نبيل قاسم
«ولأن الثورة عمل تدميري بالمعنى الإيجابي للكلمة فإن عملية بناء نظام اجتماعي جديد على أنقاض ما تم تدميره لايتم بين ليلة وضحاها. ومع أن هذا القول يبدو بديهياٍ إلا أن التذكير به شديد الأهمية لأننا نسمع منذ الآن عبارات الأسى من جانب ثوريين بسبب انتشار الفوضى أو صعود قوى محافظة أو إطلال رؤوس من النظام القديم ومحاولتها التسلل إلى الحياة السياسية الجديدة.»
عصام الخفاجي منتدى الحوار المتمدن
بدأ الجميع يحس بالضجر من الخوض في الأحاديث السياسية وبشكل خاص بسبب غياب المعلومات وبسبب الاتكاء على الإشاعات السياسية التي تكاد تطغى على الحياة اليومية مع ذلك يعتبر الهم السياسي هو الأساس بالنسبة للغالبية من الناس.
التخندقات أيضاٍ في أوجها حتى أننا نحس بأن هناك خنقا متعمدا للتسامح فما الذي يحدث في بلاد كاليمن¿.
علينا في البدء أن نؤكد على أن اليمن حظيت وللمرة الأولى في تاريخها بتوافق بين الفاعلين السياسيين الفاعل الدولي والفاعل الإقليمي والفاعل الداخلي المتمثل بأحزاب المعارضة وبالنخب وبقطاع كبير من الناس هذا التوافق جعل الأحداث تأخذ مساراٍ أهدأ وهو التسوية السياسية والذي كان له بالضرورة إيجابيات وسلبيات ولسنا هنا بالطبع في صدد تعدادها فهي في الأخير ذات طابع نسبي قد يقود إلى اللغط أكثر مما قد يقود إلى خلق حوارات بناءة.
هناك مجموعة من الاحترازات علينا القيام بها عند مناقشة أي مسألة متعلقة بما حدث في اليمن قبل كل شيء هناك خلل في مسألة التعريفات ابتداءٍ من تعريف الدولة إلى تعريف الديمقراطية إلى تعريف الثورة فحين لا يتم تسمية الأشياء بمسمياتها تتشكل صورة ضبابية تجعل الجميع يتحدث والجميع يعترض والجميع يتصيد الأخطاء على سبيل المثال فقط يمكن اعتبار ما حدث في اليمن بأنه ثورة وفي نفس الوقت ليس بثورة هناك تغيير وفي نفس الوقت ليس هناك تغيير هناك مطالبة بمدنية بطرق عنيفة وكل هذه المتناقضات تتجلى وتظهر بشكل واضح في وسائل الإعلام التي تعكس هذا التناقض وتعكس أيضاٍ التخلف بكل مظاهره.
النقطة التي علينا أن ننطلق منها لفهم الأوضاع السياسية في اليمن تكمن حقيقة في بقاء اليمن ولفترة طويلة في إطار مشروع بناء الدولة أي أن الدولة غائبة تماما مما أدى إلى تغوْل العصابات وعوضاٍ عن عمل المؤسسات كانت الجماعات والأسر والقبائل والميليشيات هي المحرك لهذا البلد حتى كاد البلد أن يصبح ملتقى لكثير من عصابات العالم ويكفي فقط أن نذكر أن اليمن يعتبر أهم ممر للمخدرات إلى بلدان الخليج العربي.
في ظل غياب الدولة هناك تخندقات واضحة ظهرت في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن الديمقراطية وعن دور القضاء ودور وسائل الإعلام ودور منظمات المجتمع المدني ودور الأحزاب ودور النقابات ودور المشائخ ودور العسكر ودور رجال الدين ودور دول الجوار ودور الدول العشر ودور مجلس الأمن ودور بعض المتورطين في جرائم جنائية ودور الفقر والأمية والجهل والمرض…..وكل هذا يدور في فلك الديمقراطية حتى أنه يصعب لملمة الموضوع وهنا تصبح عملية افتراض أن الديمقراطية هي الإطار الذي يحتضن كل ما يحدث عملية خاطئة من الصعب فهمها وعلى ضوء هذه الصعوبة سيكون الحوار صعباٍ إلا إذا كانت هناك قوة ترعاه وسيصبح الانفصال أيضاٍ مرهوناٍ بخلاف جوهري بين الفاعلين السياسيين وهو ليس ملحوظاٍ داخل هذه المعمعة.
