د.احمد عبدالله الصعدي/
للفيلسوف فردريك نيتشه (1844-1900) رؤية خاصة إلى الأخلاق ما تزال مثار جدل إلى اليوم ،من ذلك تفسيره لأصل الأخلاف وأنماطها ، فقبل المرحلة التي يسميها ما بعد الأخلاق ويسود فيها الرجل الأعلى مرت الأخلاق بمرحلتين هما أخلاق الأعراف وأخلاق المرحلة الأخلاقية . هذه المرحلة الثانية ساد فيها نمطان متعارضان يصفهما من خلال المصطلحات الآتية : أخلاق الفرد وأخلاق القطيع ، أخلاق صحية وأخلاق منحطة ، أخلاق الأسياد وأخلاق العبيد . فالقطيع يلتزم بمعايير وضوابط لا تلزم الفرد بأي شيء أي أنه فوق المعايير والضوابط . و الأخلاق الصحية تعبر عن إرادة السلطة بينما تعبر الأخلاق المنحطة عن حالة الشعوب بالضعف واليأس والغضب الذي لا يوجهه الشاعرون به إلى من قهرهم وسيطر عليهم بل إلى ذواتهم أو إلى من هو أضعف منهم .وبينما يشير نيتشه إلى أخلاق الأسياد بأنها أخلاق الأرستقراطية والتي بدأت في رأيه في عصر المأساة اليوناني، يعتبر أن أخلاق العبيد مرادفه لما هو منحط أي اللهث المبتذل وراء اللذائذ الجسدية والإهتمام بالصغائر والنظرة السلبية إلى السعادة بإعتبارها سكونا دائما ومن الواضح أن هذا النمط من الأخلاق لا يقصد به طبقة العبيد في المرحلة العبودية من التاريخ بل روح العبودية في البشر بغض النظر عن طبقاتهم الإجتماعية والعصور التي يعيشون فيها وما أكثرهم في زمننا هذا الذي تنوعت فيه وسائل وصور الهيمنة والتسلط النابعة من إرادة السلطة بمفهومها الأوسع .
إن من يخطىء في إدراك أسباب تعرضه إلى قهر الأقوى يخطىء في اختيار الوسائل التي تنتشله من معاناته أكان فردا او جماعة او مجموعة حاكمة .
في الحياة اليومية نرى أشخاصا يتعرضون إلى سوء معاملة رؤسائهم في العمل فيكبتون قهرهم ولكنهم يفرغون غضبهم على من هو أضعف منهم وقد يكون الضحية الموظف الأدنى أو أفراد العائلة. لكن ما ذكرنا بهذه الأمور هو أخلاق العبيد وقد صارت أخلاق حكام (ملوك وأمراء وشيوخ ) يعوضون عن شعورهم بالضعف واحساسهم بالقهر أو نكران الجميل من قبل سيدهم الأمريكي فيأخذون بتقمص سلوكه وقسوته وغدره بهم ولكن نحو من يروه اضعف سواء مواطنيهم أو جيرانهم من الشعوب . فعلى سبيل المثال شعر بنو سعود بالمرارة من حليفهم لعقود من الزمن وحاميهم الأمريكي بسبب تخليه بسهولة عن الرئيس المصري حسني مبارك عام 2011 وتراجعه عن شن الحرب على سوريا والاطاحة بالأسد عام 2013 بعدما بدى لهم أنه تجاوز الخطوط الحمراء التي حددها أوباما و استعمل السلاح الكيماوي، و أخيرا ابرام الإتفاق النووي مع إيران . وللتعويض عن هذه الخسائر المعنوية والرضوض النفسية قرروا مع سيدهم الذي قهرهم وغدر بهم أن يعتدوا على اليمن . إن من تابع بعض ما قاله مقربون من حكام بني سعود يستطيع إدراك ذلك . مثلا قال خاشقجي أنه لا يستطيع تصور كيف كانوا سيستطيعون احتمال توقيع الإتفاق النووي بين أمريكا وإيران لو لم يكونوا قد شنوا عاصفة الحزم . وأسهب كثيرون في الحديث عن الأهمية المعنوية لحربهم الإجرامية على اليمن إلى حد أن بعضهم قال ما معناه أنها أعادت لهم رجولتهم . و الآن جاء قانون جاستا عاصفة العواصف وأم الكوارث . فور إبطال الكونجرس لفيتو أوباما يوم الأربعاء الماضي قال بعض المحللين أن من يعرف عقليه بني سعود وحكام الخليج المتحالفين معهم يعرف أنهم سيزدادون خضوعا لسيدهم الأمريكي وتهورا وعدوانية في اليمن لياكدوا لمواطنيهم انهم مايزالون اقوياء وقادرين على تصعيد الحروب . وأعتقد أن أخبار الجبهات والقصف الجوي والسفينة الإماراتية التي دمرت خلال اليومين الماضيين تؤكد صحة هذا الرأي مع الاسف . ويعبر عن ردة فعل أخلاق العبيد هذه بصورة صريحة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات د/عبدالخالق عبدالله الذي أخذ يهدد وينذر ويتوعد ، ولكن رجاء لاتذهبوا بعيدا في اعتقادكم أنه يهدد أمريكا التي أقرت القانون بل يهدد شعوبا لا علاقة لها بالموضوع و يتعرض بعضها إلى حرب عدوانية تشارك فيها أمريكا . يقول هذا الأكاديمي والسياسي مهددا أمريكا بأن مجلس التعاون الخليجي سيتغير وسيصبح أكثر استقلالية وحزما ،ولكن أين طبعا في اليمن والبحرين ومصر . وهكذا نلاحظ أن العبيد المترفين يذوقون طعم المرارة والقهر من سيدهم الأمريكي ولكنهم يفعلون ما فعله العبيد الذين وصفهم نيتشه أي أنهم يوجهون غضبهم وحقدهم ورغبتهم في الثأر والإنتقام إلى من لا علاقة له بمحنتهم وهو هنا اليمن ومصر والمعارضة البحرينية