محمد الصباحي
للمثقف العدني خصوصيته التاريخية والوطنية باعتباره رائدا للفعل الأدبي والثقافي في مدينة عدن التي ظل وفيا مخلصا لها فكان أول من اطلق كلمات التحرر والاستقلال ومقاومة الغازي فكان منبرا للحرية ونبذ التبعية إلا للوطن
اليوم نرى تقاعسا واضحا مغايرا لتلك الخصوصية التي كان عليها المثقف العدني المقاوم!!
العديد من التساؤلات الملحة في واقع دور المثقف العدني في مدينة الأدب والثقافة والحرية من خلال ما نراه من سكوت وصمت جراء ما تتعرض له البلاد بشكل عام والمدينة العدنية والمناطق الجنوبية من الوطن الكبير من نهب وسلب وقتل ودمار وعدوان من خلال الاسطر القادمة نستضيف رمزين للثقافة والأدب هما الأديب والمفكر اليمني الكبير عبدالباري طاهر رئيس الهيئة العامة للكتاب والفنانة المسرحية الكبيرة بنت عدن انصاف علوي حول غياب دور المثقف العدني واختفاء صوته وأدواته الأداة المحركة الفاعلة جنبا إلى جنب مع السلاح المقاوم..
خصوصية مدينة”عدن”
في البداية يشيد الاديب الكبير عبد الباري طاهر بالدور الكبير الذي لعبته مدينة عدن بمثقفيها تاريخيا قائلا «واضح ان المدن كما الناس تشقى وتسعد كما الناس ايضا وكذا مدينة عدن لعبت دورا اساسيا لا يمكن اغفاله ابدا في التأسيس للحركة الوطنية والثقافة الاقتصادية وليس في اليمن فقط بل في الجزيرة العربية وكانت عدن بمثقفيها هي عنوان العاصمة الثقافية والسياسية والاقتصادية للجزيرة العربية فترة الاربعينيات والستينيات والسبعينيات وكانت عنوانا بارزا على كل الاصعدة ولكن بسبب تقلبات الاوضاع في المنطقة ومنذ زمن واستمرار الصراع الذي دار في المنطقة عانت عدن ودفع ابناؤها وخاصة الادباء والمثقفين والكتاب الثمن الباهظ والكبير لخصوصية المثقف الحر في هذه المنطقة «عدن «فقد نشأت في عدن الصحافة العدنية والنقد الادبي والشعر الحديث والنص المسرحي وكانت معظم الانشطة الفكرية والسياسية تنطلق من عدن.
دور تاريخي
ويضيف بعدا آخر قام به المثقفون العدنيون في غرس الثقافة الوطنية والاستقلال رغم المعاناة قائلا «» مدينة عدن « تعاني منذ الاستقلال حتى اليوم وليست وليدة الساعة تلك المعاناة ابدا ودفعت ولا تزال الثمن الباهظ بكافة شرائحها المتعلمة والمثقفة نتيجة الكفاح المسلح ضد الاستعمار والدفاع عن الثورة في الشمال والجنوب وخاصة شريحة المثقفين والادباء من ابناء عدن بشكل كبير وباهظ فهم كانوا في الصف الامامي في المواجهة في الكلمة واللحن والغناء والادب والثقافة فكانت الاغنية الوطنية التي لعبت دورا لا يقل عن المسلح في الذود عن المدينة والتصدي للمحتل واقرار الامن والامان في المدينة التي كانت حاضنة لكل الديانات والانسانية دون تفريق وكانت الصحافة العدنية التي اسست للثقافة الوطنية والاستقلال..
متغيرات المثقف العدني
وعن المثقف يرى طاهر انه كان ضحية عدة متغيرات حدثت للمدينة وللمثقف نفسه قائلا «وعن دور المثقف فحدث ولا حرج حيث لعب المثقف العدني دورا هاما في الحركة الوطنية سواء من خلال الاحزاب السياسية أو من خلال حركات التحرر في الجبهة القومية أو جبهة التحرير ولكن نتيجة الصراع السياسي بين قوسين كان المثقف والاديب والكاتب العدني هو الضحية بداية من احداث 13 يناير 1986 التي كانت ام الكوارث في رأيي فهي التي اذهبت الفعل المؤثر للمثقف العدني او المثقف في المناطق الجنوبية بشكل عام ثم جاءت احداث 1994 وما تلتها من احداث قضت عليه وهمشت دوره وكذا دور « المدينة العدنية « التي كانت محراب تنوير لكل اليمنيين وكان المثقف العدني هو النبراس الذي ينير دهاليز الظلام للمجتمع ولكنه دفع مرغما عنه الثمن باهظا جراء الحروب من الاستقلال الى احداث يناير المشؤوم الى 94 الى الحرب القائمة اليوم..
