استطلاع/علي السريحي – سامي القباطي
المتتبع لحال السجين وهو يحدق بعينه إلى القادمين إليه وكأنِ لسان حاله يقول عن السجن: بيت الوحدة وأخو القبر وشماتة الحاسد ومناحة الصديق يْطوى فيه العمر طي النسيان وتقف فيه عقارب الزمن وإذا باليوم شهر والشهر سنة.. كل شيء قديم لا جديد يلوح في الأفق إلا رؤى المنام وهي في أكثر الأحيان كوابيس مرعبة تستحدث الشيب وتجلب الهرم والهزل.. فالسجين لا حي فيدعى ولا ميت فيْنعى ولا مريض فيعاد ولا صحيح فيزار أو هكذا يكون.. ولكن السجن مدرسة للصبر ومجلبة للأجر.. فيه تتفتق الفكرة من سويداء العبرة وتْقلم أظافر الشهوات وتباد إلى حدُ كبير سود المعاصي وفي السجن تعرف الحياة كما هي وتنزل النفس منزلتها فتجتث فيه جرة الكبر وتحرق اسمال الرياء وتظهر زهادة المال وحقارة المقامات الوثيرة والمناصب الرفيعة وتفاهات الحياة برمتها! ففي السجن تتساقط الدموع الصادقة لتروي لهفة الشوق للمحبوب ولقاء الأحبة من الأهل والولد والصديق..
وعلى كلُ فالسجن يْعد في الحقيقة مكاناٍ مقدساٍ لإصلاح وتهذيب وتشذيب النفس وأهم ما فيه هي «المدرسة» أو قْل وسائل التهذيب والإصلاح هذه التي ينبغي توافرها في جْلِ السجون طبعاٍ والتي أولها المدرسة وآخرها المكتبة وبين هذه وتلك هنالك أدوات وقنوات معرفية غاية في الأهمية.. ولمعرفة دور هذه الأدوات والقنوات التعليمية في السجون كانت وجهتنا إصلاحية السجن المركزي بالعاصمة صنعاء.. وفي السطور المقبلة سلطنا الضوء على مدرسة السجن والمكتبة والتفاعل الذي يْبديه السجناء ذكوراٍ وإناثاٍ وأحداثاٍ كرغبة منهم في تلقي المعرفة فضلاٍ عن الإشكاليات أو هي منغصات تحدث داخل مدرسة السجن أو مدرسة «الميثاق» كما يسمونها هناك..
ففي إصلاحية السجن المركزي بصنعاء يعامل الاحداث معاملة لا تشعرهم بأنهم أضعف من غيرهم من خلال بذل الجهود ولو بالقدر المستطاع لينمو فيهم الاحساس بالمسؤولية من هنا التقينا الطالب وليد العولة الذي يصف دراسته في السجن بأنها لا تختلف كثيراٍ عن المدرسة في الخارج ويقول: دخلت إلى السجن وأنا في الصف الثاني ثانوي والآن أنا في الصف الثالث ثانوي وأجد أن المدرسة هنا جيدة ولا يوجد فرق بين الدراسة داخل السجن أو خارجه فالمواد الدراسية نفسها والحياة على خير ما يرام!. يوافقه الرأي الطالب جمال البهلولي الذي أكد أنه حين دخل السجن كان لا بْدِ أن يبحث عن شيء مفيد يشغل به وقت فراغه وأضاف: عقدت العزم على التعلم والتحقت بمحو الأمية ولم أكن قد درست من قبل والآن ولله الحمد وصلت إلى الصف الثالث الثانوي وهذا دليل مريح على أن الإنسان لا توجد أمامه أي عقبة وإن صادفته فهو بلا شك قادر على تخطيها إذا أراد ذلك!!
أما شوعي علي خداش الذي ترك المدرسة قبل أن يدخل السجن قال: أعيش هنا منذ 6 سنوات تأهلت فيها بشكل لم أكن أتصوره عبر ما وفرته المدرسة والمدرسون الذين قاموا بتعليمنا فقد تعلمت هنا مالم أتعلمه في الخارج وكأنني لست في السجن وإنما في منحة دراسية.
طموح وثقة
الطالبة نوال المطري تؤكد أن كل شيء بالنسبة لها على ما يرام ولكن ينقصها شيء واحد وهو انها تطمح أن تواصل دراستها من أجل أن تلتحق بكلية الشريعة والقانون.. ولكن مشكلتها أنه لا يوجد انتساب في مدرسة البنات كما هو حاصل في مدرسة الأولاد وهو ما يمنعها من الدراسة الجامعية وهي في السجن! الطالبة ( م . ح) من الصومال هي الأخرى مهتمة بالتعلم وبالذات اللغة العربية وهي واثقة من قدرتها على إتقان اللغة العربية قريباٍ!.
