محمد عبده الحسني
يتحول تميم ( 45 عامًا ) إلى أحد الالعاب المرتكزة على الشد والجذب ، فيما فاطمة (23 عامًا) تخبرنا أنها تتحول إلى حشوة لوجبة سريعة ، عبدالكريم (35 عامًا) يتسلق جدار بيضة وجمال ( 29 عامًا ) يقاد إلى حلبة مصارعة يهزم فيها دائمًا.
يقول تميم انه يحاول كثيرًا عدم تعاطي القات لأسباب اجتماعية واقتصادية ولكنه يتفاجأ دائما بذلك الخيال الذي يجعل منه دمية متحركة. فالدكاك أو ما يسمى في بعض مناطق اليمن بالرازم يقوم بربط تميم من خصره بحبل مطاطي ( ربل ) ومن ثم يقذف به من علو شاهق وقبل ارتطامه بالأرض يقوم بشده مرة أخرى إلى ذلك الارتفاع ومن ثم قذفه مرة اخرى تستمر هذه الحالة مع تميم لعدة دقائق كما اخبرنا.
من صنع الخيال
يفسر الدكتور عبد الحافظ الخامري استاذ علم النفس في جامعة صنعاء مثل هذه الحالات بأنها «ناتجة عن استمرار تناول الشخص للقات حتى يصل الى مرحلة الإدمان ينتج عنه تحول في خلاياه العصبية الأمر الذي يحفز تلك الأطراف العصبية على إرسال إشارات للمخ كفيلة بصنع ذلك الخيال المسمى بالرازم».
أما فاطمة فتتوشح بالستارة الصنعانية وتخبرنا بأنها فشلت للمرة السابعة في الابتعاد عن تناول القات، وترجع السبب الى الرازم الذي جعل منها حشوة لساندويتش وبعد ذلك يجعلها الخيال تأكل ذلك الساندويتش – تأكل نفسها – وتتكرر العملية عدة مرات. ويتخيل عبدالكريم، أحد مدمني القات يعمل في مجال صيانة الحاسب الآلي، انه يتسلق جدار بيضة يسقط دائما قبل وصوله الى قمتها.
الخوف من الرازم
ويضيف عبدالكريم: أصبح خوفي من الرازم يدفعني الى تناول القات باستمرار وفي حال لم استطع أو توقفت عن تناول القات أتخيل بأني اتسلق جدار بيضة أو أتجول بين أزرار لوحة مفاتيح الحاسب الالي.
إشارات يترجمها العقل الباطن
و ترجع الدكتورة سعاد أحمد – اخصائية أمراض نفسية- مثل هكذا حالات قائلة: يترجم العقل الباطن إشارات تنتقل للشخص عبر ما يسمى الرازم. وعن الصور والاحداث التي يعايشها الشخص في حالة اصابته بالرازم، تفسر ذلك بالمجتمع المحيط والخيال المبني في العقل الباطن للشخص فالإنسان العامل في المجال الطبي كمثال يمكن أن يتخيل نفسه مشرطا جراحيا أو حتى قطرة دم والانسان العامل في مجال الحاسب الالي يمكن أن يكون أحد أزرار لوحة المفاتيح أو أحد القطع الداخلية للجهاز وهكذا.
نفسية المصاب
وتؤكد الدكتورة فاتن محمد عبده أستاذ الطب النفسي بجامعة صنعاء أن الاصابة بالرازم ترجع الى نفسية المصاب والبيئة المحيطة به.
وتضيف الدكتورة فاتن: تختلف سيكولوجية الاشخاص ودرجة التأثر بالمحيط من شخص لآخر فلو كان هناك شخصان يتناولان القات بشكل متشابه فهذا لا يعني إصابتهما بنفس الخيال وفي نفس الوقت.
حلبة مصارعة
في كل مرة يترك فيها تناول القات، يتصور جمال أنه يقاد الى حلبة مصارعة أو الى منطقة مجهولة يجري فيها باستمرار. يقول جمال: عندما انهض من الرازم اشعر بالإرهاق والتعب والالم في بعض المناطق وعن الاجواء المرافقة لشعور الاشخاص بالرازم يتفقون جميعهم حول شعورهم بالأجواء المحيطة بهم وعن سماعهم للأصوات وعن احساسهم التام بكل ما هو محيط بهم ولكنهم لا يستطيعون الحراك أو عمل شيء يوقف ذلك الخيال المزعج المسمى بالرازم.
حالات كثيرة وقصص أقرب الى الخيال منها الى الواقع، تستمع اليها ويخيل لك للحظة أنك تتابع أحد أفلام هوليود ذات الصبغة الخيالية أو أفلام بوليود ذات النزعة الجنونية فأحدهم يتسلق جدار بيضة وآخر يحفر في الارض بأسنانه وثالث يخيل له أن جبال عيبان ونقم أصبحت محملة على ظهره والعديد يعانون من خيالات مجهولة يرتبط بعضها بالجنس وضيق التنفس والكدر المستمر. والبعض بانعكاسات مبهمة وهلوسات خيالية. ويضيف القات الى سلبياته الاجتماعية والصحية والاقتصادية هذه الحالة النفسية التي تدفع بالكثير الى تناول القات بصورة اجبارية.
الابتعاد عن القات
وتبين الدكتورة سعاد أحمد أن الحل يتمثل بالابتعاد التدريجي عن القات ومن ثم الامتناع التام عن تناوله، مشيرة إلى أن تعاطي بعض الادوية المهدئة كفيل بإنهاء ذلك الخيال المزعج وفك الارتباط مع شجرة القات. تبقى تلك القصاصات الخيالية التي عرضت عليَ محل شك لدى الكثير ولكن ما إن تسمعها من أصحابها وتلاحظ تعابير وجوههم التي تنقل اليك صدق أقوالهم كفيلة بمعرفة الأبعاد النفسية لهذه النبتة الخبيثة وكفيلة أيضاً بجعل الفرد يفكر بترك القات.