أحمد عمارة
هكذا تتحدث جريدة هآرتز الإسرائيلية عن ذكرى حرب أكتوبر عام 1973 بوصفها كـ”مآساة”، وبتلك النظرة المختلفة لما ألفه العرب نتحدث في هذا التقرير عن حرب أكتوبر ولكن بعيون “إسرائيلية” بالاستعانة بالوثائق التي كشفتها إسرائيل عن الحرب، ومذكرات القادة السياسيين والعسكريين وتعليقاتهم عليها، ومقتطفات من الكتب التي وثقوا بها الحرب.
الجانب الإسرائيلي عرف موعد الحرب ولكن!
كشفت وثيقة عن حرب أكتوبر أفصحت إسرائيل عنها بأن إسرائيل “كانت لديها معلومات كافية للاستعداد لحرب أكتوبر 1973″؛ إذ قال يول بن بورات رئيس أحد الوحدات بالاستخبارات الإسرائيلية أنه بُلّغ بتحركات غير طبيعية في السويس ولكن تم انتقاده.
ويقول “يول” – أثناء التحقيق معه من قبل لجنة “أجرانات” التي تحقق في الحرب- أنه لم يكن هناك ما يبرر الصدمة والمفاجأة بموعد الحرب، موضحًا أن المعلومات كانت مُتاحة ولم تحقق تلك الإتاحة الآثار المطلوبة على أرض الواقع “أنا أؤمن بأن جيش الدفاع الإسرائيلي كانت لديه معلومات كافية كمًّا وكيْفًا كي يأخذ حذره من الحرب قبل بدئها بوقت كافٍ”.
ولفت يول إلى جدل جرى بينه وبين “إيلي زاعيرا” رئيس الاستخبارات الإسرائيلية3 أكتوبر 1973 حول ما إذا كانت التحركات من الجانب المصري مجرد “تدريبات” فقط أم أن الأمر أكبر من ذلك، وأعرب يول عن مخاوفه وقلقه إزاءها وطالب باتخاذ تدابير عسكرية للتأكد من ماهية “التحرك المصري” بالسويس، ولكن زاعيرا رفض قائلا: “مهمة المخابرات هي الحفاظ على الهدوء بالبلاد وليس صدمة المجتمع والاقتصاد”.
وتكررت التحذيرات الإسرائيلية “لزاعيرا” دون جدوى، هذه المرة من يوسف زاعيرا – ابن شقيق إيلي زعيرا – الذي كان رئيس الوحدة المسؤولة عن تصفية ومعالجة المعلومات الاستخبارية. وقال إنه في 4 أكتوبر، أخبر عمه” بأن هنا وهناك بعض العلامات المقلقة للغاية” من الجانب المصري مطالبًا عمه بالسماح له بتنفيذ تدبيرات وقائية، لكن عمه أكد بأن “المصريين لن يستطيعوا تحريك الجيش وإعداده لحرب سرية”.
“إن خطة الخداع المصرية وسر نجاحها أدركته القيادة المصرية في إخفائها لتوقيت شن الهجوم”
هكذا أكد “إيلي زاعيرا” في كتابه “حرب يوم الغفران” والذي يرسخ الصدمة الحقيقية التي تعرض لها، ويظهر سوء تقديره للموقف وعدم التعامل مع التحذيرات المسبقة كما يجب.
“عميل مصري” يفصح لإسرائيل عن موعد الحرب
أفصحت إسرائيل في الذكرى الـ41 لحرب أكتوبر، عن برقيات متبادلة بين أمريكا وإسرائيل في الأيام من 5 إلى7 أكتوبر عام 1973.
وكشفت تلك الوثائق عن استدعاء رئيس الموساد تسيفي زامير لاجتماع عاجل بلندن مع “العميل المصري أشرف مروان” بحسب وصف البرقية جرى يوم 5 أكتوبر، وخلال الاجتماع كشف مروان عن موعد الحرب وإجرائها في يوم 6 أكتوبر.
في الساعة 3:50 من صباح يوم 6 أكتوبر، تواصل المستشار العسكري “إسرائيل ليور” مع جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية ليخبرها أن رئيس الموساد عرف من أشرف مروان أن مصر وسوريا سيشنان حربًا هذا المساء. وبعد ذلك تقرير كامل من الموساد يقول: “إن مروان أعطى احتمالية للإسرائيليين بأن الحرب ستبدأ هذا اليوم بنسبة 99%، وأبقى 1% فقط تحسبًا لأن يغير السادات رأيه في اللحظات الأخيرة.”
