الصوفية بين التحديث والحداثة … ألوان الخطاب وأنماط الممارسة
د.عمار علي حسن *
د.عمار علي حسن *
< تكمن وراء الاستمرار الظاهري للطرق الصوفية بوصفها تمثل تجمعات تقليدية محاولات دائبة ودائمة للتجدد والتكيف مع التغيرات ونجاح مستمر في إعادة تعريف الذات والمعايير وأنساق القيم وتطوير الدور التاريخي التقليدي ليواكب المستجدات والتطورات التي لا تتوقف أبدا.
وقد شمل هذا التحديث الخطاب والممارسة معا حيث تبنت الطرق الصوفية العديد من مقولات «الإصلاح الديني» من دون أن تتخلى عن خصوصيتها التي تميزها عن الأشكال الأخرى لجمعنة الدين أو تحويله إلى ظواهر اجتماعية عبر أنماط محددة من التدين. ويتوازى هذا مع تجديد المتصوفة لمؤشرات القيم وأنماط التصرفات ما جعل بعض الطرق الصوفية إن لم يكن أغلبها تصبح عنصر جذب للعناصر المحدثة لاسيما في المجتمعات الحضرية بعد أن تخلص مريدوها من الشوائب والخرافات التي تصم غيرهم من المنضوين تحت لواء الطرق الصوفية العاجزة عن مواكبة التحديث وأبدوا وعيا ظاهرا بأهمية الرهانات السياسية حتى ولو لم يتورطوا فيها بصيغة مباشرة.
ومن هنا يمكن الحديث عن طرق صوفية إصلاحية بطبعها جنبا إلى جنب مع الطرق التي تم فرض الإصلاح عليها إما بفعل الضغط الاجتماعي أو بحكم ما تفرضه الجماعات والتنظيمات الإسلامية المسيسة أو حتى الذي تطلبه السلطة السياسية في إطار حرصها على أن تظل الطرق الصوفية مصدر جذب للباحثين عن الامتلاء الروحي والدفء الاجتماعي بدلا من أن ينخرطوا في صفوف جماعات إسلامية تناصب السلطة العداء وتطرح نفسها بديلا لها. وهناك عامل مهم في هذا المضمار يتمثل في وجود بعض القيادات أو الرموز الإصلاحية داخل طرق صوفية معينة يهمها أن تحفظ للتصوف جلاله بعيدا عن المظاهرة الاحتفالية الفلكلورية التي تنزلق إليها بعض الطرق..وهذه الكوابح ساعدت بعض الطرق الصوفية في مصر على أن تؤمن الحد الأدنى أو المقبول من الممارسات والسلوكيات جنبا إلى جنب مع بناء شبكة من الخدمات الاجتماعية والأعمال الخيرية. مثل العشيرة المحمدية التي قطعت شوطا بالغا على هذا الدرب وأيضا الحامدية الشاذلية توغلت إلى حد بعيد في ذلك بعد أن أقامت بنية تنظيمية متكاملة الأركان. كما أن الطريقة العزمية اتسمت بطابعها الإصلاحي منذ لحظة انطلاقها حين أظهرت بعض الالتزام القومي والوطني عبر المشاركة في حركة الكفاح المدني ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر والمساهمة في الحرب ضد إسرائيل عام 1948. ومن قبل ذلك انخرط بعض مريدي الطريقة الخلوتية في أعمال الثورة العرابية عام 1882 وظلوا على حالهم من التمرد والثورة حتى بعد هزيمة عرابي واحتلال الإنجليز لمصر. وكانت أشهر مجموعات الخلوتية اشتراكا في الثورة العرابية هي مجموعة القاياتية في محافظة المنيا (صعيد مصر) بقيادة محمد عبد المجيد الذي تمكن الإنجليز من اعتقاله وصدر قرار بنفيه هو وأخوه وخمسة من مريديه إلى بيروت.
وفي تركيا مثلا استطاعت النقشبندية أن تعزز مواردها الاقتصادية وتجلب إليها تعاطف بعض السياسيين وسعيهم في الوقت ذاته إلى توظيف قدراتها الاجتماعية وطاقتها الروحية لخدمة مشروعهم السياسي لكنها لم تتخل عن قديمها أو مسلكها التقليدي ممثلا في إحياء بعض القيم العثمانية والعودة إلى ألفة التكايا مستغلة الأوقاف التي تشكل القاعدة الاقتصادية للطرق الصوفية. وقد استغلت النقشبندية بعض هذه الموارد في تعزيز مشروعات التحديث من خلال دعم الأنشطة التي تتعلق بالأعمال التربوية والتعليمية مثل دور النشر والمطبوعات وتقديم بعض المنح الدراسية.