تحدثنا حتى الآن عن المسلمة الأولى وهي غياب الدولة وما يترتب على ذلك من غياب للمؤسسات ثم تطرقنا إلى غياب الديمقراطية والمتمثل أساساٍ في هذه الصراعات غير المؤسسة على نهج سياسي ففي ظل العصابات تلغى الديمقراطية الآن تبقى لنا أن نتحدث عن عملية التغيير.
بالنسبة لعملية التغييرتسمع عبارات كثيرة وأغلبها صحيحة من منظور معين كأن تسمع بأن التغيير ليس وارداٍ البتة وأن تغييرا في المواقع تم فقط مع بقاء أصحاب المصالح كما هم. كأن تسمع بأن التخلص من حكم الأسرة ما كان ليتم بعد عشرين عاما لولا تضافر جهود مختلف الفاعلين السياسيين والتضحيات التي رافقتها كأن تسمع بأن هناك نية لإحداث هيكلة للجيش ليصير مؤسسة وطنية وقد تمت الاستعانة بخبرات دولية لتحقيق ذلك كأن تسمع بأن الرئيس الجديد يعين أبناء بلده وأقاربه كأن تسمع بأن تقاسماٍ يحدث مما قد يكرس تخلف البلاد ويجعل الإبقاء على غياب الدولة وارداْ والابقاء كذلك على غياب الديمقراطية وبالتالي غياب التغيير. فكيف يمكننا تفهم ما يحدث والكل متفق على أن المسألة فيها تعقيدات شديدة أدت بالضرورة إلى تغير الأولويات بالنسبة لكثير من الأطراف¿
كلنا يعرف أن كل الفاعلين السياسيين في اليمن الآن لهم تاريخ كارثي في عملية إدارة هذا البلد وبالتالي هل الحوار بين مجموعة من الكوارث يعتبر كافياٍ لتحديد مستقبل هذا البلد¿ وهل هناك توازنات كارثية علينا أن ننتظرها¿ هل الفساد المستشري في طريقه لأن يتعقلن أم أننا سنغير الأشخاص وسنقوم باستبدالهم بفاسدين آخرين¿ هل ستقدم الأحزاب تنازلات من أجل الوصول إلى ما هو مشترك أم أنها ستظل مرهونة بما ستحصل عليه¿ هل هناك آلية لإرساء معالم ديمقراطية حقة خاصة وأن ديكور النظام السابق لن يظل يؤدي نفس الدور مع تغييرات تعلم الناس معها قول» لا».
هنا ستكون مسألة الدستور هي المحك الأساسي الذي ستتمحور حوله مجمل العملية الديمقراطية أي كيف يمكننا أن نتعايش مع كل اختلافاتنا¿ في ظل دستور تنسجم معه كل القوانين التي ستنظم الحياة هنا تكمن ذروة التغيير المنشود حتى لا ندخل في طريق هيمنة طرف على آخر ولذلك أيضاٍ تم قبول عمل حزب المؤتمر الشعبي العام والذي يعتبر أكبر كارثة حلت باليمن منذ خمسة آلاف عام فقط حتى لا يكون الإقصاء لأي طرف مبدأ ترتكز عليه الدولة المنشودة إذن هؤلاء الفاعلون الكوارث عليهم التخلص من ذلك الإرث الكارثي بتأسيس ووضع البلد في مسار ليس نهائيا بالطبع لكنه يتوجب أن يؤدي إلى أفق أكثر رحابة فعملية التغيير لن تتم في وقت قصير ولن تتطور قبل هيكلة مؤسستي الأمن والجيش لكنها ستكون مستمرة وبقدر المساهمة من قبل الجميع بقدر ما ستكون النتائج المرجوة لصالح كل الفاعلين السياسيين ولصالح السكان بشكل عام خاصة وأن كثيرا من الخدمات المقدمة للناس كانت قد تضررت بشكل كبير.
التقاء المصالح هذا مهم جدا في ظل أوضاع ضبابية تم التطرق لها بشكل مستعجل في الاستشهاد الذي قدمناه في بداية هذه المقالة للدكتور عصام الخفاجي والذي ورد في مقابلة معه في منتدى الحوار المتمدن على شبكة الانترنت..