كحال الكثير من المدارس في مختلف محافظات الجمهورية أصبحت مدرسة التوفيق في قرية الجرين «عزلة بني سبأ « من مديرية يريم عبارة عن مثال صغير لما صار إليه واقع التعليم في بلادنا !! تْصاب بمرارة عميقة تصعد من أعماق قلبك تبدد بسمتك وتحولك إلى كتلة ألم صادقة عندما تراها إذ لم تعد مدرسة التوفيق كما كانت لقد أصبحت كبئر معطلة خاوية على عروشها من كل ما هو جديد أو مفيد …
لم يعد هناك ازدحام أو اهتمام بها تغير فيها كل شيء إلى اللاشيء فالطلاب اصبح عددهم بالعشرات حال المدرسة يبعث على الحسرة لما وصلت إليه فالنوافذ مكسرة والأبواب مخلعة حتى الأدوات التي كانت في المدرسة تم بيعها من قبل أحد من استلموا مهام إدارتها بل لا ابالغ إذا قلت أنها لم تعد صالحة للدراسة والتعليم فيها !!
تحقيق / ياسر غالب الجابري
مدرسة التوفيق أصبحت كبيرة السن أكلها الدهر بكلكلة جعدها الزمن ورسم عليها ملامح وأمارات الشيخوخة لعدم الاهتمام بها فالطلاب لا يجدون الكتاب المدرسي وإذا وجد الكتاب غاب المعلم الذي يظل مشغولاٍ تارة بالزراعة وأخرى بمتطلبات البيت وللطالب ميدان للعب يحتويه!!.
مدرسة التوفيق عندما تراها وتتجول بين أروقتها تشعر وكأنها تشكو حالها إليك عندما تقف أمامها تصطلي في نفسك آهات الحسرة وتواسيك الآمال المستقبلية لعله يأتي اليوم الذي تْحسن فيه الجهات المعنية إلى هذه المدرسة وتبريها من آلامها التي أصيبت بها خلال السنوات الماضية جراء إهمالها من قبل القائمين عليها الذين عينوا عليها على أساس الولاء الحزبي وليس على معيار الكفاءة والتي كانت عواقبها تدمير المدرسة بل وانهيار التعليم بشكل ممنهج ومدروس !!
ولمعرفة أسباب تدهور هذه المدرسة والتعرف على أحوالها التي لا تسر عدواٍ ولا صديقاٍ قمنا بالنزول الميداني إلى المدرسة للتعرف على أسباب تدهورها عن قرب لعلنا نعرف حيثيات الإهمال الذي تعانيه وهناك وفور وصولنا اليها وجدنا ما لم نكن نتوقعه إدارة غائبة بل هي شبه منعدمة وجدت اسما وغابت معنى وحقيقة طلاب يتوزعون على فناء المدرسة ينتظرون مدرسا يدخل يكتب لهم على السبورة الحروف الأبجدية ومن ثم يأمرهم بكتابتها حتى يحين موعد المغادرة كما أن الرياح والبرد الشديد التي تدخل من النوافذ المكسرة جميعها عناوين بارزة للطلاب الذين يتلقون تعليمهم وسط بيئة لم تعد بيئة تعليم بل تحولت إلى بيئة تأليم ليس إلا …
حاولنا اللقاء بإدارة المدرسة ولكنها كالعادة غائبة ولا تحضر إلا من أجل أن تقوم بعملية جمع الأموال من الطلاب والتي كان آخرها كما يقول المدرسون جمع مبلغ 300 ريال على كل طالب من أجل إصلاح 2 نوافذ وباب فقط ولم يتم إصلاحهن حتى ساعة كتابة هذا التقرير وغيرها من الأموال التي يتم تجميعها من الطلاب الكثير والتي دفعت بعض الآباء إلى إخراج أولاده من المدرسة لعجزه عن دفع هذه الأموال التي تقوم الادارة بجمعها تحت مسميات اصلاح النوافذ تارة واصلاح الكراسي والماسات تارة أخرى ولكن دون جدوى ..
وفي أثناء زيارتنا للمدرسة وجدنا فقط 3 مدرسين استطلعنا آراءهم حول أسباب تدهور المدرسة ومن السبب في ذلك وخرجنا بهذه الحصيلة..
