النزاع الطائفي المذهبي في اليمن لا يقارن بأي نزاع قبلي أو سياسي لأن من يقف خلفه أو يحركه مزيج من العصبية والعاطفة والجهل المركب مع دخول الأوراق الإقليمية على الخط ويستمر هذا الداء في ضرب الوحدة الاجتماعية للمجتمع وينتقل تدريجيا إلى أتباع الملة الواحدة باختزال كل طائفة للدين في سلوكها المذهبي مع إظهار الضيق وعدم القبول لاتباع المذاهب الأخرى..
«نور على نور» بحثت في الصراع القائم بين الأشقاء «الحوثي والسلفي» في منطقة دماج والمستمر منذ أكثر من شهر ونصف وبحثت عن أسباب هذا التعصب ونتائجه واثاره وناقشت الأبعاد السياسية لنشوب هذا الصراع المذهبي في الوقت الراهن..
تحقيق/ خـــالد الصايدي
الدكتور أحمد العجل عميد كلية الإعلام بدأ حديثه بالقول لا يجب أن يكون هناك صراع بين الحوثيين والسلفيين طالما جمعتهم مظلة الإسلام ولا بد أن تفصم بين الطائفتين في إطار الثوابت الشرعية الإسلامية وكذا المبادىء الإنسانية المتمثلة في التعايش السلمي..
ويضيف العجل: هناك مشكلة أدت إلى صراع عقدي بين الحوثيين والسلفيين فيحصل النزاع الذي يؤدي إلى التعصب والأنانية والإقصاء والحقد الطائفي والتطرف فيقود بالتالي إلى الحروب والدمار فلابد أن تحترم الثوابت الشرعية وإن كان هناك اختلاف جذري فلابد أن تجمعنا الثوابت والتعايش السلمي خير لنا من الحروب والاقتتال..
ويعتقد الدكتور العجل أن هناك بعداٍ خارجياٍ يصفي حساباته في أرض اليمن ويتمثل في دعم الطائفتين الحوثية والسلفية واليمن ملعباٍ لهذه الفتنة وهذا الاقتتال أما البعد الداخلي فهناك صراعات سياسية حيث أن بعض الأحزاب تستغل الوضع في البلاد من خلال إثارة الصراعات الداخلية لتمزيق الوطن من خلال زرع الفتن وبالطبع أن الدولة تتحمل مسؤولية كبيرة من خلال الدور الذي تقوم به جمعية علماء اليمن والافتاء والقضاء الأعلى ولابد أن يبرز العقلاء من السلفيين والحوثيين ويتحاوروا بأخوة وثوابت شرعية والحديث النبوي يقول :«كل المسلم على مسلم حرام دمه وماله وعرضه»..
ويختتم الدكتور العجل حديثه بالقول « يجب أن ندرك أن هناك توجها سياسيا إماميا للحوثيينن وهو ضرب لكل من يقف أمامهم..
خلفية طائفية
يقول الأخ محمد عزان مدير عام إذاعة صعدة ما يجري في صعدة وغيرها من قتال بين المسلمين صورة من صور الخصومات والاقتتال على خلفية طائفية وإن حاول بعضهم تقديمه في قوالب أخرى وهو ما يمكن أن يحدث في أماكن أخرى وبين أي جماعات مختلفة إن لم يتوحد الجميع لمواجهة التحريض المذهبي والشحن الطائفي وإقناع الفرقاء في فهم الدين والحياة بأن قدرهم أن يعيشوا الحياة جميعا وإن اختلفوا في الرؤى «فالله يحكم بينهم يوم القيامة في ما كانوا فيه يختلفون.
ويعتقد عزان أن جذور مشكلةالصراع الطائفي معروفة وهي أن كثيرا من المتدينين من سائر الأمم وعلى مر العصور يعتقدون أنهم صفوة الله وأنهم أعرف الناس بما يريد الله وهم في نظر أنفسهم من يحقق مراد الله على الأرض ونتيجة لذلك ينظرون إلى من سواهم من العالمين أنهم عصاة مذنبون لا يستحقون الحياة لما يمثلون في رأيهم من شر يتعين إزالته عن الحياة وتطهير الأرض منه.
ونتيجة لتشبعهم بتلك الثقافة ينتقل البلاء إلى أوساطهم حينما يفهم بعضهم مراد الله بخلاف ما يفهم الآخر وبالتالي يقصر كل فريق الحق على ملته ويعينه في أمته وهو ما أفصح عنه السابقون حين «قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب» ولم تقتصر تلك المزاعم على اليهود والنصارى بل كذلك قال الذين لا يعلمون من جهلة الأمم ومتعصبيهم مثل قولهم.
