دراسة تحليلية للحالة اليمنية قام بها الباحث اليمني محمد يحيى السعيدي تتناول قضية مصيرية في غاية الأهمية وفي غاية التعقيد وتعتبر موضوع الساعة خاصة ونحن نتطلع إلى سياسة جديدة تجتث الفساد وأهله.. الدراسة تعتبر هي الأولى من نوعها في اليمن من حيث المضمون والهدف.
الدراسة طبعت في كتاب عدد صفحاته 233 صفحة وتتضمن الدراسة خمسة فصول ساعدت الباحث على استعراض مفهوم ثقافة الفساد وأنواعه بشكل تفصيلي مما أدى إلى تكوين استنتاجات وتوصيات مفيدة لمتخذي القرار واصحاب الشأن لأفضل الحلول الممكنة لمكافحة الفساد.
أخذنا من هذه الدراسة التحليلية ماكتبه وتناوله السعيدي عن ثقافة الفساد في ما يخص الجانب الثقافي والمثقفين .
فساد المثقفين!
لقد طال الفساد بجميع أنواعه المثقفين وأصبح سمة هذا العصر هو فساد النخب المتعلمة فالعجيب العْجاب على سبيل المثال أن يكون رئيس الوزراء أو رئيس الجامعة أو الوزير حاصلا على شهادة الدكتوراه وشخصية أكاديمية ويمارس الفساد ولا نستغرب عندما نرى الإرهابي اليهودي شمعون بيريز يمنح جائزة نوبل للسلام عام 1994م وهو من جلب سلاح الدمار الشامل لمنطقة الشرق الأوسط وارتكب مجازر بشرية ضد الفلسطينيين واللبنانيين ويراه ملطختان بالدماء وشارك في مؤتمرات إرهابية ضد العرب وتاريخه كله إرهابي معاد للبشرية وبعد كل ذلك يمنحه العالم المتحضر جائزة نوبل للسلام صمت رهيب قاتل من جميع مثقفي العالم والمنظمات الدولية!! هل هناك فساد عالمي أكثر من ذلك¿¿!!
فكثير ممن يسمون أنفسهم بالمثقفين بعيدون عن القيم الأخلاقية بل البعض يطالبون بشكل علني بلا خجل من الله سبحانه وتعالى الأخذ بالقيم الدنيوية الغربية لتطوير الفرد العربي المسلم وتناسوا القيم الإلهية الدينية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسول البشرية.
وقد يكون السبب أن هؤلاء المثقفين أدركوا هيمنة السلطة على الإنسان وقدرتها على النفع والضرر ورفضها الحاسم لكل مايمس حدودها ومصالحها وبالتالي آثروا السلامة فسكتوا عن قيم يرغبون في التعبير عنها أو الإفصاح عن الفساد ومقارعته وسكتوا عن الظلم وفساد الحاكم والإنسان هؤلاء المثقفين هم بالدرجة الأولى موظفون في مؤسسات السلطة أو الحاكم تمنح لهم مرتبات ولديهم زوجات وأبناء يمكن للسلطة استغلال ذلك ومعاقبتهم عند تخطي اللون الأحمر غير المسموح.
هكذا يبدو المثقف العربي يأكل ويشرب ويعمل ويلهو ويعرف ويصمت ويرى ويتظاهر بالعمى لا يتمرد ولايفكر في ذلك ينافق ويجامل بل يصفق بحرارة ليحافظ على أمنه وسلامة رأسه ورزقه وسلامة عائلته أما الذين تمردوا على الفساد والظلم فمصيرهم التقاعد أو التهميش أو السجن أو الهجرة خارج البلاد.
والمثير للدهشة أن فضائح الفساد في معظمها تنسب إلى مثقفين مسؤولين حاصلين على أعلى الشهادات الأكاديمية وتبوأوا مناصب أكاديمية كبيرة فنستغرب أن يحصل فساد في مؤسسة تعليمية كجامعة يمارس رؤساؤها الأكاديميين الفساد وهم يعتبروا ضمير وشرف الأمة.