الإدارة التعليمية وتدهور المدرسة!!
البداية كانت مع الأستاذ محمد أحمد قاسم العروي بكالوريوس رياضيات مدرس فيها منذ 13 عاما من أهالي القرية التي توجد فيها المدرسة تحدث حول أسباب تدهور المدرسة قائلا : تدهور المدرسة ليس له سبب واحد إذ يوجد أكثر من سبب لتدهور أوضاع المدرسة أولها الإدارة التعليمية كونها هي المسؤولة أولا وأخيرا عن تدهورها وعدم الاهتمام بها والمتابعة والإشراف المباشر عليها أدى إلى تدهور أوضاع المدرسة ووصولها إلى هذه المرحلة الحرجة التي تزداد سوءاٍ يوما بعد يوم كذلك من الأسباب نقص الكادر التدريسي وهذا العام تم إبعاد شعبة سادس حيث أصبحت المدرسة إلى الصف الخامس الابتدائي فقط ..
ويوافقه في طرح هذا السبب الأستاذ عادل الصيادي من إحدى المديريات المجاورة انتقل إلى المدرسة قبل حوالي فقط شهر ونصف والذي تحدث حول أسباب تدهور المدرسة قائلا : إن غياب الرقابة من المركز التعليمي جعل المدرسة تتدهور ولهذا فإن المركز يتحمل مسؤولية وصول المدرسة إلى هذا الحال..
ويضيف: إن النقص في الكادر التدريسي يكاد يكون أيضا من أسباب تدهور المدرسة إذ أن عدد الطلاب 130 طالبا ويفترض أن يكون أقل شيء في المدرسة 7 مدرسين ثلاثة مربين والبقية يقومون بالتدريس من الصف الرابع وحتى السادس لكن قلة عدد المدرسين تجعل الواحد منا يدخل فصلا ويترك بقية الصفوف فارغة وهذا أدى إلى إبعاد الصف السادس من المدرسة لهذا السبب ويشاركه زميله الأستاذ محمد العروي في هذا السبب قائلا أن تحويل المدرسين عامل من عوامل خراب المدرسة والذي أدى إلى تعطيل العملية التعليمية فيها حيث أن مدراء المدرسة عادة يقومون بالهروب منها بل وتهريب المدرسين كذلك وأن تسلمهم مهام الإدارة ليس إلا وسيلة للهروب من التدريس فقط مستشهدا بجميع مدراء المدرسة الذين تسلموا مهام إدارتها سواء كانوا من المدراء السابقين أو من الحاليين !!
مسئولية الأهالي !!
وعن الأسباب الأخرى التي أدت إلى تدهور المدرسة يقول الأستاذ عادل الصايدي أن أهالي القرية يتحملون جزءاٍ كبيراٍ من المسئولية بل وأعتقد أنهم المسؤولون الأولون عن تدهورها مضيفا بأنه لا يزال لا يعرف عن السر في عدم اهتمام الأهالي بالمدرسة كونها مصلحة عامة وينبغي عليهم جميعا متابعتها والاهتمام بها وتشكيل مجلس آباء من قبل أهالي القرية لمتابعة احتياجات المدرسة ومتطلبات الطلاب كون العملية التعليمية لا تنجح إلا إذا توفرت كل العوامل المساعدة لنجاحها بدءاٍ من الدولة مرورا بالأسرة والمعلم وكذلك الطالب حد قوله..
من جانب آخر يرى الأستاذ محمد العروي أن من أسباب تدهور المدرسة كذلك : عدم وجود سور محيط بها كون الأهالي يقومون بالدخول في العطل و بعد الدوام إلى المدرسة ويقومون بتكسير النوافذ والأقفال والدخول إلى الفصول وتكسير الكراسي والماسات وسرقتها أحيانا وقد تم ضبط كثير من هذه الحالات حد قوله وحول أسباب تغاضي الأهالي عن متابعة المدرسة يقول الأستاذ محمد العروي أن البعض من الأهالي يتذرع بحجة قربها من منزل الشيخ صالح غلاب وبْعدها عن القرية كون الأهالي لا يأتون إلى هذا المكان إلا في حالات نادرة وتبدو غائبة عن نظر أهالي القرية وما يدور فيها من خراب ودمار !!