ويضيف ويستمر داء التعصب في ضرب وحدة المجتمعات وينتقل إلى أتباع الملة الواحدة حيث تختزل كل طائفة الدين في مذهبها وتدعى أنها دون سواها «الفرقة الناجية» وتظهر التضجر والضيق من اتباع المذاهب الأخرى وتنظر إليهم بريبة وتتعامل معهم كمنافسين يجب اضعافهم أو الخلاص منهم باÿي وسيلة ولو بإخراجهم من الوجود وسلبهم حق الحياة متى ما لاحث الفرصة وكانت الظروف مواتية.
رغم أن حق الحياة هبه الله للإنسان مهما كان فكره وقناعته الشخصية فالله هو الذي خلقكم فمنكم كافرومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير فالحياة وما تتطلب من مقومات هبة الله تعالى الذي بين حكمته في العطاء على التفضل بصرف النظر عن الاستحقاق فكان العطاء الإلهي المتدفق على أساس الحكمة يشمل الناس جميعا المطيع منهم والعاصي كذلك «كلنا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا» وهو الذي سيتولي محاسبة الجميع وفقا لعلمه الذي أحاط بتفاصيل وخلفيات ودوافع كل مخلوق.
ويضيف محمد عزان وهذا ما يجعل كثيرا من الفرقاء في الدين أو المذهب الواحد يستنفرون الطاقات ويشحذون الهمم لفرض وجودهم وبسط نفوذهم وإحكام سيطرتهم وإخضاع من سواهم بشتى الوسائل وإذا نشب أي خلاف خرج كل فريق يقتل الآخر تحت رايات بزعم أنها ريات جهاد في سبيل الله» حتى صرنا نرى المسلم يقدم على قتل أخيه المسلم وهو يصرخ بأعلى صوته الله أكبر» ولا يستوحش من ذلك بل يفاخر به ونيابه عن الله يضع قتلاهفي قوائم الشهداء وهذا يذكرنا بما يروى أن رجلا قتل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الصحابة هنيئا له الجنة فنهاهم النبي عن ذلك وقال :«رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته».
ولتزيين الأفكار العدوانية التي تبرر القضاء على الآخرين وإخراجهم من الحياة وتبرير سلوك قتل المخالفين وإبادتهم يسخر المتعصبون منابرهم ووسائل إعلامهم لتأييد الخصومات وإضفاء القداسة والشرعية على الأفعال القبيحة ومطالبة الناس بتأييدها ومن لم يفعل فتهمته جاهزة «خذلان الحق» والتثبيط عن الجهاد و«مداهنة الظالمين» ونحو ذلك مما اعتاد الناس سماعه من أقطاب الخصومات وتجار الموت.
وعن خطورة النزاع الطائفي
يقول عزان خطورة النزاع الطائفي على اليمن وغيره لا يقارن بأي نزاع قبلي أو سياسي لأن من يقفون على ضفتيه يحركهم مزيج من العصبية والعاطفة والجهل المركب التي لا تقيدها القيم والأعراف والقوانين ولا يحصرها مكان ولا زمان ولا تراعي قرابة أو صحبة أو شراكة في دين أو وطن ولا تتراجع أمام مقدس أو شريف أنها مستعدة أن تطعن الخليفة عمر بن الخطاب وهو قائم يصلي ولا تكترث أن تذبح الخليفة عثمان على مصحفه وهو صائم في بيته ولا تتحرج أن تغتال الخليفة عليا وهو ساجد في محرابه في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. إن التعصب الديني يستبيح كل المقدسات ويهتك كل المحرمات ويهلك الحرث والنسل وإذا قيل لأساطاينه «لما تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون.
أخطاء في العقيدة
الأخ خالد علي الصاحب مدير التوجيه والإرشاد يقول أن الفكر الحوثي يختلف كل الاختلاف عن الفكر السلفي فالفكر السلفي يدعو إلى إقامة خلافة إسلامية أما الحوثيون فلا يعترفون إلا بالإمام المنتظر منهم إمامين..
ويضيف الصاحب وأعتقد أن لكل منهما أخطاء في العقيدة فالحوثيون لديهم أخطاء ويعتقدون أن الأثمة معصومون وهم أعلى من الأنبياء في الدرجات أما السلفيون فيعرفون بالتشدد الديني وينقسمون إلى أكثر من فئة منهم الجهاديون..
ويعتقد الصاحب أن الصراع في منطقة دماج عقائدي ويسعى كل منهم إلى تكفير الآخر وهذا لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم :« من كفرمسلماٍ فقد كفر ولا يجوز أيضا التعصب في العقيدة لأنه يترتب عليه آثارسلبيه على المجتمع قد تؤدي بالناس إلى الهاوية مثل ما نشهده الآن في صعدة التي انقسمت إلى قسمين..
ويقول الأخ خالد الصاحب إن علاج هذا الصراع يكون بجمع الكلمة من الطرفين والتحاور وإقامة الحجة بالحجة وكل يرضى بماعند الآخر وينصاع له ولا يجب فرض اعتقاد على اعتقاد آخر..