أصبحت المشتقات النفطية ضرورة حياتية لكثير من الناس فقد تكون مصدر الرزق الوحيد أو القوت الذي تعيش عليه الأسرة بأكملها فمنهم أصحاب الباصات والسيارات الأجرة وأيضاٍ أصحاب الورش والمصانع والمدارس وغيرها..
وقد وصل سعر دبة البترول أو الديزل في ذروة الأزمة إلى عشرين ألف ريال ودبة الغاز إلى ستة آلاف ريال.
وما يدعو للتساؤل أن أولئك الباعة الذين يتعيشون من معاناة الكادحين لايختبئون من أحد فتراهم يزاولون تجارتهم «المافياوية» على مرأى ومسمع الجميع ولا أحد يحرك ساكناٍ!!
كيف يحصل المهرب على النفط¿!
وعندما تحل أزمة غياب المشتقات النفطية يتجرعها المواطن اليمني عموم باستثناء أصحاب السوق السوداء ففي هذه الاسواق المشتقات النفطية موجودة على مدار الساعة.
ولو حاولت أن تسأل نفسك من أين لهم هذا لوجدت أن هنالك أزمة مبادئ وأخلاق ولوجدت أيضاٍ عجب العجائب ما يدعوك أن تندب حظك بسبب وجودك بين هؤلاء واليكم بعض النماذج:
قادني أحد أقاربي إلى الأخ وليد المعروف بتوفر مادة الديزل لديه باستمرار وأثناء نقاش جانبي سألت وليد: كم تربح من هذه التجاره فقال وليد « لا أحصل أنا إلا على ثلاثة آلاف ريال لأني مجرد عامل عند صاحب الحق وهو «……» شخصية مشهورة في جهاز الأمن السياسي تلك الطريقة ذاتها يستخدمها بعض المسؤولين والمشايخ لبيع حصتهم الفائضة من المشتقات النفطية وأما في محطة غرب الروضة في دارس فقد انتظرنا حتى أفرغت القاطرة محتواها من البترول ففوجئنا بسيارتين «شاص» محملتين بخمسة براميل أدخلهما صاحب المحطة أولاٍ و بدون سرب وعندما سألته أجاب أن هؤلاء أخاه وأبن عمه عندها قلنا: «ولماذا يمروا قبلنا في السرب قال: «خليهم يقصدوا الله على بطونهم»! عندها عرفت أن هؤلاء المستعجلين هم من يدفعون أكثر وتتكرر هذه الظاهرة في كثير من المحطات.. أما الأخ محمد . ح الموظف المتواضع في وزارة النفط فهو كما يقول: لا يعتمد على راتبه في شيء وأن اعتماده على مايستطيع اخراجه من مادة البترول فهو وقت الازمة يبيع ما يساوي راتبه ثلاث مرات!!
والأمن مشارك في الفوضى!
وسائقو القاطرات كانت لهم كلمة عندما سألناهم عما إذا ما كانوا مشاركين في ظاهرة تهريب المشتقات النفطية وبيعها خارج المكان المخصص لها فكانت الاجابة توحي بأنهم مشاركون في ذلك ولكن بدون اختيارهم و أكدوا جميعاٍ أن التقطع على القاطرات وافراغ شحنتها دائماٍ يحدث ولقد زاد في الأونة الاخيرة ولخص السائق علي باعبود كلام زملائه بقوله:« أهم ما نعانيه هو التقطع والنهب الذي إزداد بكثرة في الفترة الماضية نتيجة الازمة والاوضاع الأمنية المتدهورة فيقوم بعض القبائل بإيقاف القاطرة بقوة السلاح ثم يسمح لزملائه بتعبئة براميل خاصة بهم وأحياناٍ نكون قريبين من نقطة تفتيش ونبلغ عن الأمر فلا نجد تجاوباٍ بل قبل يومين أعترض الأمن المتواجد في الصباحة زميلي وأفرغوا من قاطرته برميلين وعندما سألهم لمن قال أحدهم «للوطن»!!
حاميها حراميها!
جوار المحطة أو خلفها أو أمام قسم شرطة أو شركة للنفط ترى هؤلاء البائعين يتواجدون غير مبالين بأحد وعلى مرأى ومسمع الجهات الحكومية والرقابية لكنهم يبدو أنهم يتمتعون «بالحصانة»!!
وعندما سألنا المقدم محمد صلاح من وزارة الداخلية عن ذلك قال لنا: «نحن نعلم بتواجد هؤلاء ولكننا لا نتلقى أوامر بضبطهم بل اننا نضع انفسنا في مواقف محرجة أحياناٍ ففي إحدى المرات قبل تشكيل حكومة الوفاق قمنا بضبط مجموعة تبيع البترول في الشارع وعندما سمحنا لهم بالاتصال إذ بهم يكلمون شخصية رفيعة المستوى وبدورها اتصلت إلى وزارة الداخلية مباشرة ثم اتصل بنا من «الداخلية» وطلب منا العودة وإخلاء سبيلهم¿!! شركة النفط مجرد كلام!
حاولنا الاقتراب من بعض الجهات الحكومية كوزارة أو شركة النفط فكانت تبتعد عنا كلما اقتربنا فمنهم من لا يرد على المكالمات ومنهم من يعتذر عن الاجابة والكثير منهم لا نستطيع الوصول اليهم.
ولقد اجرينا حديثاٍ هاتفياٍ مع الاستاذ محمد الارياني مدير إدارة الموظفين في شركة النفط بالامانة وتحدث بأن الظاهرة تسيىء إلى وزارة النفط وأنها خطيرة لأنها تشق على المواطن اليمني وأكد الارياني أن هناك جهة رقابية تابعة للوزارة تقوم بمحاربة التهريب وعندما سألناه عما إذا كان لها دور فاعل ورادع لأصحاب المحطات المخالفة أجاب بنعم وأضاف: ولكن في الفترة الماضية حصل التقصير نتيجة الأزمة وعدم استقرار البلاد وهي اللجنة في طور تنفيذ برنامج في الفترة القادمة سيكون رادعاٍ لجميع أصحاب المحطات.
دور «الداخلية» و« النفط»!
بالمقابل اتفق جميع العقلاء أن الحل الفعلي لكي تتلاشى هذه المعضلة هو العمل المشترك التكاملي ما بين وزارتي الداخلية والنفط..
ويقول الدكتور حمود الظفيري من جامعة صنعاء ـ كلية الهندسة: يتمثل دور وزارة الداخلية في محورين أساسيين الأول تأمين طريق سير القاطرات بحيث يضمن السائق عدم تعرضها لأي تقطع أو نهب وثانياٍ: ضبط أولئك الذين يبيعون في السوق السوداء لينالوا جزاءهم الرادع وليكونوا عبرة لغيرهم وأما وزارة النفط فدورها يتمثل في محورين رئيسيين أيضاٍ هما الإشراف على أصحاب المحطات ومراقبتهم وعقابهم إذا تمت عملية التسريب والثاني إلغاء وتوقيف الحصص الخيالية التي تقيد ضد مسؤول وليس مجهول!!..