هل ستغلق المدرسة ¿¿
عندما رأينا المدرسة وحالها الذي يبعث في النفس الكثير من الالم والحزن على وصول مدرسة كهذه إلى هذا الحال توجهنا بسؤال إلى المدرسين هل ستغلق المدرسة في حال استمرت في هذا التدهور الذي يزداد تدريجيا سنة بعد أخرى بل يوما بعد آخر فأجاب الأستاذ محمد العروي لا استبعد ان يتم إغلاق المدرسة في حال استمرت في تدهورها وإذا لم يتم إغلاقها فإنه سيتم تحويلها فقط إلى الصف الثالث الابتدائي فقط نظرا لقلة المدرسين وكذلك الطلاب الذين تحولوا للدراسة في مدينة كتاب ..
أما الأستاذ عادل الصايدي فقد بدا أكثر تفاؤلا حيث استبعد إغلاق المدرسة نهائيا كون المدرسة فقط تحتاج إلى إعادة ترميم وكذلك تزويدها بالكادر التدريسي وهي قادرة على الخروج من الحالة المزرية التي وصلت اليها الآن مؤكدا أنه سيبذل قصارى جهده مع زملائه في سبيل إنجاح العملية التعليمية داخل هذه المدرسة التي تحتاج إلى تكاتف الجميع من قبل الدولة والأهالي والمدرسين وكذلك الطلاب حد قوله..
أبرز الحلول الناجعة لها !!
وحول الحلول الناجعة التي تجعل المدرسة تخرج من حالة التدهور الذي تعيشه يلخص الأستاذ محمد العروي والأستاذ عادل الصايدي هذه الحلول بالأمور التالية :
أولا : إعادة ترميم المدرسة بشكل كامل وإصلاح النوافذ والأبواب المكسرة والاهتمام بها من قبل المركز التعليمي والمدرسين والادارة وكذلك الأهالي …
ثانيا : عمل سور خارجي للمدرسة يمنع دخول الاهالي اليها خارج أوقات الدوام والحفاظ على الكراسي والماسات والأبواب من التكسير وكذلك عمليات السرقة..
ثالثا : توفير الكادر التدريسي الكافي من أجل إعادة فتح فصل سادس وكذلك محاولة استيعاب الطلاب إلى الصف الثامن خاصة في ظل وجود فصول دراسية كافية وتحتاج فقط إلى إعادة إصلاح وترميم ..
رابعا : قيام الأهالي بتشكيل مجلس آباء بحيث يتولى هذا المجلس عملية الإشراف المباشر للمدرسة من أجل الحفاظ على المدرسة وممتلكاتها أولا وتشجيع الطلاب على الالتحاق بالدراسة والمدرسة ثانيا ..
الأهالي وحالة اليأس التي وصلوا اليها !!
يبدو أن أهالي القرية قد وصلوا إلى مرحلة يأس من إصلاح المدرسة ولهذا لم يعد لديهم أي اهتمام بها كما يقولون ويرجع الكثير من الأهالي سبب تدهور المدرسة إلى المدرسين أنفسهم كونهم يقومون بعملية ترك الطلاب داخل الفصول بينما هم يقومون بالذهاب للتسوق وشراء حاجاتهم من السوق والبعض يترك المدرسة ويذهب لمتابعة الزراعة وغيرها وآخر يترك المدرسة والطلاب ويذهب للعمل في دراجته النارية التي صار العمل فيها لدى البعض أهم من المدرسة والطلاب والسبب كما يرى الأهالي عدم متابعتهم من قبل المركز التعليمي ..
ولهذه الأسباب قرر كثير من الأهالي أن يذهب بأبنائه للدراسة في مدينة كتاب على الرغم من المسافة البعيدة التي يقطعها الطلاب والتي تقدر بحوالي 3 كيلو مترات مربعة رغم البرد الشديد خاصة في فصل الشتاء القارس إضافة إلى مرور هؤلاء الطلاب صغار السن – من الشوارع الرئيسية التي تجعل من الطلاب عرضة للخطر وخاصة في ظل تزايد أعداد الحوادث المرورية والتي تجعل الكثير من الأسر بين مطرقة الخوف على ابنائهم وسندان الحرص على تعليمهم !!