ويري الباحث المغربي مختار غامبو أن الطرق الصوفية صارت تشكل ثقافة شبابية في بلد مثل المغرب بعد أن استوعبت جميع أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم وأنواعهم ومكانتهم وتوجهاتهم ومشاربهم وجذبتهم إلى تسامحها وتفسيراتها «المرنة» للدين ونبذها التطرف وتبنيها للتحديث والحداثة وإعلائها الاهتمام بمبادئ إنسانية وجمالية بما يتيح للأفراد أن يعيشوا نمطا متوازنا يسمح لهم بالاستمتاع بالفنون والموسيقى والحب دون أن يضطروا للتنازل عن التزاماتهم الروحانية والدينية. وعلى التوازي استعار عازفو موسيقى «الراى» و»الراب» و»الهيب هوب» رغم حسيتها وماديتها ودنيويتها بالأشعار الصوفية في غنائهم. ويظهر أثر الصوفية على الثقافة الشبابية بشكل أكثر وضوحاٍ في كلمات أناشيد فرقتين شعبيتين هما «ناس الغيوان» ومطربي «الغناوة» الصحراويين اللتين تكونتا في سبعينيات القرن العشرين.
وهناك حالات عديدة لمتصوفة وطرق صوفية تماهت مع مشروعات الحداثة إما بالمساهمة في صناعتها أو مجاراتها أو الوقوع في فخ قشور التحديث ومظاهره من دون التوغل إلى جوهره العامر بالمعاني والإنجازات.
وتبدو قشور التحديث في مسلك أتباع الشيخ الأمين عمر الأمين بالسودان وهي مسألة رصدها الراحل حسام تمام في كتابه «مع الحركات الإسلامية في العالم- رموز وتجارب وأفكار» حيث يقول: «حين نزلت إلى السودان سألت عن الشيوخ الشباب ممن لهم حضور وتأثير في أوساط الشباب فأجمع الأصدقاء على أنه الشيخ الأمين عمر الأمين شيخ الزاوية المكاشفية القادرية في أم درمان والذي وصفه البعض بأنه شيخ مودرن كلامه جيكسي ومحايته بيبسي».
ويضيف: «حين تزور هذه الزاوية لا بد أن تراجع الصورة التقليدية عن زوايا الصوفية فهي ليست ـ كما استقر في وعينا ـ المكان النائي البعيد الذي يشبه كثيرا أديرة الرهبان أو المكان الذي يأوي إليه الفقراء المعوزون أو قبلة المنصرفين عن الحياة الهاربين منها بحثا عن النجاة بل هناك صورة مختلفة تماما إلى النقيض. فالزاوية في حي راق ملحقة بفيللا واسعة يملكها شيخها وتطل على ساحة كبيرة وما تكاد تقترب حتى تفاجئك طوابير لأفخم السيارات تشغل الشارع المؤدي إليها والشوارع الجانبية منه بل ستجد صعوبة في الوصول إليها بالسيارة بسبب الزحام الشديد الذي يؤدي إلى أزمة مرورية في كل درس أو حضرة. وتزداد الدهشة مع تصفح جمهور الحضور فالغالبية العظمى من الشباب الذين تطل من وجوههم أمارات اليسر والنعيم والانتماء لعائلات وطبقات اجتماعية جد ميسورة ومميزة تعرفت على بعضهم: مهندسون وأطباء ومحامون ورجال أعمال أحدهم يعمل مهندسا في الحاسب الآلي هو الذي تولى تعريفي بالزاوية والحضور الذين كانوا قد انتهوا لتوهم من حضرة في الساحة».
وعلى النقيض من ذلك هناك صوفية انطلقت إلى جوهر التحديث وساهمت في صنعه مثل الجماعة التي تحلقت حول الشيخ فتح الله جولان في تركيا وهو تلميذ الشيخ سعيد النورسي. فالشيخ غولان ليس شيخاٍ تقليدياٍ بالمعنى الحرفي للكلمة ولا شيخ طريقة صوفية ولا هو بالسياسي الذي يتخذ من الإسلام أيديولوجية له بل هو مزيج من ذلك كله وإن كان أظهر ما في شخصيته الوعظ والتربية النابعة من الإسلام. وقد قدم الشيخ نموذجاٍ فريداٍ للعمل الإسلامي في ظل ظروف بالغة الصعوبة وتمكن من أن يمضي في عمله وحركته بعيداٍ عن المحن والابتلاءات التي واجهتها الكثير من الحركات الإسلامية في المشرق العربي تحديداٍ فتحايل على العلمانية التركية وانطلق إلى العالمية من خلال تبنيه لفكرة مهمة وهي أن الدعوة للإسلام لا بد أن تسير مهما قست الظروف أو استعصت. وقد دعا جولان تلاميذه إلى الاستفادة من أجواء الانفتاح التي شهدتها تركيا ففتحوا البنوك الإسلامية وأنشأوا محطات الإذاعة والتلفزيون والمدارس والجامعات.
