عبدالله القاضي
في تظاهرة غير مسبوقة في تاريخ اليمن السياسي عقد اليمنيون عزمهم على خوض غمار حوار وطني مسؤول وبناء يحلون من خلاله كل قضاياهم ومشاكلهم العالقة بالطرق السلمية والحضارية تاركين وراء ظهورهم كل خلافاتهم وأدوات العنف والقوة التي استخدموها في حل خلافاتهم ونزاعاتهم طيلة الحقبة الماضية التي شهدت دورات من العنف والاقتتال الداخلي ولم تؤد إلى نتيجة إذ كانت كلما انتهت دورة عنف أسست لدورة أخرى وهكذا.. ونتمنى أن تكون المواجهات الأخيرة التي دارت في 2011م في العاصمة صنعاء وبعض المدن الأخرى آخر الحروب وموجات الصراع وإراقة الدماء بين اليمنيين..
ولذلك جاء مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلقت فعالياته الاثنين الماضي بصنعاء وسط حضور محلي ودولي كبير بمشاركة نحو «565» شخصاٍ يمثلون كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي لأبناء اليمن ليمثل حدثاٍ تاريخياٍ تتجه إليه الأنظار وتشرئب له الأعناق وترتسم معه الآمال والطموحات في أن يلتقي اليمنيون على كلمة سواء ويضعوا نهاية لصراعاتهم وخلافاتهم وأن يمضوا لاجتراح الحلول الناجعة وتضميد جراحاتهم الأليمة والترفع عن الصغائر وإعلان القطيعة مع الماضي بكل مآسيه وأحزانه والانطلاق نحو رسم معالم مستقبل أفضل وغد مشرف يؤسس لبناء دولة يمنية حديثة تليق بكل اليمنيين يمن جديد يسوده العدل والمساواة وسيادة القانون..
صحيح أن الحوار سيمر بمخاض عسير ولن يكون مفروشاٍ بالورود وسيواجه كثيراٍ من المنغصات والتعقيدات كانعكاس طبيعي لتعقيدات المشهد السياسي في اليمن ولكن من الصحيح أيضاٍ أنه إذا ما توافرت الإرادة والعزيمة والنية الصادقة والإخلاص والتفاني في حب الوطن فلن يقف أمام المتحاورين أي عائق ولن يثنيهم عن بلوغ مايريدون عابث أو مستهتر أو حاقد ومندس أضمر الشر وخان الوطن وأتبع سبيل المبطلين قال تعالى: «أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون»
أيها المتحاورون الأماجد إنكم لستم وحدكم وإنما يقف خلفكم 25 مليون يمني يتابعونكم ويرمقونكم ويرقبونكم وينتظرون منكم الكثير فلا تخذولهم ولا تخيبوا آمالهم ولا تقتلوا فرحتهم! فأنتم بالنسبة لهم في هذا الليل الحالك والخطوب المدلهمة أصبحتم تمثلون بصيص الأمل الوحيد الذي يضيء في نهاية النفق وطوق النجاة الأخير لإخراج البلاد من محنتها وإنقاذ الوطن من الغرق والتشظي.. فلتكونوا عند مستوى التحدي وحمل الأمانة الملقاة على عواتقكم وبارين بالقسم الذي أقسمتموه فلا تدعوا الفرصة المواتية تفلت من أيديكم ولا تفرطوا ببلدكم ومستقبل الأجيال من بعدكم.. فلن يرحمكم التاريخ ولن تغفر لكم جموع الشعب إن أنتم ركبتم رؤوسكم وظللتم على عنادكم متمترسين خلف مصالحكم وأجنداتكم.. ومغامرتكم بمستقبل الوطن والشعب.
إننا أمام اختبار حقيقي ومنعرج تاريخي توافرت فيه عوامل النجاح الداخلية والخارجية لإنقاذ الوطن ورسم معالم مستقبله المجيد بإرادة حرة وإسناد مجتمعي ودعم إقليمي ودولي قلما توافر لبلد آخر يمر بنفس الظروف التي يمر بها اليمن.
فلم يعد أمامنا من خيار إلا تمثل مقولة أحد السياسيين اليمنيين المخضرمين في توصيفه للحظة التاريخية الفارقة التي يعيشها الشعب اليمني في الوقت الحاضر حين قال: «ليس أمامنا «نحن اليمنيين» إلا أن نكون أو لا نكون»..
ولذلك لا بد أن نكون عند مستوى المسئولية ومستوى الحدث لننقذ الوطن ونقطف ثم ار النجاح.. فهل نحن فاعلون¿ ذلك ما ستثبته الأيام القادمة!!..