وتفيد البرقيات أن هناك اجتماعات دبلوماسية طارئة جرت من الجانب الإسرائيلي، منذ الساعة 8:05 صباح 6 أكتوبر استقرت خلاله إسرائيل على عدم المبادرة بالهجوم على مصر أو سوريا، وفي حال إقدام البلدين على “خرق حالة وقف إطلاق النار، فإن رد إسرائيل سيكون قويا”، إعمالا بنصيحة وزير الخارجية الأمريكي هينري كيسنجر بألا تبدأ إسرائيل بإطلاق النار.
ولكن كما يبدو من الوثائق أن الهجمات الميدانية من الجانبين المصري والسوري كانت شديدة وأسرع من الجهود الدبلوماسية، إذ باغتت تاك الهجمات إسرائيل في الثانية عصرًا مما جعل الوضع في الجولان صعبًا وفي “سيناء سيسي” بحسب التقارير الاستخباراتية آنذاك.
استقالة جولدا مائير؟
“لا شيء أقسى على نفسي من كتابة ما حدث في أكتوبر ؛ فلم يكن ذلك حدثًا رهيبًا فقط وإنما كانت مأساة عاشت وسوف تعيش معي حتى الموت، فلقدت وجدت نفسي فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ نشأتها ولم تكن الصدمة فقط في الطريقة التي يحاربوننا بها، ولكن أيضًا لأن عددًا من المعتقدات الأساسية قد انهارت أمامنا”.
هكذا اعترفت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية في تعليقها على الحرب، ولم تشعر جولدا بـ”الصدمة والحزن” فقط على ما حدث في حرب أكتوبر، ولكنها شعربت بـ”الذنب” أيضًا، شعور كان سيؤدي إلى استقالتها.
فتقول جولدا في مذكراتها: “شعرت بالذنب عندما لم تنتقد مستشاريها وأصرت على استدعاء الاحتياطي العسكري قبل اندلاع الحرب”، وتفيد مذكراتها بأنها كانت تفكر في تقديم الاستقالة ولكنها شعرت بأنها “لن تستطيع الهروب من مسؤولياتها وخصوصا تلك المرتبطة باكتشاف مصير الجنود المفقودين بالحرب، وعودة الجنود الأسرى بمصر وسوريا”.
شهادات الحزن الإسرائيلي
مشاعر الحزن التي شعرت بها”جولدا” لم تقتصر عليها، وإنما امتدت لعدد من المسؤولين كوزير الدفاع وعدد من القادة الميدانيين أثناء الحرب الذين أفصحوا عن تعليقاتهم على الحرب ولم يخفوا مشاعرهم السلبية تجاهها.
فيقول موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء الحرب: “إنها حرب صعبة للغاية والمواجهات قوية ومريرة لقواتنا البرية والبحرية، هذه الحرب ثقيلة بأيامها وبدمائها، ونحن الآن في خضم المعركة ونعجز تمامًا عن التعبير عن مدى حزننا لفقد شهدائنا”.
ويتحدث قائد كتيبة 79 دبابات -عاميرام ميتسناع – عن الآثار النفسية للحرب: “إنني أرى أن حرب يوم الغفران خلفت جراحًا عميقة في نفوس المحاربين، كما أنها خلفت آثارًا سيئة على الكيان الإسرائيلي برمته وجرحًا عميقًا في المجتمع الإسرائيلي لم يندمل”.
أسوأ الليالي في حياتنا
يتحدث آرئيل شارون – قائد الفرقة 142 المدرعة- في كتابه “المحارب” عما وصفه “ليلة من أسوأ الليالي في حياتنا” وأورد عبارات عجز من أحد الجنود، ويقول: “بعد 24 ساعة من بداية الحرب اتجهنا جنوبًا إلى الصحراء وكانت هناك حالة من الفوضى ونظر إليّ أحد الضباط بذهول وقال لي: “إن هذا أمر لا يصدق يا سيدي إننا لا نستطيع إيقافهم .. لا نستطيع إيقافهم”، ويضيف شارون: “قُتل حوالي 300 مجند وأصيب 1000، قضينا ليلة من أسوأ الليالي في حياتنا”.
وتمت الإشارة لتسجيلات صوتية لاتصال شموئيل جونين (الأعلى منه في الرتبة) أمره بالتغلب على موقع الطالية – أحد المواقع الحربية – ورفض شارون تنفيذ أوامره قائلا: “ليس لديّ ما أتغلب به”.
المصدر:”ساسة بوست”