محمد ناجي احمد
كان وسيظل للكيان السعودي موقف عدائي من أي خطوة وحدوية تجعل الوحدة العربية هدفا قابلا للتحقق في سياق تكاملية أهداف القومية العربية .
فقبل توقيع اتفاقية الوحدة السورية المصرية عام 1958م كان الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود في القاهرة ،وحين أخبره السادات بأن اتفاقية الوحدة جاهزة للتوقيع كان رد الأمير بأن هذه الوحدة ستنتهي بكارثة ،وأنها ستفشل !ولذلك لم تقف السعودية مكتوفة اليدين ،فلقد عملت كل ما بوسعها لإسقاطها ،وتحركت مع قيادات في الجيش السوري ،ومع البرجوازية السورية لإفشال هذه الوحدة ،وأنفقت في سبيل ذلك سبعة ملايين دولار بحسب اعتراف الملك سعود لجمال عبد الناصر حين أصبح سعود لاجئا في القاهرة عام 1964م ،لكن الانقلابيين من ضباط الجيش السوري اعترفوا بمليونين مما يعني أن خمسة ملايين دولار قد ذهبت لجيوب البعض منهم بحسب ما أورده وزير خارجية مصر وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق محمود رياض في إجابته على أسئلة الباحث سعيد محمد دياب …
لم يخف الكيان السعودي موقفه المعادي للقومية العربية وأهدافها في الوحدة على أساس الحرية والدولة العلمانية ،بل جندت كل قدراتها لإفشال كل مشاريع التضامن والتعاون العربي …
ففي الحالة اليمنية كانت السعودية هي الراعي لكل الحروب التي حدثت بين شطري اليمن منذ حرب 1972م إلى حرب 1979م ثم حروب المناطق الوسطى ،إلى دورها الخفي الفاعل والصانع للأحداث الدامية في 13يناير 1986م في جنوب الوطن ،والتي بدأت بمذبحة اللجنة المركزية وانتهت بتصفية معظم قادة الحزب والدولة في الجنوب ورموزها السياسية والثقافية ،مما يعني أن إماتة الحزب الاشتراكي بالضربة القاضية كانت عام 1986م .
وحين قامت الوحدة اليمنية عام 1990م كانت مملكة آل سعود رافضة لقيامها ،وشكل الموقف الأمريكي الداعم والراعي للحدة اليمنية ضغطا على المملكة أجبرها على الصمت ،لكنها وجدت فرصتها في حرب 1994م لتوعز لمصر حسني مبارك بدعم الانفصال بالأسلحة ،لكن الأمريكيين أوقفوا السفينة المحملة بالسلاح ومنعوا وصولها إلى عدن …
ولأن السعودية كانت على النقيض من التوجه الوحدوي اليمني والعربي فلقد كان موقف الإخوان المسلمين في اليمن متسقا وجاريا لها بحجة أن دستور الوحدة علماني ، وأن الشراكة مع الشيوعيين في الحكم حرام شرعا !لكنهم في حرب 1994م حين وجدوا أن الجيش ومقدرات اليمن ستؤول إليهم دخلوا الحرب وأضفوا عليها طابعا دينيا ،فالوحدة بحسب خطابهم آنذاك واجب ديني ،واعتصام بحبل الله ،واستعادوا فتاوى ابن تيمية في جواز قتل المتمترس بهم من المدنيين والأسرى ،لأن حياتهم تعيق ما هو أسمى بالنسبة لهم أي ؛أي الوحدة على أساس تصورهم ومصالحهم …وها هي مملكة آل سعود تجد مبتغاها في التسوية السعودية التي تم التوقيع عليها لإنهاء أزمة 2011م وكان مؤتمر الحوار الوطني ومشروع الدولة الاتحادية خطوة نحو سقوط، والحديث السافر عن “حق تقرير المصير”و”مسألة الدولتين”، لهذا لن أتفاجأ إذا وجدت خطاب الإخوان المسلمين في اليمن وقد أصبح يدعو وينادي ب”مسألة الدولتين “بذريعة أن “هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم ” وأن الوحدة مشروع سياسي وليست عقيدة ودين ،فإذا كان لا إكراه في الدين فمن باب أولى ألاّ إكراه في الوحدة السياسية !،هذا هو لسان حالهم الذي”يتغمغمون”!
لقد بدأ الإخوان في اليمن منذ 2006م يسيرون بهذا الطريق ،فوحدة الإخوان أساسها “الجماعة “وليس الوطن .لذلك نجد الصحفيين والكتاب والسياسيين من ذوي النشأة الإخوانية كنبيل الصوفي وهو يتحدث عن “الشعوب اليمنية بتعدد اللغات والجغرافيات والأعراق “وسمير رشاد اليوسفي وكتاباته عن “فشل الوحدة “وحتميّة “تقرير المصير ” وسنجد تصريحات النائب الإخواني “شوقي القاضي “في أواخر عام 2011م حول حق الجنوبيين في الانفصال وأن العلاقة بين “الشعبين الشقيقين “ستكون وديّة كما هو شأن العلاقة بين مصر وسوريا بعد فشل الوحدة بينهما عام 1961م
إن مشروع “إخوان اليمن “يتكيف في كل مراحله وفقا “لفقه الواقع ” وموازين القوى إقليميا ودوليا ثم محليا ،وهو فقه برغماتي نفعي ،مداره مصلحة “جماعة الإخوان ” فهم لا يصنعون المواقف لكنهم يتعاطون معها بما يحقق بقاءهم وتراكم قوتهم ،إلاّ أنهم ومنذ عام 2012م وإن نجحوا في الحفاظ على استمرارية كيانهم فإن بنيتهم التنظيمية في حالة انكماش وضعف.