تحقيق/ بشـــــــــير راوح
لا يخفى على أحد منا مظاهر العبث في المنشآت الخدمية العامة والتي نراها كل يوم من حولنا هنا وهناك..
ولسنا نتحدث هنا عن العبث المنظم الذي لا يخرج عن نطاق السرقة أو التخريب.. ولكننا نتحدث عن العبث الناتج عن الإهمال أو الشقاوة والذي يضر بالمال العام وممتلكات المجتمع..
وقفات وقفناها مع أهل الاختصاص والخبرة لبيان ذلك العبث وأضراره الدنيوية والأخروية وسبل مكافحته..
عبث * عبث
جولة واحدة متفحصة في أحد الشوارع تكفي لبيان استشراء ذلك العبث في المجتمع.. كثير من اللوحات الإعلانية الزجاجية وسط الشوارع حطمتها أيادي العبث.. اللوحات الإرشادية لحركة المرور قد تراكمت عليها الملصقات المختلفة «إعلانات ودعايات انتخابية وصور لمفقودين وقتلى… إلخ».
أعمدة الكهرباء نزعت منها أغطية توصيل الكابلات بل كثير منها «في الأحياء الفرعية» قد حطمتها أحجار العابثين الصغار..
سلل النفايات الصغيرة المتحركة لم يبق من أثرها إلا القاعدة المثبتة في الأرض والتي أصبحت عثرة في طريق المشاة..
الحواجز الجميلة حول المناطق المشجرة في الدوارات قد حطمت واقتلعت وتركت مشوهة تبعث على النفس الأسى والحسرة على جهود قد ذهبت سدى وأموال انفقت هباءٍ..
القوائم المخروطية عاكسة الضوء التي تعمل على جذب انتباه السائقين وتعمل على اجتناب الحوادث قد نزعت منها..
تكاليف باهظة
تلك المناظر البشعة التي يخلفها العبث كل يوم ليست سوى حصاد فاسد جنته أيدُ آثمة وهي تتغافل عن ذلك العبث والأذى الذي تلحقه بالمسلمين خاصة وأن صناعة وإعداد وتركيب تلك المواد تكلف خزانة الدولة مبالغ باهظة تذهب دون جدوى حين يتم العبث بتلك المقدرات..
قطع العاكس فأصبحت قطعاٍ بلا ستيكية لا فائدة منها.. السياجات الحديدية الحامية لمحولات الكهرباء حطمت ولا ندري أين ذهبت¿
شوارع وأزقة جعل منها العبث أشبه بمقالب القمائم ذلك أن عشوائية رمي المخلفات هنا وهناك دون مراعاة حقُ عام أو حق الجوار جعل منها أماكن لا يطاق المرور منها فضلاٍ عن السكن بجوارها..
ذلك كله لا يعدو أن يكون جزءاٍ بسيطاٍ من واقع يصعب أن يحصر.. ولكن الحق الذي ينبغي أن يقال.. أن لذلك العبث أثراٍ سلبياٍ بالغاٍ على الحياة الاجتماعية والاقتصادية.. الأستاذ محمد إدريس المدير العام لشركة الفارس الإعلانية في أمانة العاصمة يؤكد على خطورة ذلك العبث وحجم الضرر الذي تتكبده الدولة سنوياٍ فيقول: حسب اختصاصي فإن المواد الإعلانية واللوحات الإرشادية والعواكس الضوئية ذات تكاليف باهظة رغم صغر حجمها فلوحات المرور الإرشادية تتراوح تكلفتها مابين 60 إلى 70 دولاراٍ والعواكس الضوئية المخروطية تتراوح تكلفتها من خمسة إلى ستة آلاف ريال.. إلى غير ذلك من المواد المستخدمة في الخدمات العامة واضفاء اللمسات الجمالية على المدن المجسمات كلها تكلف مبالغ طائلة ينبغي على الجميع أن يحرصوا على سلامتها من العبث والتخريب..
ثقافة مكتسبة
لاشك أن الجانب الأكبر من ذلك العبث هو من نصيب صغار السن الذين يعبثون بكل ما يستطيعون من حولهم ولايردعهم عن ذلك إلا مراقبة الكبار وتأنيبهم..
يؤكد على ذلك الأستاذ نبيل العمودي.. متخصص في علم نفس أطفال ويبين الأسباب فيقول: صغار السن يأخذون ثقافتهم وسلوكهم من المجتمع عموماٍ.. وللأسف فإن مجتمعنا حتى الآن يفتقر إلى ثقافة المحافظة على الممتلكات العامة واحترامها فينشأ الصغار دون تلك الثقافة فترى طالب المدرسة يخدش طاولة الدراسة ويحفر عليها ويحطمها ويكسر زجاج النافذة ومصباح الإضاءة.. هذا في مدرسته.. فكيف سيكون حاله مع ممتلكات الآخرين والممتلكات العامة في الشارع ولاشك أن ذلك السلوك مأخوذ من الأسرة والمجتمع الذي أورث الصغار ذلك السلوك..
أما المسؤول عن ذلك السلوك فهو المجتمع بكل مكوناته حيث يتوجب على الجميع الاهتمام بالحقوق العامة مع بيان أهمية المحافظة عليها والتوعية بعموم فائدتها على الجميع ومسؤوليتهم في صيانتها..