وفي المغرب نفسه وبعيدا عن علاقة الصوفية بالفنون الحديثة فقد لعبت الطرق الصوفية أدواراٍ ملموسة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لاسيما في عهد الدولة العلوية. ومن الأدوار الاجتماعية والعمرانية التي قدمتها الطرق الصوفية المغربية توفير الإيواء لعدد من أبناء السبيل وإطعام الطعام ولاسيما في أوقات المجاعات وتأمين الطرق بالهيبة والرهبة وحماية الناس من العمال الظالمين وضمان التوازن وتدبيره بين جماعات تحتاج إلى توازن القوى فيما بينها والإشراف على بعض شؤون الإسكان والتدخل لفض النزاعات التي تنشب حوله وكسر الحواجز القبلية أو تليينها والعمل على دمج المهمشين والغرباء في المجتمع. وهناك دور اقتصادي للطرق الصوفية المغربية مثل استصلاح الأراضي وغرس الأشجار وحفر الآبار وتوفير سياج لحماية الطوائف الحرفية في المدن والإشراف على أمن الأسواق والعمل على ربط الكثير من المناطق تجاريا. في المقابل فإن المتصوفة المغاربة يعملون على ضمان الولاء للإمامة ولا يتعدى دورهم السياسي الإيجابي حاجز التوسط في الخير بين الحاكم والمحكومين.
ويتحدث أحد مريدي الطريقة العزمية في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) وهو يعمل مهندسا مدنيا عن أن الطريقة تجمع تبرعات شهرية من المنتمين إليها لتــــنفقها في العديد من الخدمات الاجتماعية مثل: مساعدة الأسر الفقيرة وتقديم مساعدات للتلاميذ والطلاب المحتاجين وإنشاء المستوصفات لعلاج الفقـــراء وإنـــشاء وإصلاح المساجد والمعاهد الدينية وتأسيس مدارس صوفية لتخريج الدعاة.
ويرسم البروفيسور السوداني عون قاسم ملامح العلاقة بين الصوفية كميراث روحي و تحديث الواقع الاجتماعي المادي بقوله: «الاهتمام الذي توليه الدولة للتراث الروحي لا ينبع من مجرد عاطفة التقديس للقديم بصرف النظر عن قيمة هذا القديم ولا ينبع من مجرد الرغبة في معرفة حقائق التاريخ أو نفض الغبار عن آثار الماضي مع أهمية كل ذلك ولكنه ينبع من حقيقة موضوعية فحواها أن هذا التراث الروحي هو المكون الحقيقي لشخصية الفرد والمقوم الأساسي لكيان المجتمع وكل تخطيط اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي لا يأخذ هذا الفهم في الاعتبار يكون قد تجاهل الأساس الواقعي للمجتمع. وفي حقيقة الأمر فإنه يمكن أن نستثمر كل القيم الروحية والموضوعات الاجتماعية القائمة عليها في بناء كل مؤسساتنا الاجتماعية والسياسية والتعليمية وما إليها. فمثلاٍ موضوع توقير الصغار للكبار واحترام الكبار للصغار الذي تعتمد عليه علاقاتنا في الأسرة وفي المجتمع فهو أساس الديمقراطية المتسامحة وهو من هذه الناحية أساس نفسي واجتماعي جاهز لتنظيم كل مؤسساتنا الدستورية والتنفيذية والشعبية ومتى استغللنا هذه العاطفة الخيرة في نفوس الناس استطعنا أن نتفادى في المجال السياسي كثيراٍ من الأخطاء الناجمة عن استيراد نظم نابعة من تجارب مجتمعات لا تمت إلى حياتنا بصلة وأن نتفادى في حياتنا الاجتماعية كثيراٍ من الشرور والجرائم الناجمة عن تمرد الشباب ورفضهم واستفحال الأمراض النفسية والاجتماعية في أوساطهم».
أما عن الصوفية والحداثة فإن الفلسفة حفلت بالحديث المسهب عن هذه النقطة وأعلت في هذا الشأن من قدر رموز المتصوفة وفي مطلعهم محي الدين بن عربي الذي عبر عن أعلى درجات الحداثة الفكرية في أبيات شهيرة من الشعر حواها كتابه «ترجمان الأشواق» تقول:
لقد صار قلبي قابلا كل صــــورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبـــــان
وبيــــــت لأوثان وكعــــبة طائف
وألواح توراة ومصــــحف قرآن
أدين بدين الحــب أنى توجــــهت
ركائبه فالحــــب ديني وإيماني
وينطلق ابن عربي من رؤية عامة شاملة للإنسان تحترم الإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ومذهبه فالإنسان لديه يجمع العالم في شخصه فالعالم إنسان كبير والإنسان عالم مختصر.
