كتب/عبده حسين
الدكتور عمر عثمان العمودي – أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أشار في الأمسية الفكرية التي نظمها «منارات» الأسبوع الماضي عن «الآمال المتوقعة على الدستور اليمني القادم» إلى ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في إعداد نصوص الدستور وإطلاع المواطن عليها ليعرف حقوقه وواجباته.
ويؤكد أن الدستور قانون السيادة العامة والمرجعية الكبرى لكل ما عداه من قوانين وأنظمة ولوائح ومراسيم وقرارات جار العمل بها فكلها تخضع لأركانه وأحكامه ولا يجوز خروجها على قواعده بما في ذلك القوانين التي تصدرها وتسنها السلطة الشرعية من أجل تسيير وتيسير شئون الدولة وفقاٍ لمقتضيات ومستجدات الحياة وتطوراتها وحاجات وتطلعات الشعب.
ويضيف: يوصف الدستور في بعض الدول بالنظام الأساس وبالقانون العام كذلك وعندما يلتزم الحاكم والمحكوم بسيادة الدستور وعندما تترسخ قواعده في المجتمع السياسي تتحقق تلقائيا دولة المؤسسات والنظام والقانون وذلك لأن تكامل عمل المؤسسات العامة وقدرتها على القيام بالوظائف المخصصة لها أساس سيادة الدستور الحاكم والضابط والمنظم لها ولا تبرز ظاهرة الفراغ السياسي واضطراب الحياة السياسية والاجتماعية وعجز السلطات العامة عن ممارسة وظائفها وصلاحياتها إلا إذا عطل الدستور في الدولة وتهاوت مكانته وفقد دوره الفاعل في تماسك قواعد المجتمع ونظامه السياسي ومؤسساته العامة.
ويردف أن حياة المجتمع السياسي وأمنه واستقراره وتقدمه يصعب تحقيقها بدون وجود قواعد وأعراف وتقاليد عامة يسير عليها أبناؤه وقد وعى وعرف الناس هذه الحقائق الموضوعية منذ القدم والدساتير المعاصرة في أغلب دول العالم تأتي في صورة وثائق مكتوبة تتيح المجال لكل مواطن واع ومتعلم أن يطلع عليها ويعرف ماله من حقوق وما عليه من واجبات وما هي القواعد التي يقوم ويرتكز عليها الحكم للقيام بوظائفه العامة بأمانة ومسئولية لخدمة الصالح والتقدم العام وحماية المبادئ والقيم المعنوية والمادية التي تقوم عليها حياة المجتمع السياسي وأمنه واستقراره.. لافتاٍ إلى أن عملية إعداد دستور جديد ديمقراطي حقيقي لليمن ستكون عملية ميسرة وقابلة للإنجاز السريع إذا تم عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل ونجح في الوصول إلى رؤية وأهداف مشتركة وعامة لمختلف قوى وأطياف الحوار المساهمة فيه على أساس التسامح والأخذ والعطاء المسئول من أجل الوطن بأمل أن تتحدد مخرجاته العامة في صورة ميثاق وطني قومي لكل أبناء المجتمع اليمني ليكون بلا شك أرضية صلبة للحراك السياسي والاجتماعي في يمن الخير والتسامح والإيمان والحكمة اليمانية لعدة عقود قادمة ويشكل خلفية وإطاراٍ أدبياٍ مرشداٍ للدستور الجديد القادم الذي يجب أن تتولى وتتكفل بوضعه على أساس موضوعي وديمقراطي جمعية أو هيئة تأسيسية تعبر عن مختلف أطياف الحياة السياسية والاجتماعية ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية.
ودعا الدكتور العمودي الجهة المختارة أو المنتخبة المخولة بوضع الدستور اليمني القادم إلى اعتماد ومواكبة المنطق السياسي المعاصر والسائد عالمياٍ الذي يجعل الشعب هو صاحب السيادة والسلطة والحكم في بلاده رسمياٍ وقانونياٍ وفعلياٍ وأن على من يشتغل ويعمل في السياسة والشأن العام كحق وواجب له وعليه أن يتجرد من أهوائه وعن مصالحه الشخصية والعائلية وأن يعطي الاعتبار الأول للمصلحة العامة ولشرف الواجب الوطني الأمين والمسئول فمطالب وحاجات وهموم الشعب وقضاياه يجب أن تكون رائده ومرشده الأول إذا أراد الوصول إلى الحكم والمجد والشهرة فلا بقاء في الحكم ولا شرعية ولا مشروعية لحاكم إلا برضاء وتأييد ومساندة الشعب .