مخالفة للشريعة
دين الإسلام دين الأمانة والرحمة ولذلك أكدت الشريعة على أهمية المحافظة على السلوك والآداب الاجتماعية والاهتمام بحقوق الآخرين ومراعاتها ومحاربة العبث بكل أشكاله هذا ما أكده الشيخ إبراهيم عبد الكريم عضو هيئة علماء اليمن بقوله: إن الاهتمام بالنظافة والمحافظة على المنشآت والمرافق العامة والمظاهر الجمالية من الدين.. وذلك أن الله جميل يحب الجمال ولاشك أن الذي يعبث بالمنشآت العامة والمظاهر الجمالية واللوحات الإرشادية وغيرها من ممتلكات الشعب لاشك أنك تعتدي على أوامر الله تعالى..
والآيات والأحاديث تحثنا على النظافة والمظهر الجميل والمحافظة على الطريق ونظافته.. فكيف بمن يسيء لذلك الأمر ويخالف تلك الآيات والأحاديث.. فلاشك أنه يرتكب إثماٍ كبيراٍ.. وقد ورد في الأثر النبوي أن الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.. والحياء شعبة من شعب الإيمان.. فأين من يعبث بحقوق الناس من ذلك..
حلول مقترحة
من المؤكد أن المؤمن كيسَ فطن.. فهو يستفيد من أخطائه ويسعى دائماٍ لإصلاح عيوبه.. ولذلك كان حرياٍ بنا أن نسعى من أجل إيقاف ذلك العبث دون يأس أو تخاذل لأن ذلك يعتبر مسؤولية والمسلم لا ييأس أبداٍ لأن الله على كل شيء قدير.. وعن الحلول المقترحة حدثنا الدكتور حمود العودي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء وهو يشتعل حماساٍ حيث أن هذه القضية تشغله منذ زمن وقد قدم فيها مقترحات وقدمها إلى جهات مسؤولة.. يقول «العودي»: لدينا مشكلة في مجتمعنا وهي الاهتمام بالأشياء المادية فقط فالجهات المسؤولة مهتمة بكيفية التنفيذ ولا يتهتم بكيفية المحافظة على ذلك العمل الذي سينفذ.. تهتم بالنظافة وتقصر في الاهتمام بكيفية استمرار النظافة وعدم وجود النفايات أصلاٍ..
ولذلك نجد دائماٍ أن كثيراٍ من الجهود المبذولة والمقدرات المسخرة تذهب هباءٍ.. وذلك لعدم الاهتمام بالسلوك الاجتماعي للمواطن.. فهو الذي سيتعامل مع هذه المشاريع والأفكار المنفذة وهو الذي سيكون المستفيد الأول منها وهو الذي سوف يكون سبباٍ في المحافظة عليها أو تخريبها و إفسادها..
ولذلك سلوك الإنسان أهم من كل شيء.. ولذلك ينبغي مراعاة الاهتمام بجانب التوعية والتثقيف وخلق الوعي لدى المجتمع عموماٍ.. وعند ذلك بالإمكان أن نتنعم بمشاريع ومظاهر جمالية وشوارع وبيئة كلها تكون مثالية..
مسؤولية مشتركة
ويؤكد الدكتور العودي أن المنابر التوعوية في مجتمعنا مشغولة بأمور السياسة متناسية الجانب الاجتماعي والتوعوي.. ولاشك أن في ذلك خطر كبيراٍ يهدد سلوكيات أفراد المجتمع وثقافتهم التربوية.. ولا يعدو الأمر أن يكون في العبث بأشياء عامة بل أن الضرر قد يصل إلى انحراف في الثقافة والسلوك..
ولذلك فالجميع مسؤول في التوعية ابتداء من الأسرة والمدرسة مروراٍ بخطباء المساجد والوعاظ والمرشدين وانتهاء بوسائل الإعلام كافة.. لابد أن يْعرف المجتمع ويعي حتى ينشأ جيل صالح نافع لنفسه ولبلده.. مصلح غير مفسد..
بدائل قوية
أما الأستاذ محمد إدريس فيقترح أن تعمل أمانة صنعاء وغيرها من المحافظات على استخدام المواد القوية المقاومة للعبث فيقول: لماذا لا تعمل الجهات المختصة على إيجاد البدائل القوية لتلك المواد التي تتلف بكل سهولة.. فالقوائم البلاستيكية المخروطية العاكسة التي تم تركيبها مؤخراٍ في بعض الشوارع ومداخل الانفاق.. بكل سهولة تم نزع المادة العاكسة فأصبحت عديمة الفائدة وذهبت الملايين أدراج الرياح فلماذا لا يتم صنع هذه القوائم «محلياٍ» من الحديد وبالإمكان أن توضع عليها مادة عاكسة قوية الإلتصاق بحيث لا يستطيع أحد أن ينزعها.. وباعتقادي أن البحث عن الأقوى هو الحل الأمثل حالياٍ مع الاهتمام بتوعية المجتمع من أجل المحافظة على مقدرات هذا البلد..