تحقيق/عبده حسين:
تناسل وبروز منظمات مدنية جديدة في كل اتجاه وتفريخ تكوينات متعددة أفقد التكوينات المختلفة الموجودة على الساحة قدرتها على صنع الحرية والسلام وأصبحت قوة منتجة للفوضى وخانقة لنفسها ومستقبلها وتغييب دورها الوطني والوصول بها إلى دائرة الشبهة.
ويؤكد عدد من الأكاديمـــــــــــيين في هذا التحقيــــــق الذي أجرته «الوحدة» أن التفـــــريخ أو الاستنساخ في الوقت الراهــــــن يهدف إلى إكثار العدد للدخول في مؤتمر الحـــــــــــوار الوطــــــــني الشامل وبالتــــــــالي حولها إلى مســـــخ غير قادر على القيام بدور مدني موحد وفاعل..
د. العودي: حولها إلى مسخ غير قادر على القيام بدور مدني موحد وفاعل
يْرجع الدكتور حمود العودي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء أسباب تفريخ كم هائل من منظمات المجتمع المدني وإن اختلفت المسميات وتشابهت الأهداف والشعارات إلى أسباب عدة منها: أن التفريخ يستهدف مسخ منظمات المجتمع المدني وتحويلها إلى غثاء غير قادر على القيام بدور مدني متكامل وموحد لخدمة الوطن عامة والأهداف المهنية لكل منظمة أيضاٍ عملية الاستقطاب السياسي الذي لا يضر بمنظمات المجتمع المدني بقدر ما يضر أكثر الأحزاب السياسية التي تصر على الاستقطاب والتفريخ سواءٍ كانت في السلطة أو المعارضة ظناٍ منها بأن ذلك هو السبيل الأفضل للتعامل مع السواد الأعظم من الناس وهي على العكس من ذلك تضر بشريك مجتمعي ومدني كبير ومؤثر يستطيع أن يؤدي دوراٍ مكملاٍ ومستقلاٍ عنها وليس تابعاٍ لها.
ويضيف: الخشية من تنامي دور منظمات المجتمع المدني بشكل مستقل كمؤسسات مجتمعية لا تبحث عن السلطة من خلال الدفاع عنها أو الوصول إليها من خلال المعارضة فقط وإنما من خلال قيامها بدورها الطبيعي لبلورة رأي عام مدني أو شامل من شأنه أن يشكل الضمانة الأولى لإقرار سلطة مدنية صالحة ومعارضة شرعية والقيام في الوقت نفسه برقابة حاسمة لأي سلطة فاسدة أو معارضة فاشلة ومثل هذا الدور المتميز والمفقود لو تبلور ونجح لشكل عوناٍ وسنداٍ قوياٍ للسلطة والمعارضة في مجتمع تعددي مدني متطور بدلاٍ من استمرار استخدام أحزاب السلطة والمعارضة لمنظمات المجتمع المدني كمجرد كلمة حق يراد بها باطل وهذا سبب آخر من أسباب التفريخ أيضاٍ ما تقوم به المنظمات الدولية وحتى السفارات من عمليات تفريخ وتدجين قد لا تتوقف مخاطره عند إحباط منظمات المجتمع المدني وتغييب دورها الوطني فحسب بل الوصول بها إلى دائرة الشبهة المتعلقة بالإخلال بالأمن والاستقرار والوحدة الوطنية لصالح مشاريع خارجية إقليمية ودولية ما يتوجب على منظمات المجتمع المدني أن تعي دورها ورسالتها جيداٍ من جهة وتحقيق استقلاليتها عن تبعية الأحزاب السياسية في الداخل أو المنظمات والهيئات الدولية في الخارج وتتعامل مع الكل كطرف قوي وفاعل ومتكافئ بما يحقق أهدافها الوطنية والمهنية..
د. الشجاع: الأحزاب تدفع بها لإكثار العدد والدخول في مؤتمر الحوار
يعاني المجتمع المدني جراء ظاهرة التفريخ خللاٍ ناتجاٍ عن عدم الوعي بثقافته ويرى الدكتور عادل الشجاع – رئيس التحالف المدني للسلام والدفاع عن الحقوق والحريات أن منظمات المجتمع المدني انقسـمت إلى ثلاثة أقسام القسمان الأولان يعملان بالتقارب مع الأحزاب الســـياسية وبالتالي أصبح عملها أقرب إلى السياسة منه إلى العمل الاجتماعي أما القسم الثالث فهو المتمثل بالجمعيات التي تسمي نفسها «بالخيرية» وهي تتقاضى أموالاٍ من الخارج وأغلبها يتم اســتقطابها من قـــبل قوى تقلــيدية ومتطرفة وعلى هذا الأســـاس المجتمع المدني لم يستوعب ثقافة العمل المدني بعد.
