قبل نحو عشرة أيام، رفضت الأمم المتحدة قرار إنشاء لجنة دولية للتحقيق في الاتهامات الموجهة إلى التحالف السعودي باستهداف المدنيين في اليمن، مقابل تبنيها قرار تعزيز عمل لجنة التحقيق التي ألّفتها الحكومة اليمنية الموالية للرياض.
بلغةٍ أخرى، تبنت الأمم المتحدة قراراً بترك جرائم التحالف السعودي من دون مساءلة، أي حثه على المضيّ في قتل المدنيين، من دون الخشية حتى من تحميله المسؤولية وإن شكلياً.
الإجراء أكد مرةً أخرى إنحياز المنظمة الدولية وخضوعها شبه التام للسطوة السعودية (أموالها)، وهو جاء بعد عامٍ وسبعة أشهر من اندلاع حربٍ تنال أقلّ نسبة تغطية إعلامية حول العالم، على الرغم من حجم الخسائر المدنية اليومية. فكرة «تواطؤ» المجتمع الدولي في هذه الحرب بديهية نظراً إلى حجم الدعم الذي تناله السعودية من الولايات المتحدة وبريطانيا، تسليحياً واستخبارياً، لكن يبقى من الضروري التذكير، عند المحطات الدموية كالتي شهدتها صنعاء أول من أمس، مع مجزرة «الصالة الكبرى»، بدور الأمم المتحدة التي لا نبالغ إذا قلنا إن يديها ملطّخة بدماء اليمنيين.
تاريخ الأمم المتحدة في الملف اليمني هو تاريخ من التورّط التام. المنظمة الدولية «مشتراة» من السعودية، القادرة بإشارة واحدة منها أن توقف مسارات قانونية وحقوقية تستشف منها احتمال إدانة لأدائها في الحرب الدائرة. لا تزال قضية نزع اسم التحالف السعودي عن «اللائحة السوداء» الخاصة باستهداف الأطفال، ماثلة أمامنا، بعدما هدد دبلوماسيون سعوديون صراحةً الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بقطع التمويل عن برامج المنظمة، اذا لم يُمحَ إسمها من اللائحة.
حينها، وضعت التهديدات السعودية، بلغة لا تشبه الدبلوماسية بشيء، معادلة «أطفال اليمن مقابل أطفال فلسطين»، مهددةً بإيقاف تمويل «الأونروا» إذا أصرت المنظمة على اتهامها بقتل الأطفال اليمنيين. سبقت هذه الحادثة عرقلة السعودية بدعمٍ من الولايات المتحدة وبريطانيا لأكثر من مشروع قرار أوروبي نص على بدء تحقيقات في انتهاكات القانون الانساني في اليمن.
لا تختلف المجزرة الأخيرة عن عشرات المجازر السعودية في هذا البلد، إلا من ناحية عدد الشهداء الذي يزيد قليلاً عن «معدّل» العدد «المعتاد». من مجزرة مخيّم المزرق في صعدة، أولى المجازر السعودية خلال حرب «عاصفة الحزم» في نيسان عام 2015، مروراً بمجازر نهم وخيمة الزفاف في المخا (تعز) وسوق مستبأ (حجة) والحُديدة، وصولاً إلى استهداف عزاء في صنعاء، سجل التحالف السعودي مجازر تلوَ الأخرى، لم ينل جميعها، في أفضل الأحوال، إلا عبارات التنديد من دون أمل بأي محاسبة جدّية، تضع نصب عينيها بالحدّ الأدنى إيقاف الحرب التي باتت تبدو بلا أي هدف.
يوم أمس، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى إجراء تحقيق «حيادي وفوري» في الهجوم الذي وصفه بأنه «جريمة حرب». تصريح بان إذا صدق، يكون خطوة متقدمة في تعاطي المنظمة الدولية مع هذه الحرب، إلا أن التجربة أثبتت أن التصريحات المماثلة آنية جداً ومهمتها «تطهّرية» أكثر من أي شيء آخر، بمعنى أنها تعمل على «تنفيس» الغضب العالمي إلى حين مرور الوقت وركن المجزرة التي أزهقت مئات الأرواح إلى جانب الجرائم الأخرى.
وطالما أن المال السعودي يقطع أي طريق أمام «العدالة الدولية»، وطالما أن الحديث عن فتح «تحقيق حيادي»، أو عن «مراجعة فورية» ستقوم بها واشنطن لدعمها «التحالف» يشوبهما الكثير من الغموض إذا سلّمنا بأنهما سيصبحان واقعاً، يبقى خيار اليمنيين الوحيد هو المقاومة وتصعيد العمليات العسكرية ضد الأراضي السعودية، لعلّ ذلك يحقق القليل من الإنصاف والعدالة المفقودين.
نقلا عن: جريدة الاخبار اللبنانية
#جوي_سليم