وهناك الكثير ممن وفقوا بحفظ القرآن الكريم وهم في محو الأمية ومنهم الطالب محمد حسين الذي أبدى سعادته بذلك.
روح المثابرة
يقول الأستاذ منصور عثمان الحمادي – وكيل مدرسة السجن «الميثاق» أن المدرسة أنشئت عام 1999م بدعم من الصندوق الاجتماعي للتنمية وهي عبارة عن قسمين الأول محو الأمية ويكون من الصف الأول إلى السادس والقسم الثاني كما هو معروف أساسي وثانوي يواصل فيه الطالب دراسته وإذا أحب مواصلة تحصيله العلمي الجامعي فيكون له ذلك عن طريق الانتساب.. ويؤكد أن المدرسة معتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم وتعتبر كأي مدرسة أخرى.. وبالنسبة للطلبة فهم من الأحداث أقل من 18 سنة والآخرون من الفئات العمرية المختلفة فوق 18 سنة وهم يدرسون مع بعضهم ولهم نفس المقررات كل حسب المرحلة التي هو فيها سواء محو الأمية أو الاساسي أو الثانوي ويتفاعلون مع بعضهم بطريقة رائعة وحيوية.
وعن طبيعة العملية الدراسية يشير الأستاذ وليد عبدالله الشرماني متطوع إلى أنها تسير على نفس الوتيرة كما في المدارس الأخرى خارج السجن من جداول ومقررات وحصص وتكون فترة الدوام من الثامنة صباحاٍ وحتى الثانية عشرة ظهراٍ تتخللها فترة استراحة.. وبالنسبة للمدرسين فهم ثمانية من التربية وستة من مصلحة السجون وعشرة متطوعين من السجناء أنفسهم وهم مسجونون بسبب تعسر في رد أموال وليس في قضايا جنائية.. وطبعاٍ المدرسون موزعون على ثمانية فصول يضم كل فصل 20 طالباٍ وأكثر في حالة ازداد عدد الطلاب المساجين أي أن عدد الطلاب يتراوح ما بين 160 إلى 200طالب وشكا الشرماني من نقص في المدرسين لبعض المواد مثل (الأحياء والرياضيات واللغة العربية) لكنه أشار إلى أن التركيز في الدراسة يعتمد بدرجة كبيرة على الجانب الروحي من خلال إقامة محاضرة داخل المدرسة عن الدين والأخلاق والقصص الدينية ذات العبر الدنيوية.
إجراءات أمنية
ويشير الأستاذ محمد الهمداني متطوع – إلى الطالب المتخرج من المرحلة الثانوية يتمكن من مواصلة دراسته الجامعية عن طريق الانتساب وتدفع المصلحة الرسوم البالغة 62 ألف ريال بعد اختبارهم فضلاٍ عن وجود حلقات لتحفيظ القرآن الكريم والأنشطة الرياضية ككرة القدم والتنس ولعبة الشطرنج كما لفت إلى أن المدرسة لا تحتوي على فصول لتعليم الكمبيوتر أي أن الأجهزة غير متوفرة أضف لذلك عدم وجود معمل لإجراء التجارب العملية لأنها تحوي أدوات ومواد خطرة يمكن أن يستخدمها المساجين للإضرار بحياتهم لا سمح الله.
وأشاد باللفتة الكريمة من مدير عام السجن المركزي العقيد مطهر الشعيبي الذي وجه بإلغاء كل ما تتضمنه الشهادة التي يحصل عليها الطالب وتدل على أنه كان يدرس داخل السجن والحاصل الآن أن الطالب يحصل على شهادة مكتوب عليها «الجمهورية اليمنية وزارة التربية والتعليم مديرية شعوب مدرسة الميثاق» وهذا يتفق مع الدور الأول للمدرسة في إعادة التأهيل ودمج السجين بعد صلاحه في المجتمع وإبعاده عن النظرة الدونية والقاصرة وبالنسبة للعقاب أكد على أنه لا يوجد عقاب مبرح بالضرب وما شابه ذلك وإنما بالنهي والنصيحة.
