تحقيق / إشراق دلال – رجاء الخلقي
الزواج سكن ومودة وشعور متكامل بالأمان والاطمئنان .. يسعى للوصول إليه كلا الطرفين سواء الزوج والزوجة .. واستقرار الحياة الزوجية معناه استقرار الأسرة بكاملها وبناء هيكلها على أساس متين من التفاهم والود والاحترام ..لتكون بذلك الأسرة السعيدة .. لكن في بعض الأحوال تستحيل الحياة ويكون استمرارها ضرباٍ من الجنون والانتحار البطيء لذلك قد يلجأ أحد الأطراف للانشقاق وعدم الرغبة في الاستمرار كزوجين إذ يتم بينهما الطلاق ..
وقد يسِر لنا ديننا الإسلامي قوانيننا الحياتية منها قوانين ( الزواج والطلاق ) والطلاق أبغض الحلال إلى الله .. لكنه ضرورة اجتماعية لأسباب متعددة سواء كانت من طرف الزوج أو الزوجة .. ويتم اللجوء إليه في حال استحالة استمرار الحياة الزوجية بينهما لقول الله عز وجل ” ِإذِا طِلِقúتْمْ النِسِاء فِبِلِغúنِ أِجِلِهْنِ فِأِمúسكْوهْنِ بمِعúرْوفُ أِوú سِرحْوهْنِ بمِعúرْوفُ وِلاِ تْمúسكْوهْنِ ضرِاراٍ لِتِعúتِدْواú وِمِن يِفúعِلú ذِلكِ فِقِدú ظِلِمِ نِفúسِهْ “ } 231لبقرة”
والطلاق في مجتمعنا اليمني تتحمل مسئوليته المرأة وتتشرب تبعاته من المجتمع والأعراف والتقاليد التي تنظر للمرأة المطلقة بنظرة قاصرة ناقصة بغض النظر عما إذا كان السبب في الطلاق الزوج أو الزوجة أو عما إذا كان الزوج متعدد الطلاق أو لا ..
فالمجتمع يحمل سبب الطلاق للمرأة وينظر لها بانها فاشلة في حياتها الزوجية وتبدأ بذلك نظرات الترقب والمراقبة نظرات تنم عن الشك والريبة في أمرها نظرات تجعلها أسيرة المجتمع والأعراف ..
في هذا التحقيق نسعى لتفسير الظاهرة ( الطلاق ) وكيف بالإمكان معالجتها مجتمعياٍ وكيفية التخفيف من وطأتها على المرأة من خلال المختصين فإلى تفاصيل التحقيق:
قسوة مفرطة
تعاني المرأة المطلقة من القسوة المفرطة من قبل الأهل وعدم تفهمهم لأمر أن تكون مطلقة وعدم تفحص الأسباب التي أدت إلى الطلاق المهم لديهم بأن لا يكون في الأسرة امرأة مطلقة .. هكذا حدثتنا ام نزار بقولها : واجهت مشاكل من طرفين الأول من الزوج ومشاكله وطلاقه لي والثاني من أسرتي وعدم تفهمهم لهذا الطلاق .. كنت قبل الطلاق الجأ لأسرتي شاكية باكية أريد أن يضعوا حداٍ لمعاناتي مع زوج عديم المسئولية والشكوى تطول .. لكن المعاناة الحقيقية عندما كنت أتوجه لأهلي غاضبة كان والدي يجبرني على العودة دون اكتراث بكرامتي وحقوقي المسلوبة ..في كل مرة كان زوجي يهدد بتطليقي على الفور يعيدني والدي رغماٍ عني إلى ان أصبحت الحياة مستحيلة وطلبت منه تطليقي وتخليصي من الجحيم الذي أعيشه .. حينها وجدت من أسرتي أقسى معاملة من صراخ وتأنيب وتكرارهم القول بأني لا أصلح لشيء وبأني امرأة فاشلة ..
منبوذة اجتماعياٍ
تصبح المرأة المطلقة منبوذة اجتماعياٍ وتواجه ضغوطاٍ كبيرة حتى من أقرب الناس إليها هكذا تحدثنا سميرة وتضيف : نعم انا مطلقة وذلك لعدم التوافق بيني وبين طليقي من جوانب وزوايا متعددة فقرر كلانا الانفصال ورغم أني متعلمة وحاصلة على شهادة الماجستير ولي وظيفتي والحمد لله إلا أنني وبصراحة لا اسلم من ألسنة الناس التي لا ترحم ولا تدع لأحد حاله ..فمهما بلغ تعليم المرأة أو ثقافتها أو استقلاليتها لا تسلم من المجتمع المحيط بها .. مرجحة السبب لقلة الوعي ومساهمة العادات والتقاليد في ترسيخ النظرة الدونية للمطلقة في مجتمعنا ..
