في ذكرى الثورة اليمنية:
التواهي.. تنام على هدير البواخر وتصحو على صوت المرشدي
محمد سلام الشرجبي
< لا أدري لماذا هذه الأيام بالذات كلما شرعت بالكتابة والقيت القلم بين أناملي أجد القلم يستعصي على المشي فوق الورقة البيضاء حتى الفكرة قد تبلدت والكلمات تبخرت ينتابني هذا الشعور عندما أبدأ في الكتابة في ما يتعلق بأحداث الساعة في العالم قاطبة لكن إلهامي يستيقظ وابداعي يتوقد حتى أن الكلمات تتزاحم في فكري وتنهمر كما تنهمر حبيبات المطر المتسارعة عندما أعود إلى الماضي لا أدري هل هو شعور بالمقولة السائدة «المستقبل ينطلق من الحاضر والحاضر نستمده من الماضي ولا مستقبل أو حاضر بدون ماض عريق».
وعندما تتضح الصورة أمام ناظري أتذكر تلك المدينة الساحرة المحاصرة بالبحر الملتف عليها كالتفاف السوار بالمعصم ويزيد جمالها خاصة عندما توشك الشمس أن تغيب بلونها الأرجواني فيتحول منظر البحر إلى سبيكة صفراء من الذهب أو كشعر ذهبي لغادة حسناء أو كسنابل القمح والشعير على ضفاف وادُ جميل.
وتتزاحم الذكريات فأشاهد كافة الأصدقاء ممن عايشتهم فرداٍ فرداٍ عندما كانوا يذهبون إلى المدرسة الأهلية في مدينة التواهي أو حين يعودون ظهراٍ والابتسامة لا تفارق وجوههم ينشدون أو يرسمون للمستقبل وقد تم خروج الاستعمار من الشطر الجنوبي من الوطن وتم القضاء على الحكم الكهنوتي المتخلف في الشمال والحديث عن مدينة التواهي حديث ذو شجون.
كيف لا وهي التي احتضنتنا وعلمتنا وثقفتنا والدليل أن معظم ممن شغلوا أكبر المناصب منذ قيام ثورة 26 سبتمبر أو 14 أكتوبر هم ممن اغتسلوا ببحر صيرة أو الغدير أو ساحل أبين أو الساحل الذهبي ولا يزالون عايشين إلى يومنا هذا يعملون بكل فخر واعتزاز لرفعة وعزة اليمن.. نعم تعود لي الذكريات حين كنا نسمع هدير البواخر السياحية العملاقة فتتزاحم تلك الأصوات ليلاٍ أو صباحاٍ فيخال لمن يسمعها في الليل البهيم وكأنه يستمع إلى إحدى المقطوعات الموسيقية «لبيتهوفن» أو لصوت المرشدي «يا نجم يا سامر فوق المصلى» أو لصوت فيروز «يا جارة الوادي» حيث كانت المدينة على مدار 24 ساعة يردد أهلها هذه الأغاني خاصة أغنية المرشدي حين يقول:
هجرتني والقلب غير سالي
كل السبب عساكر الحلالي
بكر من التربة غبش يلالي
بيده سبيل بجيبه أمر عالي
هذه الأغنية كانت ترمز إلى عساكر الإمام والظلم والقهر كانت مدينة التواهي لا تنام حتى إذا نزل السياح إلى المدينة من البواخر الكبيرة القادمة من الدول الاسكندنافية والأمريكيتين وأوروبا واستراليا يستقبلهم أولئك الشباب الباعة في المحلات التجارية بوجوههم السمراء وبسواعدهم المفتولة مرددين «welcome have alook» أي «أهلاٍ وسهلاٍ» بلغتهم الانجليزية المكسرة أحياناٍ والتي اكتسبوها من خلال الممارسة والاحتكاك بالسياح القادمين أحياناٍ.