ويشترك الشاعر مع المتصوف في عشقه للحرية وفي انفلاته من كل القوانين الفقهية التي تضع قوالب للدين ليكون العشق والفناء المباشر مع الله ومع الغيب ومع المطلق. وتأتي النبرة الصوفية في النقد والشعر الحداثيين المعاصرين محاولة من الذات لتأكيد ذاتها الأخرى لحظة الخروج من ماضيهما محاولة إثبات الجدارة عبر الانتماء إلى وجود حضاري متميز ومحاولة لصياغة لغة الثورة على الغرب ومقاومة الإخضاع الاستعماري والوحدة والنضال ضد هذا الإخضاع.
ويجسد أدونيس حالة بارزة لتعالى النبرة الصوفية في شعر حداثي حيث كان يسعى منذ بداياته للوصول بالشعر وعبره إلى أفق آخر من الرفض والتجربة الخاصة قائم على مفاهيم الحدس والكشف بلغة مغرقة في غموضها وغرابتها مدفوعا باشتغاله التنظيري في قراءة الماضي من بين أوائل الشعراء العرب الذين حاولوا البحث عن أوجه التشابه بين الصوفية والحداثة سائرا لكن بشكل مختلف على درب حركة الرومانسية العربية ورائدها جبران خليل جبران في العودة إلى الصوفية عبر التركيز على الكلمات المفاتيح المجسدة في الحرية والخيال والطهارة والبراءة والطبيعة والخير والحب والأحلام والصفاء الروحي والرهان على الذوق بدل العقل.
ويرى أدونيس أن النص الشعري العربي المعاصر أحوج ما يكون إلى التعبير الصوفي المغرق في عوالمه الخاصة المتجاوزة لزمنها بأشواط وأحوج إلى الممارسة الشعرية البعيدة عن نظرية الممدوح وبلاغة المشاكلة والمماثلة والإصابة التي بني عليها عمود الشعر في تراثنا قروناٍ طويلة. ويحاول أدونيس أن يجد مساحة ائتلاف بين الصوفية المتدينة والحداثة كرؤية لادينية فيؤكد أن الكون بالنسبة إلى الغربي موضوع مجابهة وهو بالنسبة إلى الصوفية موضوع مؤالفة أي حين يجابه الغربي الكون مستندا إلى العقل فإن الصوفي يتفهمه ويحتضنه بحدسه. ويبدو الكون موضوع خارجي عند الأول في حين أنه داخلي عند الثاني أي شخصي وليس موضوعي ذلك أن الوجود ليس مجرد قضية عقلية وإنما هو رسالة. ومع هذا اصطدم أدونيس وهو يحاول أن يدمج الصوفية في مشروعه الشعري الحداثي بالمرتكزات الدينية للصوفية التي تتمسك بها بحكم انتمائها ونشأتها وتاريخها ومداراتها ومختلف سياقاتها.
ويشرح عامر عبد زيد هذه المفارقة بقوله: «الملاحظ أن الخطاب الصوفي له بعدان الأول البعد العالمي سواء في ماضي هذه التجربة أم اتساعها في كل الديانات والثقافات وهذا يؤكد أن الانسان يمتلك حساٍ عميقاٍ يكاد يكون من صفاته القريبة هذا الحس الذي يتوحد فيه الخالق مع المخلوق سواء كان ذلك عبر ذوبان الذات في الخالق أم حلول مقدرة الخالق في المخلوق وهي حالات أبدا لا يمكن أن تؤخذ على حرفيتها بل إنها ذات بعد مجازي تخيلي يعبر بها المتصوف عن تجربة ذات أفق لا متناهُ وغير القابل على أن يترجم إلا عبر اللغة وبالتالي فإن كل المحاولات تغدو في عقلنة هذه التجربة تمثل حالة تجن مارستها السلطة الفقهية فحملت الكلمات معاني حرفية فأسقطت اللا محدود في حدود المحدود وبالتالي أعطيت معنى حرفياٍ قضى على الاستعارات فاتهم المتصوفة بما لم يقولوه … والأفق العالمي التصوفي لا يعني زوال هويته الإسلامية او التوحيدية بل يؤكد عمق التجربة وتجذرها في المخيلة الإنسانية».
وإذا قمنا بمقارنة تجربة إصلاح الأزهر وتحديثه مع نظيرتها لدى الطرق الصوفية فإن ما جرى في الأزهر يعد خطوة واسعة قياسا إلى محاولات إصلاح الطرق الصوفية التي لم تفلح ـ حتى الآن ـ في تنقية الممارسات الصوفية من بعض الخرافات والشعوذة التي لحقت بها ولم تتقدم على مسار الإصلاح الإداري والفكري كثيرا واعتمدت في الجانب الأول على السلطة السياسية التي كانت معنية طيلة الوقت بسن القوانين وإصدار اللوائح التي تنظم عمل الطرق الصوفية في إطار حرصها على أن يبقى المتصوفة في كنف السلطان.
