مطهر الأشموري
أي أطراف في أي أزمات أو مواجهات أو صراعات بقدر ما يكون لها خطاب وتحليل تقدمه في إطار الصراع بأوجهه ومواجهاته فعادة أو يفترض أن يكون لها قراءة وتحليل واقعي خاص بها أو لوعيها وهي تتعامل مع تطورات أزمة أو صراع بل إن كل طرف لمزيد الاحتراز يمارس في تتبع ومتابعة قراءته وتحليلاته الخاصة مدى سير التطورات باتجاه ما يمكن أسوأ الاحتمالات بالنسبة له كطرف وذلك مايدفعه إلى وضع مريح تجاه أسوأ الاحتمالات أو إلى استعداد للتعامل مع احتماله.
النظام ربما يجسد تعامله مع الاعتداء على جامع دار الرئاسة مدى الاستعداد والتقبل لأسوأ الاحتمالات وتغليب التعامل والوعي على التعامل الانفعال وردود الفعل.
التعامل مع المبادرة الخليجية والقرار الدولي بغض النظر عن خلاف الآلية المزمنة والتوقيع تعكس واقعية تحليل خاص به للتعامل مع الأرمة وإدارتها والوعي المبكر بالحلول والمخارج.
الطريقة التي تعاملت بها المعارضة كاصطفاف في محطة ما تسمى ثورات سلمية تؤكد وتجسد الانفعالية العالية الطاغية والوعي المنخفض إلى مستوى من الاعدام أو الانعدام غالباٍ خاصة وأنها لم تسر في هذا كخطاب وموجهات ومناورات صراع وإنما كخط يستغني عن الحاجية للقراءات والتحليلات الواقعية الخاصة بها وذلك لا يجعلها تفكر مجرد تفكير في احتمال أو في أسوأ الاحتمالات.
ربما لو أن ما تبناه د. ياسين سعيد نعمان أمين عام الاشتراكي منذ بداية الأزمة في حديث مع »الجزيرة« الحوار مع الرئيس بشرط الارتكاز على قاعدة الرحيل – لو – أن هذا الخيار هو الذي غلب حتى يصبح الخط الواقعي للمعارضة فذلك ما كان سيسمح بالتأسيس لقراءات وتحليلات واقعية خاصة بالمعارضة ووعيها كطرف لتصبح طرفا يستعد لكل ولأي احتمال وقادر تلقائىا على تحسين وضعه في ظل أي احتمال أقرب للتحقق.
قرار الجامعة العربية بعقوبات ضد النظام السوري لايفرق في أوجه المقاربة عن قرار منح توكل جائزة »نوبل« حيث الأرضية الخارجية المساندة لخط الثورات السلمية تبحث عن بدائل لإسناد هذا الخط أو لإضعاف الآخر إذا خيارات النظام في اليمن السياسة الواقعية لم تعد تتيح أو تسمح لذات القرارات من الجامعة العربية فالطريقة التي منحت بها توكل كرمان جائزة »نوبل« ليست غير بديل لدعم طرف في الصراع وذلك إيجابي أن تكون اليمن أول من ينال هذه الجائزة عربيا كامرأة فيما انعكاسات ذلك محتوى في إطار الأزمة وتموضعها باليمن.
عندما تتعامل المعارضة مع توقيع المبادرة أو حتى »سهيل« وكأنها صدمت أو لم تتوقع أن يوقع الرئيس فذلك خطؤها واقعياٍ ووعيا وبمستوى وسقف »الخطايا« في حق ذاتها أكثر من الآخرين.
بالنسبة للنظام كطرف فلجوء المعارضة من خلال أي أثقال إلى الاعتداء على جامع الرئاسة يعني يأس المعارضة من الوصول إلى ماهو أسوأ الاحتمالات بالنسبة للنظام كالحسم الثوري ونحوه.
وبالتالي فالمعارضة التي لم تنجح في تصفية رأس النظام وأقطابه مارست ماهو بمثابة الإعدام لأفضل الاحتمالات التي تتمناها وأسوأ الاحتمالات بالنسبة للنظام ولذلك فالمعارضة كان يعنيها على الأقل منذ ذلك الوقت أن تعد وتستعد للاحتمالات الأخرى غير الاحتمال الذي أعدمته دون الركون إلى رفض توقيع المبادرة أو ضغط طرف خارجي لعدم عودة الرئيس من مرحلته العلاجية أو خطاب بقايا النظام وغيره فهذه الواقعية باتت خيار وقرار الواقع حتى لو صفي الرئيس أو لم يعد وغير ذلك هو استمرار الأزمة أو التصعيد إلى المجهول.
