قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة حال هجرته من مكة بعد أن اشتد أذى الكفار له ولأصحابه هناك فبدأ بأول نشاط وأول عمل قام به أن أمر ببناء مسجد قبا ثم واصل المسير إلى المدينة وأول ما أقام قبل إقامته.. أقام المسجد النبوي الشريف.. في دلالة واضحة على أهمية المسجد ودوره الفاعل في المجتمع الإسلامي حيث أن المسجد يمثل مجمل تفاصيل حياة المسلمين ومرجعها الشريعة الإسلامية التي أساس وجودها وانطلاقها من المسجد.. وبدأ الرسول من المسجد في صياغة وتكوين حياة المسلمين ومجتمعاتهم وانطلق منه إلى كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والسياسية ولأنه لا تطمئن نفوس وقلوب المسلمين كثيراٍ ولا تجد الملجأ الآمن إلا في المساجد.. كان هنا استبيان عظمة الارتباط بين المسلم والمسجد وهناك في المساجد تتبلور كل أشكال ومتطلبات الحياة النفسية والروحية والبدنية وتنظم أسس العلاقات بين المسلمين وإلههم والمسلمين وبعضهم البعض والمسلمين ومن حولهم في هذ الكون على أسس لاشك أن منشأها وملتقاها تجسده المساجد وأعظم أمر تجسده هو التلاحم والوحدة والعروة الوثقى بين أفراد المجتمع الواحد وهذا الذي يمثل الأساس في قوتهم ومكمن وجودهم وبقائهم في وجه الصراعات وتيارات الحياة اليومية بالذات وبالقدر الذي نرى فيه ارتباط الناس بالمساجد وبما تعنيه هذه المساجد وأسست لأجله.. نشاهد ارتباطهم ببعضهم وتماسكهم وبقدر تصالحهم مع المساجد نلمس صلاح أمورهم ومناط حياتهم كلها.
وليس ذلك بالغريب أو غير العادي فالمساجد تقوم بالدور العام والهام في حياة المسلمين من التوجيه والإرشاد والنصح والتعليم والإصلاح المجتمعي وتنظيم مسار الحياة بأكملها لذا لا غنى عن المساجد عند المسلمين ولا بديل عن المساجد للمسلمين.
وقد ربما نرى المساجد المعمورة في كثير من بلدان المسلمين ونرى فقدانها لأهم شيء أقيمت لأجله وهو عمارتها بالصلاة والذكر والعبادة على النهج الوسطي الإسلامي المعتدل.. وربما نرى مساجد في بلاد وأماكن أخرى معمورة وعامرة ولكن بالطريقة غير الوسطية والمعتدلة التي هي أساساٍ صبغة المسلمين «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» وفي هذا وذلك يكمن الخلل الذي ينعكس على حياة المسلمين عموماٍ وتختل موازين الأمة الإسلامية.
فؤاد منصور الوصابي