حسن عبدالوارث
نحن في حاجة إلى إصدار كتيبات توضح طرائق استعمال الديمقراطية والحرية والحوار… الخ على غرار الكاتالوجات التي توضح طرائق استعمال الموبايل أو التلفاز أو مكيف الهواء!!
إن بعض ما يحدث في الساحة السياسية اليوم يدعو إلى الاعتقاد بأن الديمقراطية منتوج ياباني يحتاج من يستهلكه إلى كاتالوج باللغة العربية أو أن الحوار بضاعة واردة من البلاد الاسكندنافية لن نتمكن من استخدامها من دون كاتالوج صادر عن «بيت الكومبني»!!
لقد نسينا – أو تناسينا – أن الحوار وغيره من أشكال التفاهم والتفاوض هو تقليد تليد في حياتنا السياسية والفكرية منذ زمن بعيد..
فاستقلال الجنوب لم يكن لينجز «بالنار والحديد والكفاح المجيد» وحده من دون المفاوضات والمباحثات والحوارات التي أجراها قادة الثورة مع ممثلي حكومة التاج..
والحزب الاشتراكي تأسس إثر حوار دام طويلاٍ بين قادة الفصائل السياسية ذات المبادئ الآيديولوجية المشتركة.. وهو الحوار الذي سخر منه يومها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بوصفه «أطول حوار في أصغر بلد»!!
ولم يقم المؤتمر الشعبي العام إلا بعد حوار طويل وعميق شمل جْل – إن لم يكن كْل – التيارات السياسية والفكرية التي كانت متواجدة تحت الأرض وفوقها آنذاك من أقصى اليسار إلى أدنى اليمين..
كما قامت الوحدة في 22 مايو 1990م إثر سلسلة من الحوارات والمباحثات والمفاوضات بين الهيئات المختلفة واللجان المتعددة بدءاٍ بالقيادة السياسية العليا مروراٍ بالمؤسسات الرسمية في المستويات والمجالات المختلفة وصولاٍ إلى النقابات والاتحادات والجمعيات في الشطرين..
الانفصال فقط كان الإجراء الوحيد الذي تم من دون حوار ولا تفاهم بين أصحاب الشأن.. ولهذا فشل على أرض الواقع برغم نجاحه في فضاء البث الإذاعي!!
<< ابنة عبدالفتاح إسماعيل.. ابن صالح مصلح قاسم.. ابنة فيصل عبداللطيف.. ابنة علي قناف زهرة.. ابنة محمد علي عثمان.. يشاركون في مؤتمر الحوار فيما تْحلق أرواح آبائهم فوق رؤوسهم تناشدهم الأخذ بالحق – لا بالثأر – حق الأجيال القادمة في أن تعيش في كنف دولة مدنية وتحت جناح السلام والعدالة والمواطنة المتساوية وتتمتع بتعليم أفضل وتطبيب أرقى وخدمات أحسن.. وبمنأى عن الطائفية والمذهبية والمناطقية وكل أمراض الجاهلية.
<< تحضرني – وأنا أتابع يوميات مؤتمر الحوار – روح الصديق الراحل سعيد محمد الإبي «الشهير بعبد الوارث الإبي».. فلو كان حاضراٍ اليوم هذه الفعاليات لكانت النكهة أجمل بكثير.. ولكانت قاعة المؤتمر – والقاعات المجاورة كلها – خلايا نحل وهو فيها ملكة النحل!!..