متابعات: »الوحدة«
تهل علينا اليوم ذكرى عطرة هي ذكرى مولد الحبيب المصطفي صلوات الله عليه ، التي كانت بمثابة إطلالة للرحمة الإلهية للبشرية جمعاء ، وعبر القرآن الكريم عنها بأنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، وهذه الرحمة لـم تكن محدودة، فهي تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم ،وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية، كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الـزمان، بل تمتد على امتداد التاريخ بأسره، قال تعالى:( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم)
والاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من أفضل الأعمال وأعظم القربات، لأنها تعبير عن الفرح والحب للنبي صلى الله عليه وسلم،ومحبة النبي أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليهما محبة شيء من الأمور المحببة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان، لكن كيف الاحتفال في ظل هذه الهجمات والطعنات المتتالية من الداخل والخارج في ثوابت الإسلام وخاصة في السنة النبوية المطهرة ؟
مناسبة وحدوية
طه هادي الحاضري، عضو رابطة علماء اليمن ، يقول إنها فرصة عظيمة أن تكون ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة لنتذكر رسول الله ورسالته وعلاقتنا به وارتباطنا كمسلمين ، لا فرق بين سني و شيعي إلا بالتأسي به والاتباع له ،ولا بين طائفة وطائفة إلا بقدر تجسيد أخلاقه ولا بين مذهب ومذهب إلا بصدق الانتماء السلوكي والتعاملي له ،ولا بين حزب وحزب إلا بتجسيد حرصه على الناس وعلى هدايتهم ونجاتهم في برنامج الحزب وممارساته على أرض الواقع وابتعاده عن الكذب والاستغلال ومراعاة مصالحه الخاصة على حساب المصالح العامة وعلى حساب الأمن القومي الإسلامي.
ويؤكد الحاضري في ورقته بعنوان « المولد النبوي والوحدة الإسلامية والنزغ الصهيوني»، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)استطاع أن يُنشئ أمة إسلامية رائدة في برهة من الزمن سادت الدنيا بقيادته ، فكان من عناصرها العربي والعجمي والفارسي والرومي والحبشي ،وذابت الاختلافات الدينية والمعتقدات الخاطئة وصلحت الأخلاق الذميمة واستقام السلوك المنحرف.
وأضاف : ومن هنا فليس سبب الفرقة عدم معرفة الحق لأنه واضح وأبلج وإنما خلل في الفهم وعقم في التفكير وأخطاء في السلوك وكل ما سبق نابع من سوء في الأخلاق.
فإذا كان النبي (ص) يقول موجزاً رسالته في عبارة واحدة: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ويقول عن الدين الإسلامي برمته في جملة واحدة: (الدين المعاملة) ومكارم الأخلاق والمعاملة بين الناس هي أمور عملية سواء بالقلب أو باللسان أو بالفعل وهي التي يعبر القرآن الكريم عنها بالعمل الصالح وكم تكرر قوله سبحانه عن المؤمنين: (وعملوا الصالحات) فأول خطوة للوحدة الإسلامية هي الأخلاق التي وردت في القرآن الكريم وجسدها الرسول (ص) بالتعامل واقعاً وكان لها الأثر الكبير حتى أن من المشركين من كان يُسلم ويُؤمن لمجرد موقف واحد رأى من خلاله عظمة أخلاق الرسول (ص) وقبل أن يسمع آية واحدة من القرآن الكريم.
وتابع القول : الدين بطبيعته وحدوي واجتماعي وتجميعي للناس فمن الصلاة وحركاتها الأساسية – دون الاكتراث بالأمور الفرعية الفقهية ومروراً بها جماعة خمس مرات في اليوم والليلة وبصلاة الجمعة وصولاً إلى الحج وتجمع المسلمين من مختلف الدول والجنسيات واللغات والشعوب والقوميات تكون الفرائض توحيدية لله تعالى ووحدوية للناس أما في جانب التعامل فشرع الله واضح في ما يتعلق بالبيع والشراء والنكاح والطلاق وكل أبواب المعاملات الفقهية بالإضافة إلى التعامل الأخلاقي من طاعة للوالدين وبين الإخوة والأرحام والأقرباء واتساع الدائرة بالجيران والأصحاب والأصدقاء والمسلمين بشكل عام وبالصدق والأمانة والتناصح والولاء والبراء وغيرها وكل هذه الأمور سواء العبادية أو المعاملاتية أو الأخلاقية السلوكية التي هي مترابطة أصلاً وهي محل اتفاق ويجمعها توجيهات الله تعالى بالاعتصام بحبله وبالتوحد بمنهجه وتحذيره ونهيه من الفرقة والشتات والاختلاف وتهديده لمن يشرد عن طريق الألفة والمحبة والتراحم والتعاضد والتكافل والتعاون.
