يحيى محمد سـلام
لماذا صارت لصعدة قضية¿ وماهي قضيتها¿ وما علاقة الحوثيين بها¿ وكيف سيتم حلها¿ ومن هم أطراف الحل¿
لنحاول الإجابة على هذه التساؤلات ونبدأ بافتراض أن هذه القضية يمكن تلخيصها في ضرورة إعادة سيطرة الدولة على محافظة صعدة وبعض المناطق المجاورة لها ومعالجة نفـوذ الحوثيين أو أنصارالله فيها الذين أخذوا دور الدولة أو ينافسونها هناك ويندرج ضمن هذه القضية حل المشاكل الناتجة عن الحروب السابقة مثل قضية المهجرين وإعادة الإعمار.
إذن أساس القضية هو واقع المنطقة الذي شكل حاضناٍ للحوثيين والذي بفعله استطاع الحوثيون التواجد بقوة وفرض نفوذهم على المنطقة ولهذا فلا بد من التمعـن في النظر إلى خصائص واقع المنطقة الذي جعل هذا الوضع ممكناٍ ومن المعلوم بأن عوامل الجغرافيا والتاريخ والثقافة هي التي تعمل على تشكيل الواقع بدرجة أساسية.
موقع صعدة
صعدة هي أقرب منطقة يمنية إلى قلب الجزيرة العربية وبوابة اليمن البرية ولكنها دخلت منذ ما يقارب القرن في وضع طارئ استطاع أن يفرض عليها تواصلاٍ ضعيفاٍ مع جوارها سبب لها شبه عزلة نتيجةٍ لانقطاع تواصلها غرباٍ مع السهل التهامي والمنفذ البحري كغيرها من مناطق سلسلة جبال السراة وأيضاٍ شمالاٍ مع امتدادها في نجران وعسير وكل ذلك بسبب الحدود السعودية اليمنية المقـفلة أما شرقاٍ فالصحراء قد شكلت عازلاٍ طبيعياٍ وتبقى الجهة الجنوبية هي الوحيدة للتواصل ولكنها لا تحقـق ذلك بسهولة لكونها تؤدي إلى مناطق شحيحة الانتاج قليلة السكان سواء عبر الحرف باتجاه عمران أو عبر وشحة ذات التضاريس الوعرة باتجاه حجة فإذا أضفنا وعورة التضاريس لمنطقة صعدة خاصة في الجزء الجبلي الغربي فإن عوامل عدم التواصل تتعزز وتفرض على المنطقة شبه انقطاع عن المؤثرات والأحداث والأنشطة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية الدائرة في بقية المناطقة اليمنية وفي الجوار بشكل عام.
هكذا أثرت الجغرافيا على صعدة أما التاريخ فـقد كان تأثـيره أشد عليها.
صعدة والتاريخ
كانت صعدة من المناطق اليمنية المتـفاعلة مع أحداث التاريخ الاسلامي بحكم تصدرموقعها ونظراٍ لقرب هذا الموقع من قلب الجزيرة وفي نفس الوقت بعده النسبي عن المراكز الحضرية الإسلامية مع وعورة تضاريسه فقد كان جاذباٍ لقوى المعارضة لأنظمة الحكم خلال عهدي الدولتين الأموية و العباسية عندما إلتجأ إليها العلويون – وهم من الهاشميين – الذين تعرضوا للتهميش أو الاضطهاد أو القمع خلال فترات متعاقبة.
منذ ألف سنة التجأت إليها الفرقة الزيدية بقيادة أئمتها الذين استطاعوا إقامة دولة عاصمتها نجران وبعد ذلك صعدة التي صارت معقلاٍ لهم انطلقوا منها جنوباٍ لتوسيع دولتهم وخلال ذلك خاضوا صراعات عديدة مع بقية الدول اليمنية الأخرى وقبل خمسمائة سنة تحولت طريق التجارة العالمية إلى رأس الرجاء الصالح بدلاٍ عن المرور باليمن وأدى ذلك إلى حدثين هامين الأول هو إضعاف الدول اليمنية المنافسة لدولة الإمامة وخاصة الدولة الطاهرية في وسط اليمن وجنوبها والتي كانت مستفيدة من هذا الطريق مما سهل لدولة الإمامة التوسع والثاني هو تواجد العثمانيين باليمن الذين جاءوا في البداية لمجابهة البرتغاليين وإعادة فتح هذا الطريق ولأجل هذه الغاية غزوا مصر ثم مباشرة عدن لكنهم انهزموا أمام البرتغاليين في جوا بالهند فبقوا في اليمن واصطدموا مع الدولة الإمامية.