ويضيف: يفترض في المجتمع المدني الابتعاد عن العمل الحزبي وتوجيهه بدلاٍ من الانصياع له وبالرغم من كثرة المنظمات والمؤسسات التي يصل عددها إلى ما يقارب 10.000 إلا أن المنظمات الفاعلة قليلة جداٍ وهذه المنظمات رهنت القرار الوطني للخارج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بحثاٍ عن المال والسفريات وسنجد أن أغلبها عبارة عن منظمات أسرية وليست منظمات مؤسسية بمعنى أننا ما زلنا نفتقر إلى ثقافة المجتمع المدني وما الأزمة التي أحاقت بالبلاد خلال العام الماضي إلا نتيجة واضحة للخلل البنيوي الذي يعتمل داخل هذه المنظمات والتي كانت ترفع تقارير خاطئة ومصطنعة في كثير من الأوقات للمنظمات الدولية التي تعمل مع الاستخبارات الأميركية وكانت النتائج واضحة بما سْمي بـ«ثورة الربيع العربي» الذي أعدت له الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2007م عن طريق الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى التي تتبعها والتي استضافت الكثير من النشطاء السياسيين والحقوقيين في الوطن العربي ومنها اليمن وأعدتهم لما يسمى بالفوضى الخلاقة.. وهناك أسباب للتفريخ فالبعض منها يبحث عن المال والبعض الآخر مدفوع بدوافع حزبية وأيديولوجية ويردف: هناك أيضاٍ تفريخ في الماضي من الأحزاب السياسية والقوى التقليدية اعتمد على مسألة الاستحواذ أما في الوقت الراهن فالأحزاب تدفع بإنشاء العديد من الجمعيات والمنظمات بهدف اكثار العدد للدخول في مؤتمر الحوار ونحن نسمع في هذه الأيام عن المئات من المسميات التي تشكلت بهدف أن تكون ضمن قائمة الحوار أي أن الحوار أصبح لديها غاية وليس وسيلة وهذا يْربك فعلاٍ الحوار الحقيقي ويحول دون المضي نحو إيجاد بيئة حقيقية له..
«الاستنـساخ» تحـدُ تفرضـــه البيئــة الســياســية
يعتبر أسلوب «التفريخ» أو «الاستنساخ» الأبرز في بيئة سياسية تفرض التحدي حيث يقوم الفاعلون المقربون من الدولة بتقليد هياكل المعارضة أو المستقلة القائمة بغرض تشويه سمعتها وقد تم استهداف عدد كبير من المنظمات من خلال تبني هذه الأساليب وغيرت منظمة «صحفيات بلا حدود» أسمها إلى «صحفيات بلا قيود» ومن الأمثلة الأخرى أيضاٍ ما حدث لصحيفة «الشورى الاسبوعية» الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية المعارض عندما قام عدد من الأفراد المناصرين للدولة باستنساخ الصحيفة تحت مسمى «منبر الشورى» مستخدمين نفس حجم الخط والعنوان واللون حد تأكيد الباحثين الفرنسيين لوران بونفوا ومارين بوارليه. ويردفان: وليست الأحزاب السياسية مستثناه من ذلك إذ أن المجلس الأعلى لتنسيق المعارضة على سبيل المثال لم يكن متعارضاٍ مع «المجلس الوطني للمعارضة» المشكلة من أحزاب مناصرة للحكومة وتتضمن الأساليب الأخرى التي تستخدم للحد من استقلالية المجتمع المدني تشجيع العضوية الوهمية أو الزائفة في بعض المنظمات للتلاعب بعملية التصويت أو تشكيل أغلبية ومن ثم تغيير توجهاتها السياسية ويبدو أن نقابة الصحفيين وكذلك اتحاد الأدباء قد تعرضا لمثل هذا التلاعب مرات عديدة..
غلاب : تناقضات تؤسس لحرب في أي لحظة
لم تتمكن منظمات المجتمع المدني في اليمن من إعادة صياغة دورها وعلاقتها مع الفاعلين المؤثرين في الحياة السياسية ويرى الأستاذ نجيب غلاب مدرس العلوم السياسية بجامعة صنعاء أنها ماتزال مرتبطة بمراكز القوى كما كانت قبل الانتفاضة الشبابية وفي ظل التناقضات التي تولد من رحمها انقسامات حادة يتم توظيف المنظمات في اتجاهات متضادة رغم أنها تتحرك وهي تحمل أهدافاٍ متشابهة وكلما زادت حدة الصراع زادت هيمنة المتصارعين عليها وحولتها إلى أداة لإسناد وتزيين وتبرير مصالح الأقوياء والمؤسف أن بعض مراكز الأبحاث تحولت إلى مجال لإنتاج «الدعاية» البروباغندا.
ويضيف: كلما زاد نشاط المنظمات المدنية في ملحمة الصراع تشتتت قوتها وأصبحت بيادق تأكل نفسها وهذا زادها ضعفا. ومع الوقت تفقد حيويتها ومصداقيتها رغم صوتها العالي وضجيجها الإعلامي فالارتباط بالمراكز الفعلية المؤثرة لم يمكنها من الالتزام بأهدافها وأصبح دورها الأهم هو إعادة تفسير الصراع وتوظيف الوقائع لإسناد أهداف القوى المتصارعة ومع بروز تكوينات متعددة في أغلب ساحات الاعتصام وتداخل بعضها مع المنظمات وتناسل منظمات جديدة في كل اتجاه فقدت التكوينات المختلفة قدرتها على صنع الحرية والسلام وأصبحت قوة منتجة للفوضى وخانقة لنفسها ومستقبلها.
ويردف: في خضم الصراع الذي يتحرك خارج التسوية السياسية وفي عمقها فقدت أغلب المنظمات المدنية استقلاليتها وتراكمت المشاكل مع غياب الإحساس بالمسؤولية لدى القائمين عليها وانعدام الالتزام بالقيم والأخلاق المدنية في إدارة معاركها وغادرت طبيعة عملها ووظائفها التي أنشئت من أجلها وانخرطت في فوضى التناقضات التي يبدو أنها تؤسس لحرب قد تنفجر في أي لحظة..