خصوصية المكان
أما الأستاذة فطوم بادي متطوعة فتؤكد هي الأخرى أن مبنى مدرسة البنات مفصول تماماٍ عن مبنى الأولاد ولكن يتم التدريس بنفس الآلية ونفس المنهج والأسلوب إلا أنه لا توجد مكتبة خاصة بالإناث لنا تحوي العديد من الكتب سواء العلمية أو الثقافية كما أن هنالك نقصاٍ كبيراٍ في عدد المدرسات فلا توجد سوى مدرستين وعن عدد الطالبات تقول يكون ذلك بشكل متفاوت من 20 إلى 40 طالبة موزعات على فصول محو الأمية والأساسي والثانوي.
وعن السبب في قلة المدرسات تقول الاخصائية الاجتماعية جميلة الزبيري – من وزارة التربية – أن المشكلة في الأصل هي في الأهل الذين يمنعون بناتهم من الدخول إلى السجن لتعليم السجينات «وأنا نفسي واجهت هذه المشكلة ولم أعمل في السجن إلا بصعوبة» والحق أن بعض المدرسات يخفن أصلاٍ من دخول السجن مع انها خدمة إنسانية نبيلة.
وأشارت إلى أن هناك فصلين للدراسة ومعامل للخياطة وفصلاٍ لدراسة الكمبيوتر.
اهتمام بالوعي
ولم يقتصر الأمر على الدراسة فقط فقد أنشأت إصلاحية السجن المركزي مكتبة يتم الرجوع إليها من قبل الطلاب الذي يريدون أن يوسعوا دائرة المعارف لديهم وبهذا الشأن تحدث إلينا علي سعيد الوديدي أمين المكتبة الثقافية بالإصلاحية أن المكتبة تم إنشاؤها في عام 2005م بدعم من الصندوق الاجتماعي للتنمية وتحوي ما يقارب 4125 كتاباٍ في مختلف المجالات المعرفية كقسم الثقافة الإسلامية وقسم التاريخ والجغرافيا وقسم السياسة والقانون وقسم الثقافة العامة وقسم الثقافة العلمية وقسم الأدب والشعر والقسم الجامعي المتخصص ويحتوي على 300 كتاب والتي يعود إليه المساجين الملتحقون بالجامعة إضافة إلى عشرة أجهزة كمبيوتر .. وتركز المكتبة على الجوانب الإصلاحية وتقدم عدداٍ من الخدمات منها المطالعة الحرة ودورات الكمبيوتر واللغة الانجليزية إضافة إلى القنوات الفضائية المختارة وهي 20 قناة للسجناء الحرية في اختيار ما شاءوا منها وهي موصلة إلى كل عنابر السجن.
وعن أوقات المطالعة في مكتبة الإصلاحية يقول الوديدي أن المكتبة تفتح أبوابها من الصباح حتى الظهيرة للمطالعة وفي المساء لدورات الكمبيوتر واللغة الانجليزية.
مناشدة
وفي حين وجه جمع من المدرسين والطلاب الشكر للصحيفة وناشدوا عبرها النظر إلى هذه المدرسة بعين الاعتبار من خلال توفير الاحتياجات اللازمة من السبورات الحديثة وأجهزة الكمبيوتر والوسائل التعليمية وإيفاء المدرسة بالنقص الحاصل من قبل مدرسي بعض المواد لأنها تعتبر من أهم المدارس كونها تقوم بدور تأهيلي وإصلاحي إلى جانب التربية وهو ما يحتم على وزارة التربية والتعليم والداخلية ومصلحة السجون وإدارة السجن الاهتمام بها كما نطالب بتوفير اخصائيين اجتماعيين لمتابعة المساجين الطلاب والأحداث ولا نستثني من ذلك المنظمات التي تعنى بهذا الجانب سواء الإنسانية منها أو الإصلاحية لتهتم بهذه المدرسة فنحن بحاجة إلى القلم والدفتر والكرسي وتطوير المبنى ليستوعب أكبر قدر من الطلاب ونحن لا نحتاج إلى مليارات الدولارات وإنما إلى 1000 دفتر وثلاجة ماء وثمان سبورات..ورغم توقف دعم الجمعيات والمنظمات في الوقت الراهن ورغم إمكانياتنا المحدودة جدا إلا أننا صامدون كما ترون وترسل المدرسات برقية عاجلة وعلى رأسهن الأستاذة حسناء زيد الكحلاني مدرسة الاشغال اليدوية يؤكدن فيها على ضرورة توفير الدعم بالمواد الخام والتسويق للمنتجات..