لقد كان اختلاف المذهب بين الطرف الإمامي وبقية الأطراف الذي خاضت صراعات معه عاملاٍ لاعتماد الحكم الإمامي على المذهب الزيدي كأيديولوجية في الصراع السياسي وكان نشوء الدولة واستمرارها مرتكزاٍ على هذه الأيديولوجية ومسألة اعتماد الدول على الأسس الأيديولوجية في نشوئها أمر شائع وعام.
إن تميز صعدة بأنها كانت منطلق دولة الإمامية الزيدية ومعقلها لفترة طويلة قد أكسبها هوية اجتماعية وثقافية متميزة وهي التمسك بالمذهب الزيدي ولا نقول التعصب له وأدت الظروف الجغرافية العازلة والحكم الإمامي الذي فرض العزلة مع الخارج ومع الداخل إلى تجذر هذه الهوية المكتسبة وهكذا فقد ساهمت الجغرافيا و التاريخ في تشكيل الثقافة والسياسة.
بعد ثورة سبتمبر استمرت صعدة لفترة في دورها التاريخي مع دولة الإمامة بسبب الصراع الملكي الجمهوري و دور صعدة المحوري فيه لتجاورها مع السعودية الداعم للأئمة ثم بعد المصالحة وانتهاء الصراع تم تهميش صعدة ولم يكن لأبنائها حضور قوي في مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها وظلت صعدة منكفئة على نفسها ولم تتواجد الظروف المناسبة للخروج من هذا الوضع إلا بعد تحقيق الوحدة بين الشطرين الجنوبي والشمالي.
الحوثيون والإمامة
بعد الوحدة إستجدت الظروف التالية:
1- الترخيص بالتعددية السياسية والثقافية في دولة الوحدة.
2- حاجة السلطة الحاكمة إلى هوية صعدة لاستخدامها في التوازنات الاجتماعية والسياسية في الواقع الجديد الذي نشأ بعد الوحدة.
3- التاثير المتنامي للدور الإيراني في المنطقة وبحثه عن مواقع حليفة له.
4- شروع السلطة الحاكمة في التوجه نحو توريث الحكم.
أدت هذه الظروف الجديدة المتزامنة إلى ظهور الحركة الحوثية المستلهمة أساليبها وأهدافها من إرث صعدة الإمامي الزيدي حيث أن العامل الأول وهوالتعددية سمح لها بالعمل العلني المعترف به سواءٍ سياسياٍ في تنظيم حركي أو دعوياٍ للمذهب أما العامل الثاني وهو حاجة السلطة إلى خلق توازن مضاد للقوى الداخلية و الخارجية التي استقـوت بعد استبعاد الشريك في دولة الوحدة فـقد أفاد الحركة الحوثية في أول نشأتها أما العامل الثالث وهو الدور الإيراني فقد أفادها على الأقل في الحصول على الدعم المعنوي والثقافي والسياسي أما العامل الرابع وهو مسألة التوريث فقد شكل للحوثيين المبرر لإعادة طرح النظرية الزيدية في الحكم كحجة أقوى من عملية التوريث في الحكم الجمهوري الذي قام أساساٍ لإبطال الحكم الإمامي القائم على توريث الحكم والإمامة.
العوامل السابقة مكنت الحركة الحوثية من الظهور والتقـوي والحصول على التأييد الشعبي في صعدة المستند على المخزون الكامن للإرث الثقافي التاريخي المتعلق بالإمامة والزيدية وبالرغم من أن السلطة الحاكمة قد أمـلت أن تكون الحركة الحوثية مأمورة بإمرتها وبأن تستخدمها في أغراضها وتوازناتها إلا أن الحوثيين لم يمكـنوها من ذلك ولم يكونوا بحاجتها في استمرارهم وتعزيز مواقـعهم ولهذا دارت الحرب بين الحوثيين والسلطة بدون حسم لأن السلطة كان هدفها هو إخضاعهم لأغراضها في المقام الأول كما أنها لم تعد قادرة على تحجيمهم لأن قواعدهم الشعبية في صعدة قد تعززت هذا وقد اكتشفت السلطة بأن الحرب هي وسيلة لإضعاف الجيش وإعادة هيكلته بما يخدم مشروعها في توريث السلطة.
هكذا أصبح الحوثيون في صعدة وجوارها واقعاٍ لا يمكن تجاوزه ولابد من التعامل معه بواقعية.
