تب / بشير راوح
تتوارث الأمم والشعوب أعرافاٍ وعادات وتقاليد جيلاٍ عبر جيل بحيث تصير كل منها سمة وعلاقة لتلك المجتمعات بل ضرورة للحياة الاجتماعية هناك وهناك..
وتختلف تلك الأعراف من بلد لآخر باختلاف ثقافات الشعوب ودياناتهم وبيئاتهم..
وتتنوع تلك الأعراف والتقاليد ما بين الجميلة والقبيحة والنافعة والضارة والموافقة للدين والفطرة والمخالفة للدين والفطرة..
ونحن في بلادنا نعيش.. كجزء من العالم .. شيئاٍ من تلك العادات والأعراف والتقاليد جميلها وقبيحها فكيف نتعامل مع تلك الأعراف في ظل مجتمع تسود فيه ثقافة الأعراف والتقاليد..¿
يجيب عن ذلك التساؤل الدكتور محمد راتب النابلسي ضمن خطبة له قائلاٍ: الإسلام أقر من الأعراف ما كان صالحاٍ وتلاءم مع مقاصده ومبادئه ورفض من الأعراف ما ليس كذلك وأدخل على بعض الأعراف تصحيحات وتعديلات.
فالأصل هو الشرع فما وافق الشرع قبلناه وما حاد عنه قليلاٍ صححناه وما ناقضه رفضناه ولو كان عرفاٍ يسري في الأمة جميعاٍ.
ويضيف «النابلسي»: يعتبر بالعرف ويعتد به إن لم يخالف نصاٍ ثابتاٍ أو إجماعاٍ يقينياٍ كذلك إن لم يكن من ورائه ضرر خالص أو راجح..
أما العرف المصادم للنصوص الذي يحل حراماٍ أو يبطل واجباٍ أو يقر ببدعة في دين الله أو يشيع فساداٍ أو ضرراٍ في دنيا الناس فلا اعتبار له اطلاقاٍ فكل تقليد أو أي شيء ألفه الناس إذا خالف نصاٍ شرعياٍ أو أمراٍ إلهياٍ أو نهياٍ أو سنة لا نعبأ به ولا نعتد به بل نركله بأقدامنا ويحذر «النابلسي» من التعصب الشديد للعادات والأعراف ولو على حساب الدين فيقول: في بعض المجتمعات الجاهلية يكون العرف مكان الدين ولئن يقطع الإنسان إرباٍ إرباٍ أهون عليه من أن يخالف عرفاٍ اجتماعياٍ يصادم أصل الدين..
فلن ننجح ولن نفلح إلا إذا حافظنا على ديننا دون أن نزيد عليه ودون أن ننقص منه.
بين العيب والحرام
لسنا بصدد بيان الأعراف المخالفة للشريعة والتي ماز الت مجتمعاتنا متمسكة بكثير منها تحت مسمى «عيب ما يصلحش» وغيرها من المسميات التي تجعل من هذا العرف أو العادة مفروضاٍ على كل فرد يريد أن يعيش مقبولاٍ في مجتمعه وإلا صار مخالفاٍ لهم منبوذاٍ عنهم..
ولكننا يجب أن نحرص على بيان الأدلة التي تحذر من اتباع كل ما يخالف الشريعة الإسلامية من العادات والتقاليد والأعراف..
الدكتور سعيد القحطاني ذكر بعضاٍ من تلك الأدلة ضمن بحث بعنوان: «العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية» فذكر منها:
1- قول الله تعالى: «ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاٍ بعيداٍ».
قال الإمام ابن كثير في تفسيرها: هذا إنكار من الله تعالى على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله.
2- قول الله تعالى: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا».
قال ابن كثير في تفسيره قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي إلى كتاب الله وسنة رسوله وهذا أمر من الله تعالى بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة. فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال..
3- قوله تعالى: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاٍ مما قضيت ويسلموا تسليماٍ».
قال ابن كثير: يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يْحكم الرسول عليه والصلاة والسلام في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناٍ وظاهراٍ ولهذا قال تعالى: «ثم لا يجدوا حرجاٍ مما قضيت ويسلموا تسليماٍ» أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاٍ مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماٍ كْليِاٍ من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة.
4- قوله تعالى: «أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماٍ لقوم يوقنون».
قال ابن كثير: ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم.
5- قوله تعالى: «وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله»
قال ابن كثير: وهذا عام في جميع الأشياء.
6- قوله تعالى: «اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباٍ من دون الله»
روي عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ هذه الآية فقال: إنا لسنا نعبدهم فقال رسول الله: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه¿
قال عدي: بلى قال: فتلك عبادتهم..
وقال السري في تفسير الآية: استنصحوا الرجال وتركوا كتاب الله وراء ظهورهم ولهذا قال تعالى: «وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاٍ واحداٍ» أي: الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام وما حلله حل وما شرعه اتبع وما حكم به نفذ.
أحق أن يتبع
هكذا تبقى الشريعة في تصادم مع كثير من الأعراف والتقاليد «المخالفة» لها ويبقى المجتمع بين خيار الرضا بشريعة الله تعالى وطريقة نبيه وتقديمها على كل عرف مخالف وبين الرضى بما كان عليه «السابقون» من أعراف تخالف شرع الله تعالى..
ونحن كمسلمين كان لزاماٍ علينا أن نرضى بالله رباٍ وبالإسلام دينا وبمحمد نبياٍ ورسولاٍ ولا شك أن الصدق في ذلك يعني الرضا بالدين الكامل دون انتقاء أو اختيار فالمسألة تعني لنا طاعة أو معصية وقد ورد في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاٍ لما جئت به».
فالأولى بنا أن نأخذ من تلك الأعراف ما وافق ديننا وأن نترك ما خالفه وإن جاء ذلك عن طريق آبائنا وأجدادنا فالحق أحق أن يتبع وابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون..