلًا للمندوب الروسي: «لا أستطيع أن أشكرك على الفيتو».
بدورها قدّمت روسيا مشروع قانون، يتجاهل وقف الغارات الجوية على حلب، ويركز على إحياء اتفاق وقف الأعمال القتالية، وفصل المعارضة السورية عن جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا قبل أن تعلن فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة)، ولكن القرار لقي اعتراض ثلثي المجلس أي تسع دول، فيما امتنعت دولتان عن التصويت، وأيدته أربع دول فقط، وهي: روسيا، والصين، وفنزويلا، بالإضافة إلى مصر التي كانت الدولة الوحيدة بالمجلس التي أيدت القرارين الروسي، والفرنسي، رغم تناقضهما.
وبررت الخارجية المصرية موقفها، في بيان نشرته، يوم الأحد الموافق التاسع من أكتوبر الجاري، على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قالت فيه، إنها صوتت «بناءً على محتوى القرارات، وليس من منطلق المزايدات السياسية التي أصبحت تعوق عمل مجلس الأمن».
الخلاف مترسخ
يأتي هذ الموقف المصري المخالف لموقف السعودية، بشأن سوريا، بعد أقل من ثلاثة أسابيع، من تأكيد وزير الخارجية المصري سامح شكري، في 23 سبتمبر الماضي، في مقابلة صحافية، وجود خلاف مصري سعودي بشأن الأزمة السورية، مظهرًا رفضًا مصريًّا لإزاحة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن الحكم في سوريا، عندما قال: «المملكة تركز على ضرورة تغيير نظام الحكم أو القيادة السورية، ومصر لم تتخذ هذا النهج».
وتتوالى بذلك المواقف المصرية تجاه الأزمة السورية، التي تميل فيها لروسيا -أقوى حليف لنظام الأسد- وتتجاهل السعودية، ليتكرر غضب المملكة من ذلك، وهو غضب ظهر بدايته في القمة العربية التي انعقدت في نهاية مارس من العام الماضي، واستعان فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مقترحًا حلًّا سياسيًّا للأزمة السورية، قبل أن يأخذ سعود الفيصل وزير خارجية السعودية آنذاك، الكلمة قائلًا: «(الروس) يتحدثون عن المأساة في سوريا، بينما يتحملون مسئولية كبيرة عن المآسي التي تؤثر في الشعب السوري»، مشيرًا إلى بيع السلاح الروسي إلى دمشق.
موقف مصري فاتر من قانون «جاستا»
من ناحية أخرى، بدا أن الموقف المصري من قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» (جاستا) -الذي يسمح لأهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 من مقاضاة مسؤولين بالسعودية- يمثل واحدة من علامات فتور العلاقات المصرية السعودية.
ونال القانون الذي أقره الكونجرس في 28 سبتمبر الماضي، تحذيرات المملكة وغضبها قبل وبعد إقراره، كما أن البيت الأبيض ذاته، انتقد إقرار القانون، في الوقت الذي جاء بيان الخارجية المصرية «فاترًا»، إذ لم تنتقد القانون ولم ترفضه بوضوح، و أعلنت فقط في بيانها أنها «تتابع عن كسب» إقرار القانون، «وتأثيراته المحتملة على مسار العلاقات الدولية خلال الفترة القادمة».
وهو موقف ربما لم يكن تتوقعه السعودية من دولة حليفة كمصر، ويختلف تمامًا عن موقف تركيا، إذ انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القانون، مُعتبرًا إياه «أمرًا مؤسفًا» و«خطوة خاطئة».
وقال أردوغان خلال كلمته في البرلمان التركي: «ننتظر من أمريكا العدول بأسرع وقت ممكن عن هذه الخطوة الخاطئة، التي من شأنها إثارة جدل خطير حول الحقوق السيادية للدول»، لافتًا إلى أن إقرار جاستا «يخالف بشكل علني مبدأ شخصية العقوبة في القانون الذي يلقى اعتمادًا عالميًّا».
ولم يتوقف الموقف التركي عند هذا الحد، بعدما كشف وزير التنمية التركي «لطفي علوان» عن أن تركيا والسعودية تدرسان خطوات «عملية» لمكافحة قانون جاستا. وأوضح علوان في حوار صحافي له، الجمعة الماضية، أن تركيا تدرس خطوات للرد على قانو ن جاستا، «عبر منظمة التعاون الإسلامي، والدول الأوروبية الحليفة»، لافتًا إلى أن وزارتي العدل والخارجية التركية تُعدان دراسة شاملة حول قانون جاستا، وستعلنان عنها فور الانتهاء منها، وأكد علوان رفض بلاده للقرار باعتباره منافيًا للأعراف والقوانين الدولية، مُضيفًا «لا يجوز اتهام دولة بأكملها جراء محاولة نفذها بضعة إرهابيين خلال أحداث 11 سبتمبر 2001».
توقف الضخ السعودي لمصر
زار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مصر في أبريل الماضي، وشهدت تلك الزيارة تنازلًا مصريًّا عن ملكية جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة، وشهدت أيضًا توقيع السعودية على اتفاق بقيمة 23 مليار دولار، بين شركة أرامكو السعودية، والهيئة المصرية العامة للبترول، يتضمن إمداد مصر بمنتجات بترولية مكررة بواقع 700 ألف طن شهريًّا لمدة خمس سنوات.
ولكن تجارًا يتعاملون مع الهيئة المصرية العامة للبترول، أفادوا لوكالة رويترز، الجمعة الماضية، بأن مصر «لم تتلق مخصصات المساعدات البترولية السعودية» لشهر أكتوبر؛ مما دفع إلى زيادة مناقصاتها سريعًا من أجل الحصول على نفط من جهات أخرى، بعد توقف الضخ السعودي، لأسباب لم تتضح إلى الآن، بحسب رويترز.
ويأتي هذا التوقف السعودي، ليضع مصر في موقف حرج، في ظل زيادة المدخرات المستحقة لشركات النفط، مع معاناة الاقتصاد المصري من تقلص شديد في كم الدولارات، وتقلص كبير في قيمة الجنيه، قُبيل تعويمه الذي يعزز من تأزم مشكلة ارتفاع الأسعار الذي تعيشه مصر.
وفي المقابل، فإن الوضع الاقتصادي للسعودية ليس مثاليًا، وقد شهدت الميزانية السعودية حاليًا عجزًا بلغ 100 مليار دولار، تسعى المملكة لتعويضه من مصادر غير نفطية في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي لها، لذلك فمن المتوقع أن الدعم السعودي لمصر قد يتقلص خلال الفترة القادمة، ليس فقط لبعض الخلافات السياسية تجاه القضايا الإقليمية، وإنما أيضًا لأسباب اقتصادية تتعلق بانشغال المملكة بإصلاح الوضع الاقتصادي المحلي، عن النظر لإصلاح اقتصادي لحلفاء قد خذلوا المملكة في مواقف إقليمية كبرى!