الصدمة افقدت المثقف
وعما يحدث اليوم من نهب وسلب وسكوت للمثقف يؤكد على وجود دور للمثقف العدني وإن كان خافتا حيث يقول «للأسف الشديد المثقف اليمني وخاصة العدني يدفع اليوم ثمنا باهظا لهذه المعارك البائسة فهم شهود على الواقع على ما يجري من جرائم ترتكب اليوم في كل المحافظات اليمنية والمدن وليس في «مدينة عدن « فقط ومن مصادرة الحريات والديمقراطية نعم هناك نهب وسلب ومصادرة للحريات والديمقراطية في «مدينة عدن « اليوم وكذا في جميع المناطق اليمنية ولكني لا اعتقد ان المثقف « العدني « أخرس أو اصم فالمثقف العدني تعرض فقط « لصدمة « اثرت على تواجده الآني لكنه سرعان ما عاد من خلال ردة فعل من خلال الاحتجاجات والتنديدات والخروج إلى الشوارع رافضين هذا الواقع المؤلم يحتجون وكذلك يعانون فقد شلت الحركة الادبية والثقافية بسبب الوضع القائم اليوم وغابت الحريات واوقفت الصحافة الجادة والوطنية والقنوات الاعلامية ولذلك لا نرى لها صوتا أبدا إلا في الخارج..
جهل المثقف !
تؤكد الفنانة العدنية انصاف علوي على وجود جهل لدور المثقف العدني اليوم قائلة «هناك جهل لدى المثقف في عدن بما يحصل في بلدي بينما يعلم الكثير عما يحدث في الخارج حان الوقت لكي يستجمع المثقف العدني كل أدواته إحساسه مداركه لكي يطلع لنا بنتيجة والنتيجة لا تنحصر بين قوسين على ( الشعر والقصة والرواية ) هناك اشياء اخرى من تحليل السطور اكان سياسياً ابداعياً توعوياً تنويرياً اليس في الحرب العالمية الثانية عندما اعتدت المانيا على بولندا ثم دخلت إلى برست ثم إلى جمهورية بيلاروسيا ثم تشعبت الي اوكرانيا لم يكن للمثقف الروسي دور في احياء مسرح الحرب يعني أدب الحرب وشعر الحرب وقصص الحرب.
وتضيف « يفترض أن لسان حال الكتاب والأدباء اليمنيين لسان حال شعب ودولة ينطق سواء بإدانة او استنكار او استحسان فكلمة « الوطن « تعني انا وليس فقط السلطة إلى الآن لم يدرك بعض المثقفين في عدن ما معنى كلمة الوطن « انا « وانا هو « الوطن « وهناك فارق بين السلطة والوطن ..اقول بصراحة مؤلمة أن المثقف في عدن صار بين قوسين لا يدري ماذا يحدث ؟ هناك غزو وانتهاك لسقف اليمن يقتل فيه آلاف الشهداء هل تعلم ايها المثقف في محافظة عدن وفي المحافظات الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية ان تعداد شهداء اليمن تجاوز المليون والنصف بأي ذنب قتلت.