ويطلق المجلس الأعلى للطرق الصوفية لفظ «الإصلاح» على ممارسات بسيطة تتمثل في ضبط حركة المريدين في المدن والقرى للتماشي مع القوانين التي تحكم عمل الطرق الصوفية والقوانين العامة في البلاد. لكن هذا الضبط يأخذ دوما رد الفعل ولا يتم إلا حين يستفحل الخطأ وتفوح رائحته. ورغم أن بعض الطرق نجح في إحداث تقدم في مسيرة الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي والإداري مثل الحامدية الشاذلية والعشيرة المحمدية فإن هناك طرق لا تزال تخلط بين الدين والفلكلور إلى حد بعيد مثل الرفاعية وأخرى تمضي في خروجها على القواعد التي تحكم عمل الطرق الصوفية مثل البرهانية.>
* روائي وباحث في علم الاجتماع السياسي
ومن هنا يمكن الحديث عن طرق صوفية إصلاحية بطبعها جنبا إلى جنب مع الطرق التي تم فرض الإصلاح عليها إما بفعل الضغط الاجتماعي أو بحكم ما تفرضه الجماعات والتنظيمات الإسلامية المسيسة أو حتى الذي تطلبه السلطة السياسية في إطار حرصها على أن تظل الطرق الصوفية مصدر جذب للباحثين عن الامتلاء الروحي والدفء الاجتماعي بدلا من أن ينخرطوا في صفوف جماعات إسلامية تناصب السلطة العداء وتطرح نفسها بديلا لها. وهناك عامل مهم في هذا المضمار يتمثل في وجود بعض القيادات أو الرموز الإصلاحية داخل طرق صوفية معينة يهمها أن تحفظ للتصوف جلاله بعيدا عن المظاهرة الاحتفالية الفلكلورية التي تنزلق إليها بعض الطرق..وهذه الكوابح ساعدت بعض الطرق الصوفية في مصر على أن تؤمن الحد الأدنى أو المقبول من الممارسات والسلوكيات جنبا إلى جنب مع بناء شبكة من الخدمات الاجتماعية والأعمال الخيرية. مثل العشيرة المحمدية التي قطعت شوطا بالغا على هذا الدرب وأيضا الحامدية الشاذلية توغلت إلى حد بعيد في ذلك بعد أن أقامت بنية تنظيمية متكاملة الأركان. كما أن الطريقة العزمية اتسمت بطابعها الإصلاحي منذ لحظة انطلاقها حين أظهرت بعض الالتزام القومي والوطني عبر المشاركة في حركة الكفاح المدني ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر والمساهمة في الحرب ضد إسرائيل عام 1948. ومن قبل ذلك انخرط بعض مريدي الطريقة الخلوتية في أعمال الثورة العرابية عام 1882 وظلوا على حالهم من التمرد والثورة حتى بعد هزيمة عرابي واحتلال الإنجليز لمصر. وكانت أشهر مجموعات الخلوتية اشتراكا في الثورة العرابية هي مجموعة القاياتية في محافظة المنيا (صعيد مصر) بقيادة محمد عبد المجيد الذي تمكن الإنجليز من اعتقاله وصدر قرار بنفيه هو وأخوه وخمسة من مريديه إلى بيروت.
وفي تركيا مثلا استطاعت النقشبندية أن تعزز مواردها الاقتصادية وتجلب إليها تعاطف بعض السياسيين وسعيهم في الوقت ذاته إلى توظيف قدراتها الاجتماعية وطاقتها الروحية لخدمة مشروعهم السياسي لكنها لم تتخل عن قديمها أو مسلكها التقليدي ممثلا في إحياء بعض القيم العثمانية والعودة إلى ألفة التكايا مستغلة الأوقاف التي تشكل القاعدة الاقتصادية للطرق الصوفية. وقد استغلت النقشبندية بعض هذه الموارد في تعزيز مشروعات التحديث من خلال دعم الأنشطة التي تتعلق بالأعمال التربوية والتعليمية مثل دور النشر والمطبوعات وتقديم بعض المنح الدراسية.
ويري الباحث المغربي مختار غامبو أن الطرق الصوفية صارت تشكل ثقافة شبابية في بلد مثل المغرب بعد أن استوعبت جميع أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم وأنواعهم ومكانتهم وتوجهاتهم ومشاربهم وجذبتهم إلى تسامحها وتفسيراتها «المرنة» للدين ونبذها التطرف وتبنيها للتحديث والحداثة وإعلائها الاهتمام بمبادئ إنسانية وجمالية بما يتيح للأفراد أن يعيشوا نمطا متوازنا يسمح لهم بالاستمتاع بالفنون والموسيقى والحب دون أن يضطروا للتنازل عن التزاماتهم الروحانية والدينية. وعلى التوازي استعار عازفو موسيقى «الراى» و»الراب» و»الهيب هوب» رغم حسيتها وماديتها ودنيويتها بالأشعار الصوفية في غنائهم. ويظهر أثر الصوفية على الثقافة الشبابية بشكل أكثر وضوحاٍ في كلمات أناشيد فرقتين شعبيتين هما «ناس الغيوان» ومطربي «الغناوة» الصحراويين اللتين تكونتا في سبعينيات القرن العشرين.
