ليس من العيب أن يذنب الإنسان دون علم منه لكن العيب كل العيب أن يذنب ويعلم يقيناٍ أنه على خطأ ويستمر ويتمادى في غيه ويجحد بل يناقش ويجادل متناسياٍ أن الذنوب هي بداية الطريق الموصل إلى المصيبة الكبرى التي لاسلامة بعدها.. فأي خير ستلقاه إن غضب الله عليه أو كتبت في أهل النار¿! ولو رجعنا إلى الوراء قليلاٍ لوجدنا أن سبب خروج أبو الأنبياء آدم – عليه السلام – هو ذنب واحد!! فما بالنا نحن المنهمكون في الذنوب والمعاصي لكن إن نظرنا إلى واقعنا بالنظرة المنصفة.. نظرة الوسطية «وسطية النبي» دون غيرها لا كتشفنا أننا مغترين بأنفسنا طوال هذه السنين فنحن مذنبون بل منغمسون في الذنوب والمعاصي ولا تكاد تسلم من ذلك حتى بعض البيوت المحافظة.
نظرت إلى واقع الأمة وفكرت مليا عن أسباب الضعف والذل والهوان وعن أسباب المشاحنة وكذا التفرقة والكذب والكراهية حتى على مستوى أبناء البيت الواحد وتساءلت عن السبب الذي جعل الدين حاليا فقط مسميات متجردة عن معاني الدين الرائعة كالزهد والورع والمروءة والبراءة إلخ ولقيت الجواب بعد تأمل طويل..
إن من فتح عينيه في بيئة فاسدة لا يدرك ذلك الفساد ولا يشعر به كمثل عبدة الشجر والبقر.. فهم نشأوا على ذلك وقلدوا قدواتهم آباءهم وأجدادهم وعاشوا ثم ماتوا على ذلك إلا أن الفطرة هي التي تدلهم على خالقهم وهذا من رحمة الله وإن مِنú الله عليهم بالإسلام عندها يدركون خطورة الأمر الذي كانوا عليه والقصابْ مثلا يتواجد في مسلخته ساعات طويلة لذا نجده لا يتأذى من رائحة اللحم والدماء.. بعكس المشتري ولو ربطنا هذه الأمثله بواقعنا لوجدنا أنها تنطبق تماما بواقعنا المرير..
فنحن نعيش وسط آلاف المعاصي والذنوب ولا ندرك ذلك لأننا تربينا على ذلك وحتى الأسر المحافظة لا تخلو من فتن هذا الزمان أصبحنا نرى المعاصي أمامنا لكن بسبب كثرتها وتواليها وتراكمها علينا لم نعد نشعر بها وبعظم هولها فماتت قلوبنا ولأن الذوب ترقق بعضها بعضا فقد أصبحنا في مراتب راقية من الذنوب ولا نشعر بذلك.
أصبحنا كثيرا ما نتهاون في أعراسنا ومناسباتنا بإدخال الآلات المحرمة شرعا وبدلا من أن نشكر الله على أن أتم لنا تلك النعمة على خير نجار به بما حرم علينا والبعض يدسون السم في العسل وذلك بإدخال المعازف وفي الأناشيد الدينية وقد قرن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام سماع المعازف بالزنا وشرب الخمر فقال «ليكون من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» وقال أيضا:« من استمع إلى قينه صب في أذنية الآنك يوم القيامة» وقال عبدالله بن مسعود «إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع» وفي قوله تعالى« ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين» فسر أهل العلم «لهو الحديث» بأنه الغناء وآلات اللهو.
كذلك الخمر وما يقاس عليه فإنه يباع جهارا في بعض الدول الإسلامية قال عليه أفضل الصلاة والسلام:« ليشربن من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير» وكذلك ظهور النساء بشكل مخل للأخلاق سواء في صالات الأعراس أو في شاشات التلفاز فيرى الصغير والكبير كل ما يظهر على الشاشة دون النظر إلى العواقب في الدنيا والآخرة وقد نبهنا رسولنا الكريم قبل 1400 عام فقال عليه الصلاة والسلام :« تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشر بها نكت في فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكته بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنه مادامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجنحيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه».
عرضت الشيء اليسير من الفتن التي نشاهدها ونراها وقس على ذلك ومن كثرة تداولها أصبحت شيئا طبيعيا بين أوساط المجتمع الإسلامي نرى الكثير من الناس يمارسون عادات سيئة بل ومحرمه في الشارع وهو مرفوع الرأس لا ينكر عليه أحد هكذا رققت الذنوب بعضها بعضا مع أن رسولنا الكريم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها من كان همه ومقصده وغايته الله باذلا حريصا على مرضاته متجردا عن كل ما يغضبه لا يجادل ولا يبحث عن الفتوى التي توافق هواه متبعا لخطى الحبيب فإن رأى فيه مولاه الصدق في الطلب آنار قلبه وسدد خطاه وثبته فلا ليتأثر بشيء من هذه الفتن المسببه لأمراض القلوب.
سألت نفسي لماذا نبدو مهمومين مكتئبين محبطين محطمين أجابتني لأننا أعطينا الدنيا الكثير الكثير.. وتركنا للدين ما تبقى جعلنا الدنيا أكبر همنا وغاب عن حسنا أن من كان الله أكبر همه.. كفاه الله ما أهمه..