واستشهد الباحث بموقف للكاتب المصري صنع الله إبراهيم بأنه الحالة الحقيقية الوحيدة الناصعة في حاضرنا حيث رفض الجائزة العربية التي تمنح في مجال الإبداع الروائي وقدرها مائة الف جنيه مصري وعبر عن هذا الرفض بأن هذه الجائزة صادرة من حكومة لا تملك في نظره مصداقية منحها ولأنها سبب الفقر والمعاناة وحمايتها للفساد وعجز سياستها الخارجية
ويكمل الباحث أين مثقفونا من هذا الموقف الشريف¿¿ لماذا يلثهون وراء رضا السلطة والأنظمة والتواطؤ معها¿¿
هذه رسالة قوية مفادها أن المثقف الحقيقي الأصيل أكبر من أن تأسره قيود الاحتواء السلطوي مهما كان زخرفها وصرخة قوية في وجة الخنوع والذل والاعتقال ومصادرة حق التعبير وأن هذه الجائزة التي يتهافت عليها كتبة السلطة لا تمثل أي قيمة حقيقية بل التنصل منها مكسب حقيقي يعيد للفكر والثقافة شيئاٍ من كرامتها المصادرة.
أدمغة فاسدة!!
لقد تنامت في النصف الثاني من القرن العشرين ظاهرة المثقفين والمفكرين الذين صنعت أدمغتهم في الخارج بالتحديد في الغرب وحددت انتماءاتهم وولاءاتهم وأفكارهم واتجاهاتهم وميولهم ورغباتهم بما يتماشى مع الأفكار الغربية وهم الخطر الرئيسي ربما أكثر من خطر أعداء الأمة الإسلامية حاول الغرب ممثلاٍ بأمريكا والدول الاستعمارية تشكيل مدرسة لتربية الجيل المثقف من العرب والمسلمين وصهرهم بالنموذج الغربي الذي جرى ترويجه ومناصرة الفهم الغربي ونجحوا بالفعل في إخراج مدرسة مؤثرة تتقلد مناصب عليا وقراراتها مؤثرة تؤيد العولمة الغربية والخصخصة الغربية وتجديد الخطاب الديني والأخذ بالمفاهيم الغربية والذوبان في المجتمع الغربي فهم الآن يريدون دولة علمانية والغاء المصطلحات والقيم الدينية وأصبح الولاء غير وطني ولاء منفعيا شخصيا لا يهمهم مصلحة الوطن.
نجح الغرب في ذلك نجاحاٍ باهراٍ وتدخل في تعيين هؤلاء المتأمركين الفاسدين في كل مرفق حكومي حتى وصلوا إلى قمة السلطة وهؤلاء مكلفون بتنفيذ المخطط الصهيوني الاستراتيجي ومحاربة الشرفاء الوطنيين.
مركز إفساد الثقافة!!
يْعد تمويل البحث العلمي في العالم العربي من أكثر المستويات انخفاضاٍ في العالم فقد بلغ معدل الإنفاق العلمي نسبة إلى الناتج المحلي الاجمالي 0 . 14 ٪ فقط في العالم العربي عام 1996م مقابل 2 . 53 ٪ عام 1994م لإسرائيل 2 . 9 ٪ لليابان 1 . 62 ٪ لكوبا ويكفي مثلاٍ أن نصيب العرب من اجمالي مستخدمي شبكة الانترنت يبلغ 0 . 05 ٪ في حين تبلغ نسبة العرب إلى اجمالي سكان العالم 5 ٪ تقريباٍ.
أما الكتب المترجمة فأرقامها هزيلة للغاية فالعالم العربي بأكمله يترجم سنوياٍ مايقارب من 330 كتاباٍ وهو خمس ماتترجمه اليونان في عام واحد وهناك مفارقة مثيرة تقوم بها مراكز البحث والنشر في اليمن بالرغم من كثرة عددها واختلاف تسمياتها إلا أن معظمها لا تقوم بدورها الطبيعي في تشجيع البحوث والدراسات وطباعة الكتب فعلى سبيل المثال لا الحصر مؤسسة السعيد الثقافية التي يرعاها أكبر البيوت التجارية تتولى الرعاية والاهتمام بالثقافة من خلال مكتبة متواضعة ومسابقة سنوية وندوات ثقافية فأين تشجيع الباحثين الجادين وطباعة الكتب¿¿ كذلك نفس الحال في مؤسسة العفيف الثقافية التي تقيم ندوات ثقافية وعند طباعة الكتب لابْد أن يكون من المقربين أو من أصحاب الأسماء المعروفة وماتم طباعته لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة والحال واحد في جميع مراكز البحث الحكومية بمعنى آخر ثقافة سطحية زائفة وتأسيساٍ على ماسبق نستطيع القول بأنه لا فائدة حقيقية من المراكز البحثية التي لا تحقق الفائدة المرجوة في إيجاد ثقافة حقيقية بل وجودها له ضرر بالغ في إفساد الثقافة من خلال تبني أشباه المثقفين والمنافقين وتجاهل الباحثين الجادين..