قبل سنة من الآن أحرق البوعزيزي نفسه احتجاجاٍ على سوء المعاملة فاشتعلت تونس بأكملها في ثورة عارمة بدأت من الأطراف ومن منطقة منسية بالنسبة للدولة التونسية التي لم يكن يمر شىء أو يحدث شىء فيها دون علم زين العابدين بن علي ومن خلفه حرمه المصون. التي حولت عائلتها تونس كلها مزرعة عائلية فكانت النتيجة أنهم خرجوا منها ناجين بأنفسهم من الملاحقة والمحاكمة ورغم أن بن علي أثبت لمن أصيبوا بعده أنه الأعقل والأحقن لدماء شعبه بين مجموعة الدول التي تدعي أنها جمهورية إلاِ أن ذلك لا يشفع له ولكن لماذا حدث كل هذا الحجم الهائل وغير المتوقع من التغيير في ظرف زمني يعد قصيراٍ بعد أن صمدت هذه الأنظمة عقوداٍ كثيرة¿ والإجابة على هذا السؤال كامنة في السؤال نفسه حيث إن هذه الأنظمة لم تنجح في صنع قاعدة شعبية تلجأ لها أو تحتمي بها عند الحاجة بل إن الأمر أصبح من الضيق لينتقل من الحزب الواحد إلى العائلة وكلما ضاقت حلقة صناعة القرار اتسعت دائرة الخطر ولو ألقينا نظرةٍ فاحصةٍِ على المشهد قبل يوم من حرق البوعزيزي لنفسه لرأينا أن عائلة بن علي تستفرد بالسلطة والثروة في تونس وعائلة مبارك تستفرد بالسلطة والثروة في مصر وعائلة القذافي تستفرد بالسلطة والثروة في ليبيا وعائلة صالح تستفرد بالسلطة والثروة يفي اليمن وعائلة الأسد تستفرد بالسلطة والثروة في سوريا فأين هو النظام الجمهوري وأين هو حتى الحزب الحاكم بكوادره التي «لا تهش ولا تنش» وأين هم زعماء الأحزاب السياسية والمنظرون الحزبيون¿ بل أين هم قادة الأسلحة من طيران وسلاح بري وقوات بحرية¿ فقد تم إلغاء الكل واختزال كل ذلك في شخص الرئيس وعائلته ثم ما رافق ذلك من جمود في الحياة السياسية وانحدار للوضع الاقتصادي لكل جمهورية من تلك الجمهوريات التي عانت شعوبها من الإلغاء والتهميش والإقصاء دون وجود أية بارقة أمل بل إن الإحباط لهذه الشعوب بلغ حده الأقصى حين طرح بن علي مبدأ التوريث وشاكله كل من الرؤساء في مصر واليمن وليبيا حيث تم الإفصاح عن اسم السيدة ليلى الطرابلسي كوريثة لرئاسة تونس وسيف الإسلام القذافي كوريث للقائد الليبي وكان يمارس دور رئيس وزراء ليبيا وتم طرح اسم جمال مبارك كوريث للرئيس حسني مبارك مع ممارسة معظم مهام الرئيس في عهد والده وتم إعداد أحمد نجل الرئيس اليمني ليكون وريثاٍ للرئاسة في اليمن وقبل ذلك بسنوات قام حافظ الأسد بتوريث حكم سوريا لبشار الأسد وأمام هذا المشهد المتجانس مع تشابه الظروف ووجود حجم كبير من الإحباط لدى الشعوب العربية في تلك الدول بنسب متساوية مع وعود كثيرة بالإصلاح والشفافية ينقصها الإصلاح والشفافية ويؤزم كل ذلك غياب أي بصيص من الأمل في مواجهة هذه الأنظمة البالية وغير القادرة على رؤية أو استشراف المستقبل مع قناعتها بأن هذه الشعوب تحت الستار الحديدي والقبضة الأمنية لن تحرك ساكناٍ ولكن الأمر إذا بلغ بالإنسان أن يحرق نفسه فإنه يكون قد وصل إلى خط اللارجعة وأن كل أدوات القتل والقمع لن تجدي نفعاٍ مع شخص قرر أن يحرق نفسه ذلك هو واقع الحال الذي كانت عليه شعوب الجمهوريات المحبطة ولم يبق على الحدث الكبير إلا إطلاق شرارة البداية على يد شهيد قرر أن ينقض على الألم والإحباط والمعاناة فما كان من محمد البوعزيزي إلا أن يكون رائد مرحلة التغيير لأنظمة ادعت أنها جمهورية وشعبية وجماهيرية ولم تكن من ذلك كله في شيء ثم تغير المشهد بعد يوم من حرق محمد البوعزيزي نفسه لتجد هذه الشعوب واقعاٍ جديداٍ يقوم على الحرية والعدالة والمساواة أو على الأقل هذا هو ما يبدو على المشهد بعد عام كامل من حرق البوعزيزي نفسه..
سيف المري
«دبي الثقافية»