مصطفى ناجي
يغص العالم العربي في بيئة ثقافية دينية بحتة لذا فإن آلية التفكيرالأولى والمتاحة للأفراد تتم من بوابة الدين وكل ما يأتي متصلا بالدين وبالنصوص المقدسة وإن كان يخص شؤوناٍ حياتية دنيوية يأخذ طابعا مقدسا وسمة الحجة الدامغة التي لا تقبل الدحض والمحاكمة والتشكيك قبل هذا تم تأسيس بنية ذهنية معينة تحرم التفكير النقدي والتشكيكي وتدعم النقل على حساب العقل.
وبما أن الحياة السياسية وثيقة الارتباط بالمجال الديني منذ فجر الدولة الإسلامية ولم تحدث عقلنة للخطاب السياسي في أي مرحلة بل كان الحاكم يسعى جاهداٍ إلى ربط حكمه بالدين حتى أنه اتخذ لنفسه أسماء ذات صلة بالله لتجعل من شخصه أيضا مقدسا من قبيل المنتصر والمعتصم بالله والحاكم بأمره وما إلى ذلك..
في هذه الحيثية كان الخطاب السياسة دينياٍ بامتياز يرتكز في جملته على المقولة الدينية ويبحث عن مشروعيته فيها لا من خلال العدل والكفاءة ورضا المحكومين – هذ ه البنية ولدت ديماغوجية سياسية تماهى معها الحاكم بالله وتمازج الحكم بالمقدس. وبما أن التداول العاطفي للمجريات هو سيد الموقف فلا مجال للعقل والرفض والتشكيك وفصل الديني عن الدنيوي أننا أمام بنية ثقافية قائمة على التدين في التعامل والمعاملات حتى صار الشكل الديني هو معيار الصدق والاخلاص.
وقد توالدت هذه العوامل واستعضدت في عصرنا حتى أن التكوينات الاجتماعية ذات الطموح السياسي اتخذت من الخطاب الديني عمادها وهذا لأنها تعاني من الافتقار لمشاريع سياسية واقتصادية عقلانية وديمقراطية في بناها وبالتالي تلجأ إلى استعمال الخطاب الديني للحشد والتعبئة واكتساب شرعية مقدسة.
لا تخلو التكوينات الاجتماعية السياسية المنزع من انتهازية وتوظيف أدواتي للخطاب الديني تتغلف وراءه وتستعطف الجماهير وتحتمي بالنص الديني لتغطي عورتها السياسية والاقتصادية ثم في مجتمع يعيش الافراد من أجل الدين وفي خدمته – حتى يغدو الدين هو الهدف وليس الدين في خدمة الانسان – من السهل الاتكاء على الجملة الدينية لتمرير مشاريع سياسية لا يمكن مناقشتها أو تفكيكها ومحاكمتها والبت في صلاحيتها..