ويناشد أعضاء الجمعية التأسيسية المعنية بوضع الدستور اليمني الديمقراطي القادم أن تنظر للدستور على أنه عبارة عن ميثاق اجتماعي ليس بين الحاكم والمحكوم بل على أنه وثيقة سياسية واجتماعية توافقت عليها قيادات ورموز البلاد السياسية والاجتماعية في ما بينها نيابة عن جماهير الشعب من أجل إقامة الدولة الديمقراطية المدنية دولة المؤسسات والنظام والقانون التي تقوم بالعمل والسهر على تنمية المجتمع والمحافظة على مقدراته وثرواته بعيداٍ عن عبث العابثين ولمصلحة جميع أبناء البلاد وفقاٍ لمبادئ العدل والإنصاف والمشاركة الشعبية العامة في كل أوجه الحياة وعلى أساس المساواة المتكافئة والمواطنة الواحدة وفي اتجاه دولة القوة والعزة والرفاهية للجميع .
وينوه إلى أن الفيدرالية المدروسة والمتوازنة هي الأفضل للمرحلة القادمة ففيها سيتم المحافظة على الدولة الواحدة مع فتح المجال للتنوع المتكامل وبما يخدم المصالح العامة في توازن منظور مع مصالح الأقاليم والولايات وثرواتها وما هو محدد لها من حقوق واختصاصات فقاٍ لدساتيرها الخاصة في مواجهة الدستور القومي المركزي ولعل النظام البرلماني هو الأنسب في ظروف اليمن الحالية فهو يجعل رئاسة الدولة رمزية واسمية وبعيدة عن المساءلة لأنها محدودة السلطات ويركز الحكم والمسئولية في الحكومة ورئيسها على أساس تضامني ويجعلها دائماٍ تحت مراقبة ومساءلة البرلمان في كل ما تتخذه من سياسات وفي كل ما تنفذه من برامج .
ويطالب كافة القوى ورموز المجتمع السياسية والدينية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية إذا ما أرادت لليمن الجديد أن ينهض ويبني مجده وعزته وسمعته الدولية وقضية اليمن الحالية هي مسئولية كل قادر من أبنائه في حدود ما يملك من طاقة وجهد وصدق ووطنيةº فيمن العراقة والحضارة المجيدة لن يرتقي بنهضته التنموية الشاملة سوى وعي وأصالة وكفاءة وكدح وعرق أبنائه المخلصين ولا مجد ولا عزة بدون المال والعلم وإرادة وعزيمة الإنسان والمواطن اليمني الإيجابي ولا يرتقي شعب إلى أوج العلا ما لم يكن بانوه من أبنائه ولا دولة بلا رجال ولا رجال بلا مال ولا مال بلا إعمار وتنمية وعمارة ولا تنمية ولا عمران بدون العدل والإنصاف.. كما أن على الدستور اليمني القادم أن يضع القواعد والركائز والأحكام اللازمة لحفظ وصيانة ثروات البلاد ومواردها المادية والمعنوية وأن يعيد تنظيم وبناء وهيكلة الدولة ومؤسساتها المختلفة على أسس عصرية ومتقدمة وعلى أسس ومعطيات قوية وعادلة ومتوازنة بعيداٍ عن الظواهر المرتبطة بالمصالح المناطقية والظواهر الحزبية والقبلية والطائفية والعائلية وأن يعيد للدولة حيويتها وفعاليتها وحقها ومنطقها الشرعي والمشروع فلا غنى عن دور الدولة في حفظ تماسك المجتمع وفرض الأمن والنظام والقانون على الجميع لأنها المعبر الحقيقي عن الشعب ومصالحه وهي دائماٍ وأبداٍ من الشعب وإلى الشعب تعود وتقوم وتنتمي..