من الممكن المقارنة بين الحوثيين والأئمة من النواحي التالية:
1- الإرتكاز على صعدة كمعقل للتراث الإمامي الزيدي في الإنطلاق نحو الحكم.
2- الاستناد على النظرية الزيدية في الحكم القائمة على الإمام المنتسب إلى البطنين.
3- الاعتماد على المجابهة العسكرية مع الخصوم والتحصن بتضاريس صعدة المنيعة ثم التوسع العسكري نحو مناطق أخرى.
4- حكم المناطق المسيطر عليها وإدارتها مباشرة ولهذا لم يتجه الحوثيون إلى إنشاء حركة سياسية بتنظيم حزبي إلا مؤخراٍ.
5- الأولوية هي خدمة المذهب قبل تحقيق المتـطلبات الوطنية والمناداة بالشعارات المذهبية قبل الشعارات الوطنية وحتى مع الإمامة التي حكمت كامل الشطر الشمالي كانت تتميز بالصبغة المذهبـية قبل الصبغة الوطنية وكرست دولتها لتكون في خدمة المذهب قبل خدمة الوطن من تنمية واقتصاد وغير ذلك و عملت على عزل البلاد تماماٍ عن الخارج وعن التواصل الداخلي من أجل خدمة المذهب لأنه كان فريداٍ في الحكم على مستوى العالمين العربي والإسلامي ولم توجد دولة إمامية زيدية أخرى لإقامة علاقات طبيعية معها وهذا هو سر إصرارالأئمة على عزلة اليمن عن العالم وعلى نفس المنوال فالحوثيون اليوم ليس معهم إلا إيران والحركات والأحزاب الشيعية في العالم العربي.
رغم المقارنة التي أدت إلى التشابه بين الحركة الحوثية والحركة الإمامية إلا أن هناك عدداٍ من العوامل تفرض على الحوثيين الاختلاف أو التميز أو الافتراق عن الحركة الإمامية التاريخية.
مستقبل الحركة الحوثية
متطلبات العصر تفرض المراجعة النظرية والإجتهاد في المذهب الزيدي و بالخصوص نظرية الحكم الإمامية بعد انتهاء حكم الأئمة وصعوبة العودة إليه لحكم اليمن كاملاٍ بنفس المنطلقات القديمة علماٍ بأن الإمامة وإن كانت من أسس المذهب الزيدي إلا أنها عند الزيدية ليست من أركان الدين كما هو الحال عند الشيعة والسبب بسيط وهو أن الإمام الزيدي غير معصوم بل ويمكن الخروج عليه وأحياناٍ يكون الخروج عليه واجباٍ.
أما متطلبات الواقع فتـفرض تقديم الوطنية على المذهب في السياسة والعمل السياسي حيث أن وجود الحوثيين في الواقع – وهو الوجود الذي لا يمكن تجاوزه – يفرض عليهم التعاطي مع الدولة ومع بقية القوى السياسية والوطنية على مستوى اليمن لأنه باختصار يصعب عليهم إنشاء دولة مستقلة محصورة في صعدة وجوارها فقط ليس لأن هذا غير مسموح به من قبل الدولتين اليمنية والسعودية بل ولأن ذلك هو دون طموح الحركة الحوثية نفسها فالأغلب إنها تريد من صعدة مجرد قاعدة للانطلاق نحو بقية المناطق المحسـوبة على الزيدية تاريخياٍ إن لم يكن الطموح إلى ما هو أوسع من ذلك.
في حالة اضطرار الحوثيين إلى التمسك بصعدة فقط بحيث يكون وضعهم فيها كوضع حزب الله في جنوب لبنان وحضورهم على مستوى الساحة اليمنية كحضور حزب الله في لبنان فإن ذلك قد لا يجد المبررات الكافية الضامنة لاستمرار تأييد أبناء صعدة واليمنيين جميعاٍ للحوثيين مثلما هو الحال في لبنان لأن الظروف مختلفة والإرتكاز على مبرر المقاومة ليس له نفس القبول في صعدة كما هو مقبول في لبنان.