المحطة السلمية بدفعها الخارجي وتفعيل أرضيتها داخلياٍ مكنت المعارضة من تصعيد التأزيم الذي نجحت حتى سقف منذ عام 2006م إلى أزمة كأقصى سقف لنجاحها وبأي مسمى كان أو يكون كأزمة أو ثورة لأن الواقع والوقائع هو فوق المسميات وأقوى منها الوضع شديد الصعوبة الذي جاء منه الرئىس علي عبدالله صالح وجاء إلىه علمه وتعلم منه واقعية المرونات والمداهنة للخارج وواقعية المرونات والمراهنة على الداخل ومشهد حرب 1994م يجسد أعلى نجاح في ظل الموقف الاقليمي والدولي مقارنة بالحروب الشطرية وحروب الجبهة الوطنية.
المتمعن والمتعمق في الشأن اليمني سيجد استثنائية النظام في اليمن خلال الأسابيع والشهور الأولى للأزمة وهو قلقه من وضع وموقف الداخل وعدم قلقه إلى مستوى من عدم الاكتراث بمواقف الخارج حتى حين طرح الرحيل فوراٍ والرحيل الفوري كما أنظمة أخرى ولعل ما حدث في اليوم المفترض لتوقيع الاتفاق من طرف الرئيس يقدم هذه الحقيقة فالرئيس مادام مايشترطه واقعيا وهو شرط الواقع وهو الواقعية فهو يسير باستحقاقات هذا كموقف.
النظام بغض النظر عن أي أخطاء له فهو كمن ربط مصيره بالواقعية والواقع وقدم مشروع الرحيل تحت هذا السقف وبشرطه.
فإذا النظام قدم الرحيل للواقع واستعاد التحامه القومي بالواقع من خلال الرحيل فالمعارضة كان يفترض أن تلتحم بالواقع الداخلي من خلال البديل كتوافقية وديمقراطية أو حتى من خلال ما تسميه ثورة سلمية فشرط نجاحها الالتحام بالواقع عبر البديل لأن هذا البديل هو الذي يحصل أو يحوز على تفويض الشعب في ما تسميه شرعية ثورية أو حسم ثوري ونحوه أما بدون ذلك فالشرعية الثورية تصبح أسوأ شمولية والحسم الثوري هو أسوأ صراع وأسوأ انقلاب. منذ الثورة المصرية 1952م ظل الإعلام المصري هو أقوى إعلام في المنطقة وكان بمثابة المستحيل توقع انهزامه أمام أي إعلام ولكن ذلك حدث في محطة ما تسمى الثورات السلمية.
لقد وفر لطرف وخط الثورات في هذه المحطة إعلاماٍ يمثل حرباٍ عالمية ضد الأنظمة المستهدفة وواقعها واصطفافها أقوى من كل إعلام الأنظمة لو تجمع أو جمع.
ولهذا فوزير الإعلام في تشكيل الحكومة الذي لم يصدر حتى كتابة هذه السطور ويتوقع صدوره فحين وصول هذا الموضوع للنشر هذا الوزير سيكون من المعارضة وهو من سيدير ما يسمى الإعلام الرسمي.
الفارق هو في وعي استجابات الواقع في اليمن أو مصر والإعلام في مصر هو أفضل وأقوى بكثير من اليمن ولهذا فمشكلة المعارضة في اليمن هي في الواقع بمقدار فقدانها الواقعية تجاه الواقع النظام في اليمن منذ مجيئ صالح لم يصطف في الصراعات كقومية ورجعية أو أممية وامبريالية ولم يكن مع تصدير الإرهاب إلى الشرق »أفغانستان« أو إلى الغرب وهو لم يتقاطع مع مصالح أي آخرين كواقعية داخليا وخارجيا لكنه قد يتقاطع داخليا مع قوى خارجية كأولوية للواقع وكموقف واقع مكثف أو كثيف الوعي.
كل الأطراف السياسية الأخرى مارست التقاطع كاصطفاف صراع دولي أو أقليمي أو من أساس وتطرف ديني وهذه القوى التي اعتادت التطرف في عداء طرف خارجي من اصطفاف وتقاطع صراعي خارجي أو ارهابي وهي في ذات الوقت تتطرف في الارتماء والارتهان لطرف خارجي يصبح خيارها في هذه المحطة الرهان على الخارج إلى صدارتها وحتى ذلك فقد الاهتمام ولم يعد له أي قدر من الأهمية في ظل الحرب الباردة أي حاكم يقبل بالرحيل ويقدم مشروعه ويشترط البديل التوافقي الديمقراطي في هذه المحطة يصبح قويا أمام الأرضية الخارجية أيا كان تصعيد مواقفها سياسيا وأي معارضة تظل تراهن على الخارج في ظل موقف كهذا النظام يسند الواقع والواقع يسانده فهو رهان ارتهان لا يحسم ولا يحمل الحد الأدنى من أهلية وقدرات حسم المعارضة التي كانت قبل توقيع المبادرة الخليجية والشريك في الحكم بعدها وقف المبادرة يعنيها أن لا تكرر الأخطاء الأساسية لفترة ما قبل التوقيع في فترة ما بعده من أجل الواقع ومن أجل ذاتها النظام أفضل في توازنه وعيا وواقعيا مع التطورات من تعامله الواقعي مع الواقع ومن قبوله بالأمر الواقع كموقف مع ومن أرضيته وليس تدويرا أو مدارة وتكتيكا أو مناورة ومداهنة وأفضلية المعارضة لم تكن ولن تكون ولن تأتي إلا من خلال الواقعية مع الواقع والتسليم بالأمر الواقع وهو لصالحها وبما لم تكن به تحلم ولكن إن تحررت من أحلام وأوهام باستجاباتها لها على أنها »ليلة القدر« لا نقول كل أطراف المشترك ولكن أثقال تأثير وأثقال بأي قدر لها تأثير في كل أفعالها وتفعيلها وسلوكها وتصرفاتها ما يؤكد رفضها للمبادرة التي وقعت والقرار الدولي الخاص بها.