وخلاصة القول : أن المولد النبوي الشريف رسالة وحدوية عظيمة بالغة الأثر في نفوس المسلمين إذا ما أحسنوا استغلالها بإيجابية وبوعي ومسؤولية لأنه يذكرنا بالوسيلة المناسبة والسليمة والفاعلة لانتقالنا من مجر التنظير للوحدة وهي الاقتداء بالرسول (ص) الذي قال الله تعالى له: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ومن أخلاقه العظيمة الـتألم على واقع الناس المأساوي والحرص على هدايتهم بكل حب لهم وشفقه عليهم قال الله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ومن شدة ألمه وحزنه وأسفه على الناس قال الله تعالى له: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)فهذه الروحية النبوية هي منطلق للدعوة إلى الوحدة من منطلق الحرص على الأمة وليس من باب الانتماء الضيق أو في حدود النظام السياسي الذي يقبع الداعي تحت حكمه أو في إطار عصبيته المذهبية أو الطائفية أو في بعده القومي والشعبي.
من الظلمات إلى النور
وفي ذات السياق ، قال د. العلامة غالب عامر ،إن المصائب التي حلت بالأمة اليوم هي نتيجة ابتعادهم عن دين الله وسنة رسوله ،وعدم الاقتداء بمبادئ وأخلاق وقيم الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم .. وقال « إن النبي تمسك بدين الله ونشره رغم ما عاناه من مضايقات إضافة إلى ما تقدم به أعداء الإسلام في ذلك الوقت من عروض وإغراءات ليترك هذا الدين «.
وأضاف د .عامر، في فعالية ثقافية بمناسبة المولد النبوي الشريف بأمانة العاصمة « أين نحن اليوم من هذه المبادئ والأخلاق والقدوة الحسنة، فيجب علينا الآن أن نغرسها في نفوس وقلوب أبنائنا وتعليمهم بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو من حرر الأمة من العبودية وأخرجهم من الظلمات إلى النور «.
وأشار إلى ضرورة أن تقف الأمة العربية والإسلامية عند أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم كسلوك يجسد أخلاق المسلمين ويميزهم عن بقية الأمم.
صحوة إسلامية
فيما أشار عضو رابطة علماء اليمن العلامة فؤاد محمد حسين ناجي في ورقةَ عمل تحت عنوانَ «أهمية إحياء المولد النبوي ودلالاته»، إلى أن الاحتفالَ بالمولد النبوي يدلُّ على المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى التقوى كما قال سبحانه وتعالى «وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ»، ودليلٌ على لين القلب ورقّة الفؤاد وخشوع الإنسان وعلى الشَّوق لرسول الله والاتصال بذكراه والتعلُّق به.
ولفت إلى أن الاحتفالَ بالمولد يدل على صحوة إسلامية وأن اجتماع مئات الآلاف من أجلِ رسول الله وتعظيماً له يعكسُ صحوةً إسلامية مبشرة وهذا ما هو حاصل بالفعل .. مبينا أن هذا الاحتفال يُظهِرُ الأمة الإسلامية أمام العالم أنها أمة ذات حضارة لها جذور وخصوصيات وسمات لا يمكن أن تذوبُ في بوتقة العولمة والتغريب أو أن تتماهى مع مشاريع الغزو الثقافي.
وذكر أن الاحتفالَ بالمولد النبوي الشريف يدل على أن مشروعَ الوحدة أقوى من مشاريع التمزيق والتفتيت، كما أن أكبرَ الدلالات لإحياء المولد النبوي أننا أمةٌ نتمسك بنبينا ونعظّمه ونُجِلُّه ونحرصُ على التأسي به، وأننا لا نزالُ نتولاه ونطيعُه ..