وأنا أنظر إلى الفضاء القريب من شرفة منزلي في إحدى ضواحي مدينة تعز,والمطل على ربوة عالية ومواسم أمطار الخير بدأت تقترب من الأرض المتعبة بالجفاف وتزحف نحو القلوب اليابسة علها تخضر,والأمطار تعانق جبل صبر وتزحف رويداٍ رويداٍ في محاولة لتمسك بتلابيبه ºفاض بي وجدي وبدأ شريط الذكريات يعود بي إلى الوراء,إلى حكاية جدي مع الشجرة..جدي هذا صاحب القلب الأخضر.
كان يؤدي دور رجل البيئة الأول وهو يلاحق النسوة في محاولة لثنيهن عن الاحتطاب الجائر وترك هذه العادة القبيحة والمدمرة للبيئة والتوازن الحيوي وضرورة الحفاظ على الشجرة والغطاء النباتي..لم يكن يعلم ـ بالطبع ـ ولم يسمع في حياته بالاحتباس الحراري ولا ارتفاع درجة حرارة الأرض,وذوبان الجليد في القطب الجنوبي ولم يكن لديه فكرة عن حزب الخضر وإلا لكان واحداٍ من مؤسسيه..من مخازن الفارسي بمدينة البريقة إلى محميته الطبيعية في القرية حيث تسكن أنواع من الأشجار والطيور وأشجار النخيل الباسقة والتربة المعطاءة التي تمنحه الخير الوفير كل وقت و حين. .ما أتذكر من كلامه رحمه الله قوله: يا بني.. أمران في هذه الدنيا سكنني..مدينة عدن وروحها المْسالم و ما تتمتع به من شكل فسيفسائي يلبس المدينة طابعها المدني بالإضافة إلى هذه الأشجار التي تسكن في قمم الجبال وتغطيها بهذه السجادة الخضراء .
هذا نموج من الناس الذين يعشقون الأرض ويتعهدونها بالعناية والحماية ويروي بعرقه وكده ذرات التربة ويصبر على الحصاد دون تأفف أو كلل أو ملل..أما شجرة الحوار التي تسكن في فندق موفمبيك أودار الرئاسة فهي شجرة طبيعية زرعها اليمنييون وهي خلاصة لحصاد مر لأكثر من خمسين سنة وهناك من يرى منذ مائة سنة من التيه
بالطبع تلقى هذه الشجرة رعاية إقليمية ودولية وحتى تثمر وتصمد أمام الأعاصيرº لا بد لها من متعهدين مخلصين كجدي حتى تؤتي أكلها فالذي يزرع الشوك لايحصد العنب.
الحوار المثمر لايحتاج إلى شخصيات نرجسية تعشق ذاتها مثلاٍ وتتعالى على الحقيقة وتقاتل من أجل أن تحجب ضوء الشمس بغربال.
إن معالجة الأخطاء التي تراكمت مع الزمن تحتاج إلى حوار هادف يرصد العوامل التي أدت إلى تفاقم الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بشجاعة دون مورابة أو مناورة أو بحث عن البريق الإعلامي الزائف والبدء في احتوائها ومعالجتها بروح مخلصة وعقلية بناءة منفتحة هادفةº تدعم سبل الاستقرار والتنمية وتضع لبنات حقيقية لدولة مدنية عصرية حديثة تجعل الكل يؤمن بها سلوكا وممارسة وليس مضغها كما مضغنا أخواتها من قبل مثل: الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية..إلخ.
بإمكان المتحاورين الحداثيين والتقليديين أن يمارسوا مختلف الأنشطة الرياضية في فندق موفمبيك ويلعبوا كرة طائرة أو تنس الميدان أو أي هواية أخرى مع زملائهم .. لكن حذار اللعب من بالمتناقضات والقيام بعملية استقطابات سياسية حادة داخل مؤتم ر الحوار مصحوبة بنزعات ثأرية وانتقامية وشهوة تصفية الحسابات والبحث عن انتصارات شخصية زائفة على حساب الوطن.
إذاٍ : على المتحاورين الابتعاد عن لغة التخوين والنظرة الفوقية(منتصر ومهزوم) و سياسة فرض الأمر الواقعº لرسم تسويات سياسية داخل مؤتمر الحوار الوطني ºتعي د تشكيل الماضي بكل مخرجاته السيئة التي أوصلتنا إلى هذا المآل المر وأن تدرك مراكز القوى أن الوقت قد حان للانزياح وإفساح المجال أمام القوى الحية الجديدةº لتصنع مستقبلها المختلف.أخيراٍ: ليعزف المتحاورون موسيقى الحقول للشاعر الكبير عثمان أبو ماهر المخلافي وغناء الفنان الكبير/ أيوب طارش والتي مطلعها يقول:
شن المطر ياسحابه فوق ودياننا.. وأروي تراب السعيدة لأجل أجيالنا
شدوا عروق السواعد حول أتلامنا.. وأصغي معانا لموسيقى نشيد الحقول.
إلى أن يقول: يابلاد السدود بالتعاون نسود .. فوق هام الوجود..