الكل يرقب النظام كما يرقب المشترك ولكن في ظل وضوح لمواقف هذه الأثقال التي لا يبدو المشترك قادرا على جرها للانخراط في تطبيق وبالتالي فالمشترك معني بشراكة مواجهتها في إطار النظام والقانون والشرعية الدستورية وإلا فإن التواطؤ معها هو إخلال بجوهر المبادرة والقرار الدولي والدفع إلى استمرار الأزمة والصراع وكأن كل المطلوب هو إسقاط واجب شكلا للتهرب من تبعات الموقف اقليميا ودوليا الواقع وكل طرف في مثل هذه الحالة التي نتمنى ألا تدفع اثقالا في المشترك أو توصل إليها سيدخل في حسبة توقعات واحتمالات تصعيد الصراع ولكن من موقف اقليمي أو دولي مختلف أو قد يختلف.
المشترك عليه أن يعي في ما يعرف أكثر مما يهرف في ما لا يعرف فهو عبر القاعدة والميليشيات الاخوانية والقبلية مارس وصعد الحروب بأقصى قدراته في مناطق كثيرة من اليمن وموقف المجتمع الدولي أو تموضع المحطة باسناد قوى دولية هو الذي أجبر النظام كطرف على الاضطرار للمواجهة بسقف وفلسفة الدفاع بل لم ينجر لتصعيد الدفاع المفتوح المتعارف عليه في كل الأوطان كل متابع متعمق في فهم النظام كتفكير وسلوك وخيارات ورؤى وكل متابع دقيق لخطوات النظام والإدارة للأزمة من طرفه يعرف وبأعلى ثقة أن سقف طموحاته وأمنياته نجاح الشراكة حتى مجيئ الرئيس المنتخب ثم حتى الانتخابات التنافسية المفتوحة وفق المبادرة.
إن سار الطرف الآخر في تصعيد الصراع بالمباشرة أو من خلال أثقاله المتبرمة والمتمردة ولم يمارس شراكة مواجهتها والتعامل معها وفق الدستور والقانون كقوى إرهاب أو تمرد فلن يظل الخيار ولا الموقف هو ذاته وكما كان قبل توقيع المبادرة.
استرجعوا الذاكرة وتذكروا جيداٍ في ظل تضليل طال حقائق واستحقاقاتها وقد باتت من التاريخ فالنظام ليس من هدد بصوملة أو أفغنة ولكن تحدث عن احتمال حرب من بيت إلى بيت والفارق كبير أما تهديد الصوملة والأفغنة فكان من الطرف والأطراف الأخرى كاصطفاف داخلي وخارجي خلال الأزمات التي أوصلت إلى حرب 1994م لم تكن الصوملة أو الأفغنة هي الحتمية كما طرح كما أن الحرب الأهلية ليست حتمية ليشكلها أو يتشكل منها طرف كما يشاء وقد لا تكون حتمية كحرب أهلية إلا بقدر إرادة قوى وأقوياء من الخارج.
فإذا مثل هذه القوى والأقوياء من رؤى ولأي أهداف أو حسابات يريدون مثل ذلك في اليمن فإنهم سيصمتون أو حتى يتواطأون مع تصعيد أثقال من المشترك للصراعات والحروب بعد الاتفاق كمشاركة مع تواطؤ هو بين الاحتمالات للمشترك.
النظام الذي كان وشريك الحكم كما أصبح لن يترك أمامه خيارا غير المواجهه لهذا الوضع ومن أي وضع له وذلك يمثل أدنى حق لأي طرف للدفاع عن واقعه ووطنه وعن وجوده وعن حق الشعب اليمني في وحدته وأمنه واستقراره.
إنني أشد المتفائلين ولكني مؤمن بحاجية الواقع واحتياج كل طرف في اصطفاف الواقع إلى واقعية الخيارات والمواقف والقراءات والتحليلات وإلى وعي الأبعاد والاحتمالات!!..