لا يزال السواد الأعظم من الناس ينتظر المزيد من القرارات والمراسيم التي من شأنها أن تحدث تغييراٍ جذرياٍ عميقاٍ في بنية الدولة السياسية والاقتصادية وأن يلمسوا ويشهدوا «رسوماٍ متحررة» لا «متحركة» هي التي تقود البلد إلى التطوير والتحديث بعيداٍ عن أؤلئك الذين أحبطوا الناس عبر الحديث عن تعقيدات الوضع الراهن وما يتطلبه من مداهنة ومراعاة لحساسيات المشهد السياسي.. لأن الايغال في هكذا أحاديث ونظريات لن يغير من المعادلة القائمة اليوم شيئا وسيشعر الجميع أن ما يحدث هو ذات النظام ولكن بأدوات جديدة وحينها فقط سنكتشف أن ما حدث من ربيع ثوري لم يكن سوى خريف تقاسم الجميع أوراقه في إشارة إلى ما يحدث من تقاسم اليوم للوظيفة السياسية والعامة والادارة وتكريس لواقع حزبي طغى على مصلحة الوطن العليا.
وللأسف إن ما يبدو اليوم ماثلاٍ في المشهد السياسي أن مبدأ التقاسم قد حل محل الاستحواذ الذي كان قائماٍ قبل 21 فبراير وكلاهما سيئ وخطير وله تداعيات كارثية على مسار الآليات والقرارات المتعلقة بمستقبل البلد السياسي ولأننا قد جربنا هذا التقاسم في 1993م و1997م ولم ينتج إلا مزيداٍ من المكايدات والمناكفات والمزايدات استحضاراٍ لفساد سياسي طغى على مجمل المشهد في تلك الفترة من أوائل وأواسط التسعينات وللأسف فإن استجرار واستلهام تلك المرحلة اليوم سيعيد البلد إلى نفس المربع الأول لكن التداعيات ستكون اخطر في ظل ما هو قائم اليوم من اختلالات إن كان على المستوى العسكري وانقسام افقي في هيكلية الجيش سيما وأنه بانتظار قرارات حاسمة وجوهرية تعيد الاعتبار لواحديته وعقيدته العسكرية.. أو إن كان على المستوى الأمني الذي يعاني اختلالاٍ رهيباٍ في ظل تمدد وتوسع القاعدة وحضورها وأنصار الشريعة في أكثر من مكان.. أو إن كان على المستوى الاقتصادي الذي بات محشوراٍ في زاوية ضيقة حادة لا تقوم أو تنفرج إلا بمؤتمرات للمانحين من الهبات والمنح والقروض والتي باتت تتأجل من شهر إلى آخر.
سمير الفقيه