العديد من الاسئلة لدى علوي مخاطبة المثقف العدني بشكل خاص «لماذا هذا الصمت ؟ اليس لك أداة تعبر فيها عن هذا الألم ؟ هل تنتظر من هو القوي والأقوى ؟حتى تمتطيه فتقوم باستخدام قلمك وفنك الابداعي للتعبير عن هذا القوي؟ اقول إن كنت تتنظر هذه القوى « فقد خاب مسعاك وخسر هدفك الوطن ليس بحاجة إلى امثالكم اما اذا كنت في حالة عدم دراية بما يحدث فتلك والله مصيبة اعظم الداخل للأسف هو الخطر الاكبر هناك اكليشة لدى مثقفي عدن هي « تصفية الحسابات « بين كل منطقة ومنطقة والمثقف للأسف كان أداة لهذه التصفيات …لماذا هذا السكون المتعمد حيال ما يحدث في بلادك أيها المثقف مع سبق الاصرار والترصد لدى المثقف اليمني عموما وبالذات في محافظة عدن ؟ لماذا مثقفو عدن وانا واحدة منكم ؟ هذا السكوت بما يحدث في بلادي اليس لك رأياً مستقلاً الله خلقك مخيراً وليس مسيراً تخدم وطنك وليس فرداً ؟ اليس ذاك الطفل تحت الانقاض ابنك اليست تلك الام الثكلى امك الم يحرق دمك ؟فقط اهل عدن « يقتلون « اهل عدن «ينهبون «؟ أليست اليمن كلها شعبك ؟ لماذا هذا الانفصال مع سبق الاصرار والترصد ؟ لما ذا تستقبلون الفتن من الخارج لكي تشعلوا المحافظات الجنوبية في الداخل لماذا ؟
وتختم حديثها في توجيه نصيحة إلى المثقفين في اليمن وعلى رأسهم المثقف العدني «اقول آن الأوان اليوم لكل المثقفين في اليمن وعلى رأسهم المثقف العدني أن يتحركوا ويصدحوا بأصواتهم لأن الوطن سينهار ولن تكفي الملايين لكي نشتري وطنا جديدا ؟ الثقافة الوطنية للأسف انتهت في عدن في اليمن ككل وهنا اقول الم يحن الأوان لكي تنتعش الثقافة الوطنية اليوم لا بد من إعادة دور التربية الوطنية في المدارس يا وزير التربية ؟
وهنا بعض المداخلات حول غياب دور المثقف العدني من وجهة نظر بعض الكتاب والأدباء نستعرضها منهم لقربهم منه:
أقنعة مزيفة !
الشاعرة وفية العمري ترى أن هذا العدوان قد كشف العديد من الاقنعة المزيفة والتي تدعي الوطنية حيث تقول «اجزم بقناعاتي وقربي من المثقف العدني ان الكثيرين هم شرفاء واوفياء ووطنيون لهذا الوطن ولكن البعض قد باع قلمه وفنه وادبه بثمن بخس ربما الاحتلال الموجود والخوف في المدينة العدنية كان سببا لدى البعض لكن المثقف في لسان حال الامة لا يخاف أبدا ….. ولذلك اليوم يتم الاحتفال بالمحتل الجديد من التكفيريين والعملاء ولذلك زج بالمثقف ليبدو في المناطق الجنوبية سخيفا ؟ فكيف نحتفل اليوم بعيد الجلاء وخروج آخر جندي محتل في ظل وجود ترحيب بمحتل جديد في بلادك ألا يستحون ؟
وتضيف العمري في نهاية مداخلتها «هذا العدوان الغاشم على اليمن قد كشف الاقنعة المزيفة وعرف الشعب من هو الوطني ومن يدعي الوطنية ولذلك وجب التكاتف لدى المثقفين اليوم ….للأسف ان البعض من المثقفين قد انزلق باتجاه أطماعه اصبح البعض منهم ينتظر من هو الفائز ومن الخاسر والوطن هو الفائز الاوحد.
غياب وانقسامات !
الروائي وليد دماج يرى أن عدم وجود مشروع وطني والانقسامات الموجودة ساهمت في غياب صوت المثقف اليمني بشكل عام والمثقف العدني حيث يقول «أعتقد أن فشل المشروع الوطني وعدم تحقيقه طموحات الناس وهذه المآلات المؤلمة التي انتهت إليها بعض المحاولات لتنفيذ مشروع وطني وعودة التقليدية، وما قبل الوطنية للاستيلاء على مقاليد الأمور والزج بالبلاد في انقسامات قبل وطنية كالطائفية والمذهبية والمناطقية والجهوية وإعادة تأصيل فكر هوياتي غير وطني، وينكر الهوية اليمنية كمرجع جامع للقوى المختلفة…