وهناك حالات عديدة لمتصوفة وطرق صوفية تماهت مع مشروعات الحداثة إما بالمساهمة في صناعتها أو مجاراتها أو الوقوع في فخ قشور التحديث ومظاهره من دون التوغل إلى جوهره العامر بالمعاني والإنجازات.
وتبدو قشور التحديث في مسلك أتباع الشيخ الأمين عمر الأمين بالسودان وهي مسألة رصدها الراحل حسام تمام في كتابه «مع الحركات الإسلامية في العالم- رموز وتجارب وأفكار» حيث يقول: «حين نزلت إلى السودان سألت عن الشيوخ الشباب ممن لهم حضور وتأثير في أوساط الشباب فأجمع الأصدقاء على أنه الشيخ الأمين عمر الأمين شيخ الزاوية المكاشفية القادرية في أم درمان والذي وصفه البعض بأنه شيخ مودرن كلامه جيكسي ومحايته بيبسي».
ويضيف: «حين تزور هذه الزاوية لا بد أن تراجع الصورة التقليدية عن زوايا الصوفية فهي ليست ـ كما استقر في وعينا ـ المكان النائي البعيد الذي يشبه كثيرا أديرة الرهبان أو المكان الذي يأوي إليه الفقراء المعوزون أو قبلة المنصرفين عن الحياة الهاربين منها بحثا عن النجاة بل هناك صورة مختلفة تماما إلى النقيض. فالزاوية في حي راق ملحقة بفيللا واسعة يملكها شيخها وتطل على ساحة كبيرة وما تكاد تقترب حتى تفاجئك طوابير لأفخم السيارات تشغل الشارع المؤدي إليها والشوارع الجانبية منه بل ستجد صعوبة في الوصول إليها بالسيارة بسبب الزحام الشديد الذي يؤدي إلى أزمة مرورية في كل درس أو حضرة. وتزداد الدهشة مع تصفح جمهور الحضور فالغالبية العظمى من الشباب الذين تطل من وجوههم أمارات اليسر والنعيم والانتماء لعائلات وطبقات اجتماعية جد ميسورة ومميزة تعرفت على بعضهم: مهندسون وأطباء ومحامون ورجال أعمال أحدهم يعمل مهندسا في الحاسب الآلي هو الذي تولى تعريفي بالزاوية والحضور الذين كانوا قد انتهوا لتوهم من حضرة في الساحة».
وعلى النقيض من ذلك هناك صوفية انطلقت إلى جوهر التحديث وساهمت في صنعه مثل الجماعة التي تحلقت حول الشيخ فتح الله جولان في تركيا وهو تلميذ الشيخ سعيد النورسي. فالشيخ غولان ليس شيخاٍ تقليدياٍ بالمعنى الحرفي للكلمة ولا شيخ طريقة صوفية ولا هو بالسياسي الذي يتخذ من الإسلام أيديولوجية له بل هو مزيج من ذلك كله وإن كان أظهر ما في شخصيته الوعظ والتربية النابعة من الإسلام. وقد قدم الشيخ نموذجاٍ فريداٍ للعمل الإسلامي في ظل ظروف بالغة الصعوبة وتمكن من أن يمضي في عمله وحركته بعيداٍ عن المحن والابتلاءات التي واجهتها الكثير من الحركات الإسلامية في المشرق العربي تحديداٍ فتحايل على العلمانية التركية وانطلق إلى العالمية من خلال تبنيه لفكرة مهمة وهي أن الدعوة للإسلام لا بد أن تسير مهما قست الظروف أو استعصت. وقد دعا جولان تلاميذه إلى الاستفادة من أجواء الانفتاح التي شهدتها تركيا ففتحوا البنوك الإسلامية وأنشأوا محطات الإذاعة والتلفزيون والمدارس والجامعات.
وفي المغرب نفسه وبعيدا عن علاقة الصوفية بالفنون الحديثة فقد لعبت الطرق الصوفية أدواراٍ ملموسة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لاسيما في عهد الدولة العلوية. ومن الأدوار الاجتماعية والعمرانية التي قدمتها الطرق الصوفية المغربية توفير الإيواء لعدد من أبناء السبيل وإطعام الطعام ولاسيما في أوقات المجاعات وتأمين الطرق بالهيبة والرهبة وحماية الناس من العمال الظالمين وضمان التوازن وتدبيره بين جماعات تحتاج إلى توازن القوى فيما بينها والإشراف على بعض شؤون الإسكان والتدخل لفض النزاعات التي تنشب حوله وكسر الحواجز القبلية أو تليينها والعمل على دمج المهمشين والغرباء في المجتمع. وهناك دور اقتصادي للطرق الصوفية المغربية مثل استصلاح الأراضي وغرس الأشجار وحفر الآبار وتوفير سياج لحماية الطوائف الحرفية في المدن والإشراف على أمن الأسواق والعمل على ربط الكثير من المناطق تجاريا. في المقابل فإن المتصوفة المغاربة يعملون على ضمان الولاء للإمامة ولا يتعدى دورهم السياسي الإيجابي حاجز التوسط في الخير بين الحاكم والمحكومين.