ولكي تتضح الصورة أكثر حول المدرسة والتدهور الكبير الذي وصلت اليه قمنا بالتواصل مع الجهات المعنية ممثلة بمدير المركز التعليمي في مديرية يريم الأستاذ محمد حميد العمري والذي تفاعل وتجاوب معنا مشكورا بشكل كبير حيث تحدث عن المدرسة وتدهورها قائلا :
«المدرسة تحظى بمتابعة المركز التعليمي وإشرافه ولا صحة لما يقال أن المركز لا يتابع سير العملية التعليمية في المدرسة المذكورة بل نتابع ذلك في كل المدارس بلا استثناء « أما من ناحية نقص الكادر التدريسي فقد أضاف قائلا « أن الكادر التدريسي قوامه في المدرسة حاليا (5) مدرسين بالإضافة إلى المدير الحالي الأستاذ علي الراعي الذي قال أن لديه حصصا معينة من التدريس مثله مثل أي مدرس آخر» مضيفا « كان بوسعنا لو نزلت درجات وظيفية للمديرية في هذا التوظيف الجديد لكنا ارسلنا مدرسين لتغطية العجز في المدرسة لكن تم استثناء المديرية بشكل عام من هذا التوظيف الجديد ونحن الآن ننتظر التوظيف القادم لكي نقوم بإرسال العدد الكافي من المدرسين اليها «
وأكد متابعته الشخصية مع الشيخ جار الله غلاب عضو المجلس المحلي عن المنطقة لعملية ترميم المدرسة وتسويرها وأنهم قاموا خلال الفترة الماضية بعملية التسويق لترميم عدد من المدارس للدول المانحة المهتمة بهذا الجانب ومن بين المدارس التي تم الرفع بها مدرسة التوفيق المذكورة «.
كما نفى أن يكون الصف السادس قد تم استبعاده من المدرسة بحجة نقص المدرسين حيث أكد أن طلاب الفصل السادس في المدرسة كما هو مرفوع اليهم من قبل إدارة المدرسة عدد (8) طلاب (5) إناث و(3) ذكور» أما الرسوم التي يتم فرضها من قبل الإدارات المتعاقبة على المدرسة فقد تحدث مدير المركز التعليمي قائلا : هذه الرسوم التي يتم فرضها على الطلاب لا علم لنا بها مطلقا مؤكدا بأنهم سيقومون بتشكيل لجنة للنزول الميداني إلى المدرسة وإلى بقية المدارس لمتابعة هذه الرسوم والتأكد منها كون الرسوم التي تدفع من الطلاب لعملية ترميم المدارس بشكل عام ليست من اختصاص مدير المدرسة بل هي من اختصاصات مجلس الأباء التابع للمدرسة كما ينص على ذلك القانون « مضيفا بأنهم لم يتلقوا شكوى من أحد من الأهالي مطلقاٍ بأن إدارة المدرسة تقوم بفرض رسوم على الطلاب بحجة الترميم وغيرها سابقا أو حاليا «
بين يدي الجهات المختصة !!
« باختصار شديد تودع هذه المدرسة وألم شديد يعتصر قلبك تغلق باب الذكريات لسنوات خلت عن هذه المدرسة وأنت تتساءل هل ستصلح هذه المدرسة هل ترى قرية الجرين وعزلة بني سبأ التي حرمت (وللأسف)من كل أساسيات الحياة من الهاتف ومشروع المياه والطريق وفيها مدرسة وتعليم يليق بنا كيمنيين نعيش في القرن الواحد والعشرين هل لنا أن نرى أبناء وبنات هذه القرية وهم يذهبون للتعليم في المدرسة بدلا من التسرب المخيف من التعليم بسبب عدم وجود مدرسة وإن وجدت لكنها أشبه بالعدم كم يحلم أبناء هذه القرية وبقية القرى المجاورة بوجود مدرسة للتعليم الاساسي والثانوي للبنين والبنات والتي يأمل أبناؤها أن هذا الحلم لن يطول بإذن الله أسئلة كثيرة يضعها أبناء المنطقة بين يدي الجهات المختصة والمتمثلة بمكتب التربية في محافظة (إب) وكذلك الإدارة التعليمية في مديرية يريم لعلهم يجدون التجاوب في ذلك قبل أن تتحول المدرسة إلى خبر كان فهل من مجيب¿ نأمل ذلك!!..