حتى إذا بزغ الفجر واطل الصباح وبدأ الشفق بحمرته المعتادة يغادر أولئك الشباب محلاتهم فرحين مستبشرين بما جاد الله عليهم ليلاٍ من الرزق الوفير بالعملات الأجنبية المتجانسة يغادرون محلاتهم بعد أن يذهبوا لشراء ما جاد به البحر من الأسماك الطازجة للصبوح إلى مخبازة الكوري أو الشيباني أو الدبعي ليحل محلهم آخرون نهاراٍ في المحلات التجارية كانت البضاعة في الأسواق كلها انجليزية ولهذا سميت عدن آنذاك المدينة التي لا تنام وتعتبر ثاني ميناء في العالم وقد كانت السياحة في عدن تعتبر الوحيدة في الجزيرة والخليج إضافة إلى الحركة التجارية الواسعة لليمن الطبيعية شمالها وجنوبها وشرقها وغربها ولم يكن هناك منفذ بحري أو ميناء في الشمال لاستقبال البواخر التجارية اضافة إلى أن عدن كانت تأوي أكثر من مليوني شخص من الشمال استوطنوا عدن واستقروا منذ بداية الاحتلال البريطاني عام 1838م وكان السفر والتنقلات بين الشمال والجنوب يومياٍ دون أي شروط أو هوية حتى أن الانجليز سهلوا لليمنيين السفر إلى الدول الأوروبية وبالذات بريطانيا عبر البواخر السياحية القادمة إلى عدن وذلك يعود لطلب العمالة في موانئ بريطانيا ولمهارات اليمنيين في هذا الجانب حتى تكونت أكبر وأقدم جالية عربية في بريطانيا أما بالنسبة للأحرار اليمنيين فقد كانت عدن ملجأٍ ومأوى أيضاٍ لهم ولولا عدن لما نجحت ثورة 26 سبتمبر وبالمناسبة ونحن نحتفل بأعياد الثورة اليمنية لا بد لي أن اتحدث عن هذه المناسبة العظيمة نعم عندما قامت ثورة الـ 26 من سبتمبر وقف أبناء اليمن وقفة رجل واحد وكانت مئات السيارات تغادر منطقة دار سعد تحمل الألاف من المواطنين إلى صنعاء وتعز لينخرطوا في الحرس الوطني للدفاع عن الثورة اضافة إلى التبرعات من المواطنين خاصة الجمعيات الخيرية والتي كان يزيد تعدادها عن 50 جمعية لأبناء المناطق الشمالية أي كل قبيلة لها جمعية أو ناد باسمها وكانت التبرعات تصل إلى صنعاء أسبوعياٍ بواسطة نخبة من رؤوساء هذه الجمعيات وكذلك الحال عندما اندلعت ثورة الـ 14 من أكتوبر قاتل أبناء اليمن شمالاٍ وجنوباٍ ضد الاحتلال حتى امتزج دم اليافعي والعولقي والعدني بدم المقطري والذبحاني والعبسي ليسجلوا أغلى صفحة في النضال المشترك أما الحديث عن الـ 30 من نوفمبر فهو حديث ذو شجون بحيث انحصر القتال فقط أكثر في محافظة عدن وكان لأبناء المناطق الشمالية الدور الأكبر بحكم أو لسبب كثرتهم وكثافتهم بحيث كانوا يشكلون 80% من السكان.. متواجدين في كل المؤسسات والشركات البواخر السياحية والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق وسائقي الأجرة وو..إلخ ولا زلت اتذكر ومرسومة في ذاكرتي تلك العملية الجريئة ليلة عيد رأس السنة أو عيد الميلاد في خور مكسر في منزل قائد القوات البريطانية حيث كان أكثر من 50 ضابطاٍ وجندياٍ موجودين في الحفل وقبل ساعات قليلة من الاحتفال بالذكرى تسلق محسن الشرجبي خلسة إلى المنزل بمساعدة العاملين ووضع المتفجرات ولغم المكان وانصرف ونصح الحضور بالخروج من المكان قبل ساعة من موعد الانفجار وتزامن وقوع الانفجار مع وصوله منطقة طور الباحة وفي اليوم الثاني سمعه القاصي والداني من إذاعة تعز ليعلن عن تبنيه لهذه العملية والتي جعلت الانجليز بعدها يعيدون النظر في استراتيجيتهم بحرب المدن والتأقلم مع خلية الفدائيين شغل محسن بعد الاستقلال وزير أمن الدولة في حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وفي حكومة الوحدة شغل منصب وزير الإدارة المحلية..>
في ذكرى الثورة اليمنية:
التصنيفات: منوعــات