ويتحدث أحد مريدي الطريقة العزمية في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) وهو يعمل مهندسا مدنيا عن أن الطريقة تجمع تبرعات شهرية من المنتمين إليها لتــــنفقها في العديد من الخدمات الاجتماعية مثل: مساعدة الأسر الفقيرة وتقديم مساعدات للتلاميذ والطلاب المحتاجين وإنشاء المستوصفات لعلاج الفقـــراء وإنـــشاء وإصلاح المساجد والمعاهد الدينية وتأسيس مدارس صوفية لتخريج الدعاة.
ويرسم البروفيسور السوداني عون قاسم ملامح العلاقة بين الصوفية كميراث روحي و تحديث الواقع الاجتماعي المادي بقوله: «الاهتمام الذي توليه الدولة للتراث الروحي لا ينبع من مجرد عاطفة التقديس للقديم بصرف النظر عن قيمة هذا القديم ولا ينبع من مجرد الرغبة في معرفة حقائق التاريخ أو نفض الغبار عن آثار الماضي مع أهمية كل ذلك ولكنه ينبع من حقيقة موضوعية فحواها أن هذا التراث الروحي هو المكون الحقيقي لشخصية الفرد والمقوم الأساسي لكيان المجتمع وكل تخطيط اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي لا يأخذ هذا الفهم في الاعتبار يكون قد تجاهل الأساس الواقعي للمجتمع. وفي حقيقة الأمر فإنه يمكن أن نستثمر كل القيم الروحية والموضوعات الاجتماعية القائمة عليها في بناء كل مؤسساتنا الاجتماعية والسياسية والتعليمية وما إليها. فمثلاٍ موضوع توقير الصغار للكبار واحترام الكبار للصغار الذي تعتمد عليه علاقاتنا في الأسرة وفي المجتمع فهو أساس الديمقراطية المتسامحة وهو من هذه الناحية أساس نفسي واجتماعي جاهز لتنظيم كل مؤسساتنا الدستورية والتنفيذية والشعبية ومتى استغللنا هذه العاطفة الخيرة في نفوس الناس استطعنا أن نتفادى في المجال السياسي كثيراٍ من الأخطاء الناجمة عن استيراد نظم نابعة من تجارب مجتمعات لا تمت إلى حياتنا بصلة وأن نتفادى في حياتنا الاجتماعية كثيراٍ من الشرور والجرائم الناجمة عن تمرد الشباب ورفضهم واستفحال الأمراض النفسية والاجتماعية في أوساطهم».
أما عن الصوفية والحداثة فإن الفلسفة حفلت بالحديث المسهب عن هذه النقطة وأعلت في هذا الشأن من قدر رموز المتصوفة وفي مطلعهم محي الدين بن عربي الذي عبر عن أعلى درجات الحداثة الفكرية في أبيات شهيرة من الشعر حواها كتابه «ترجمان الأشواق» تقول:
لقد صار قلبي قابلا كل صــــورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبـــــان
وبيــــــت لأوثان وكعــــبة طائف
وألواح توراة ومصــــحف قرآن
أدين بدين الحــب أنى توجــــهت
ركائبه فالحــــب ديني وإيماني
وينطلق ابن عربي من رؤية عامة شاملة للإنسان تحترم الإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ومذهبه فالإنسان لديه يجمع العالم في شخصه فالعالم إنسان كبير والإنسان عالم مختصر.
ويشترك الشاعر مع المتصوف في عشقه للحرية وفي انفلاته من كل القوانين الفقهية التي تضع قوالب للدين ليكون العشق والفناء المباشر مع الله ومع الغيب ومع المطلق. وتأتي النبرة الصوفية في النقد والشعر الحداثيين المعاصرين محاولة من الذات لتأكيد ذاتها الأخرى لحظة الخروج من ماضيهما محاولة إثبات الجدارة عبر الانتماء إلى وجود حضاري متميز ومحاولة لصياغة لغة الثورة على الغرب ومقاومة الإخضاع الاستعماري والوحدة والنضال ضد هذا الإخضاع.