يبدو أن التوسع الجغرافي الحوثي قد وصل الى نهايته وتحدد بالمنطقة التي تحت نفوذهم الآن ولم يعد بالامكان تجاوزها ورغم أن الدولة قد انسحبت من المواجهة معهم وانتهت مقاومتها لتوسعهم إلا أن تمدد الحوثيين توقف سواءٍ في الجوف أوفي الحرف نحو عمران أوفي عاهم عند كشر نحو حجة أو في الملاحيظ ومستبا نحو تهامة والمنفذ البحري وتحول وضعهم في المنطقة التي تحت نفوذهم إلى مايشبه الإدارة و الحكم لهذه المناطق وبهذا تتغير علاقتهم بقاعدتهم الشعبية إلى علاقة الحاكم بالمحكوم وهي علاقة تعمل على تآكل شعبية الحاكم بسبب متطلبات المحكوم من الحاكم ومحدودية عطاء الحاكم للمحكوم وهكذا فقد تتحول هذه المناطق التي تحظى بدعمهم إلى مجرد مناطق خاضعة لهم.
الاحتمال الأرجح بعد وصول التوسع العسكري الجغرافي إلى منتهاه هو مواصلة الانتشار بأساليب أخرى سياسية ودعوية إلى مختلف المناطق اليمنية وفي هذه الحالة فإن الخطاب والشعارات التي ترفعها الحركة الحوثية لابد أن تلائم الواقع لأن نشاطها سيكون في مناطق مختلفة ومخالفة و أحياناٍ معادية لهم مذهبياٍ وسياسياٍ وقد يكون من الأجدى لهم رفع الشعارات السياسية قبل الشعارات المذهبية والعمل بمنهج سياسي والدخول في تحالفات سياسية وغير ذلك من العمل السياسي لتحقيق أهدافهم سلمياٍ وتترك للتجربة تقيـيم مدى النجاح في تحقيق الأهداف المأمولة فالمهم الآن هو أن تتحول الحركة الحوثية إلى حركة سياسة و دعوية تتحرك على مستوى اليمن كاملاٍ بشكل سلمي وقانوني وهو أمر من الضروري الدفع به أوالتوجه نحوه من كل الأطراف بما فيهم الحوثيون.
المنهج السياسي السلمي و القانوني على المستوى الوطني يعني أن الحوثيين لا يمكن أن يحققوا المكاسب السياسية إلا عندما يتـقبـلهم الناس في بقية المناطق بقناعة واختيار حر وهذا يستدعي منهم عدم الركون إ إلى المجابهة العسكرية وفرض السيطره بالقـوة ولن يطمئن الشعب اليمني لهم في بقية المناطق إلا عندما يتـقبـل سلوكهم في صعدة ولهذا لابد أن يبرهن الحوثيون على استعدادهم للقبـول بالآخرين المختلفين معهم مذهبياٍ وسياسياٍ وأنهم على استعداد للتعايش والتحاور معهم واتباع الطرق السلمية والقانونية في معالجة الاختلافات’ وهذا ضروري لكي يتم بالمقابل القبول بالحوثيين و التعايش والتحاور معهم واتباع الطرق السلمية والقانونية في معالجة الاختلافات معهم في كل مناطق البلاد وإذا تم ذلك فلن يكون هناك مبرر لاستمرار السيطرة العسكرية على صعدة وبالتالي تمكين الدولة من ممارسة مهامها هناك خاصة مع وجود النظام السياسي للدولة الداعم لذلك من حكم محلي واسع وديمقراطية حقيقية علماٍ بأن إعادة الإعمار لصعدة لن يكون ممكناٍ بدون تحقيق السلم الأهلي وتطبيع الأوضاع فيها وإرجاع المهجرين ووجود الدولة لتمارس مهامها المعتادة ولهذا فالحوار لحل قضية صعدة بهذا الأفق هو المدخل لذلك خاصة مع إدراك الحوثيين بأن بقاء الأوضاع على ماهي عليه لن يكون في مصلحتهم على المدى الطويل وعليهم أن يبلوروا ويحددوا أطروحاتهم للقضية وحلها وهو أمر لم يتم بشكل جلي و واضح حتى الآن.
مخاطبة الجماهير بالاعتماد على الوازع الديني والمذهبي فقط بغرض إقامة دولة هدفها الحفاظ على الدين والمذهب من الاعداء الداخليين والخارجيين لم يعد جذاباٍ و مقبولاٍ كما كان أيام دولة الإمامة لأن الناس يريدون الآن من الدولة ما هو أكثر من ذلك بكثير من تنمية شاملة و تحقيق السلم و الأمن في كامل البلاد والارتقاء بالحاله المعيشية و الاقتصادية ورعاية التعليم والصحة والمواصلات وغير ذلك من مهام الدوله الحديثة ولهذا فلابد للحركة الحوثية أن لا تبقى في إرث الماضي الذي أوجدها بل عليها أن تستجيب لمتطلبات الحاضر حتى تستمر إن أرادت أن تستمر..