ويجسد أدونيس حالة بارزة لتعالى النبرة الصوفية في شعر حداثي حيث كان يسعى منذ بداياته للوصول بالشعر وعبره إلى أفق آخر من الرفض والتجربة الخاصة قائم على مفاهيم الحدس والكشف بلغة مغرقة في غموضها وغرابتها مدفوعا باشتغاله التنظيري في قراءة الماضي من بين أوائل الشعراء العرب الذين حاولوا البحث عن أوجه التشابه بين الصوفية والحداثة سائرا لكن بشكل مختلف على درب حركة الرومانسية العربية ورائدها جبران خليل جبران في العودة إلى الصوفية عبر التركيز على الكلمات المفاتيح المجسدة في الحرية والخيال والطهارة والبراءة والطبيعة والخير والحب والأحلام والصفاء الروحي والرهان على الذوق بدل العقل.
ويرى أدونيس أن النص الشعري العربي المعاصر أحوج ما يكون إلى التعبير الصوفي المغرق في عوالمه الخاصة المتجاوزة لزمنها بأشواط وأحوج إلى الممارسة الشعرية البعيدة عن نظرية الممدوح وبلاغة المشاكلة والمماثلة والإصابة التي بني عليها عمود الشعر في تراثنا قروناٍ طويلة. ويحاول أدونيس أن يجد مساحة ائتلاف بين الصوفية المتدينة والحداثة كرؤية لادينية فيؤكد أن الكون بالنسبة إلى الغربي موضوع مجابهة وهو بالنسبة إلى الصوفية موضوع مؤالفة أي حين يجابه الغربي الكون مستندا إلى العقل فإن الصوفي يتفهمه ويحتضنه بحدسه. ويبدو الكون موضوع خارجي عند الأول في حين أنه داخلي عند الثاني أي شخصي وليس موضوعي ذلك أن الوجود ليس مجرد قضية عقلية وإنما هو رسالة. ومع هذا اصطدم أدونيس وهو يحاول أن يدمج الصوفية في مشروعه الشعري الحداثي بالمرتكزات الدينية للصوفية التي تتمسك بها بحكم انتمائها ونشأتها وتاريخها ومداراتها ومختلف سياقاتها.
ويشرح عامر عبد زيد هذه المفارقة بقوله: «الملاحظ أن الخطاب الصوفي له بعدان الأول البعد العالمي سواء في ماضي هذه التجربة أم اتساعها في كل الديانات والثقافات وهذا يؤكد أن الانسان يمتلك حساٍ عميقاٍ يكاد يكون من صفاته القريبة هذا الحس الذي يتوحد فيه الخالق مع المخلوق سواء كان ذلك عبر ذوبان الذات في الخالق أم حلول مقدرة الخالق في المخلوق وهي حالات أبدا لا يمكن أن تؤخذ على حرفيتها بل إنها ذات بعد مجازي تخيلي يعبر بها المتصوف عن تجربة ذات أفق لا متناهُ وغير القابل على أن يترجم إلا عبر اللغة وبالتالي فإن كل المحاولات تغدو في عقلنة هذه التجربة تمثل حالة تجن مارستها السلطة الفقهية فحملت الكلمات معاني حرفية فأسقطت اللا محدود في حدود المحدود وبالتالي أعطيت معنى حرفياٍ قضى على الاستعارات فاتهم المتصوفة بما لم يقولوه … والأفق العالمي التصوفي لا يعني زوال هويته الإسلامية او التوحيدية بل يؤكد عمق التجربة وتجذرها في المخيلة الإنسانية».
وإذا قمنا بمقارنة تجربة إصلاح الأزهر وتحديثه مع نظيرتها لدى الطرق الصوفية فإن ما جرى في الأزهر يعد خطوة واسعة قياسا إلى محاولات إصلاح الطرق الصوفية التي لم تفلح ـ حتى الآن ـ في تنقية الممارسات الصوفية من بعض الخرافات والشعوذة التي لحقت بها ولم تتقدم على مسار الإصلاح الإداري والفكري كثيرا واعتمدت في الجانب الأول على السلطة السياسية التي كانت معنية طيلة الوقت بسن القوانين وإصدار اللوائح التي تنظم عمل الطرق الصوفية في إطار حرصها على أن يبقى المتصوفة في كنف السلطان.
ويطلق المجلس الأعلى للطرق الصوفية لفظ «الإصلاح» على ممارسات بسيطة تتمثل في ضبط حركة المريدين في المدن والقرى للتماشي مع القوانين التي تحكم عمل الطرق الصوفية والقوانين العامة في البلاد. لكن هذا الضبط يأخذ دوما رد الفعل ولا يتم إلا حين يستفحل الخطأ وتفوح رائحته. ورغم أن بعض الطرق نجح في إحداث تقدم في مسيرة الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي والإداري مثل الحامدية الشاذلية والعشيرة المحمدية فإن هناك طرق لا تزال تخلط بين الدين والفلكلور إلى حد بعيد مثل الرفاعية وأخرى تمضي في خروجها على القواعد التي تحكم عمل الطرق الصوفية مثل البرهانية.>
* روائي وباحث في علم الاجتماع السياسي