راحة لجميع الأطراف
الوعي والثقافة في هذا الجانب قاصر لدى مجتمعنا حيث أن الطلاق لابد ان يتم في بعض الأسر للوصول لراحة لجميع الأطراف ولعدم استمرار المشاكل أو تفاقمها هكذا حدثتنا الأخت نسيبة محسن .. وتضيف : الطلاق ليس بالأمر المعيب
او المشين او حتى الذي يجلب السمعة السيئة فالكثير من الأزواج لا يكتب الله لهم قسمة الاستمرار في تكوين بيت العائلة ويكون مصيرهم الانفصال وهذا أمر طبيعي والطلاق أحد الحلول التي وضعها الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل ” إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ” والطلاق فرصة لاستمرار الحياة والبدء من جديد والتعلم من الأخطاء السابقة .. وعلى الرغم من أن نظرات الناس وألسنتهم تسبب لي الإزعاج إلا أنني أحاول عدم الاكتراث لما يصدر منهم وذلك لقناعاتي بأن هذه سنة الله في الكون ..
لا ضرر ولا ضرار
ومن جانب القانون والشرع فقد نصت المادة (58)من قانون الأحوال الشخصية على أن ( الطلاق قول مخصوص به يفك الارتباط بين الزوجين وهو إما صريح لا يحتمل غيره أو كتابة تفتقر إلى البينة ) ..في حين تنص المادة (44) من القانون ذاته على أن ( يشترط في الفسخ لفظه أو ما يدل عليه ) وبذلك يذهب القانون اليمني إلى أن الطلاق يكون بلفظه والفسخ بلفظه وهو قريب من دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون اليمني والقوانين العربية للدكتور عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء والمعهد العالي للقضاء بصنعاء : أوضحت أنه إذا لحق بأي من الزوجين ضرر مما يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية جاز للمتضرر أن يطلب رفع الضرر عنه وإن اقتضى لذلك فسخ الزواج ..
وأشارت الدراسة إلى أن الفقهاء اختلفوا في الأساس الفقهي بفسخ الزواج فهناك عدة أقوال .. حيث رجحت الدراسة إلى اختيار القول بأن قاعدة ” لا ضرر ولا ضرار ” هي الأساس المتين والراسخ والشامل الذي يتسع ليشمل أسباب فسخ الزواج كافة بخلاف الأسس الأخرى الضيقة التي لا تنطبق إلا على بعض أسباب فسخ الزواج فقط .
حيث وأن قاعدة ” لا ضرر ولا ضرار ” هي القاعدة المستفادة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وهي من القواعد المحكمة والمصادر الأساسية في التشريع .. وقد ذكرت الدراسة بأن القاعدة المذكورة هي من جوامع الكلم بحسب العلماء ومن معجزات بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أساس هذه القاعدة المتين قال الفقهاء أن كل حكم في الشرع وضعي أو تكليفي يوجب ضرراٍ فهو مرفوع ..وهكذا
وقد وجدت الدراسة بأن القانون اليمني قد اتجه إلى الوجهة ذاتها التي اتجه إليها الفقه الإسلامي ففسخ عقد الزواج يكون أثره رجعياٍ أو فورياٍ بحسب وقت تحقق سبب الفسخ .. ومن هذا المنطلق فإن الفسخ يكون أثره رجعياٍ في حالات فسخ العقد الباطل والفاسد ويكون أثر الفسخ فورياٍ في غير ذلك من الأحوال التي يجوز فيها الفسخ في القانون اليمني كالفسخ للعيب المنفر والفسخ لانعدام الكفاءة أو لعدم الإنفاق أو لعدم القدرة عليه أو العجز عنه أو غيبة الزوج أو سجنه لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات أو الكراهية أو إدمان الخمر أو المخدرات ففي هذه الأحوال لا تترتب آثار الفسخ إلا بعد الحكم به ..
عنف النفسي
وحول الجانب الاجتماعي لمسألة الطلاق هناك دراسة أجراها مركز أبحاث ودراسات النوع الاجتماعي والتنمية بجامعة صنعاء ومركز المرأة للبحوث في جامعة عدن أكدت أن النساء المطلقات أكثر فئة تتعرض للعنف الجسدي والتحرش الجنسي وأن المطلقات يعانين من عنف مزدوج يمارس من قبل الرجال والنساء على السواء.
وفي هذا الإطار أوضحت الدكتورة نجاة الصائم أستاذة علم الاجتماع في جامعة صنعاء وأحد المشرفين على نتائج الدراسة أن “المجتمع ينظر للمرأة المطلقة نظرة قاسية فيها الكثير من العتب واللوم وقسوة المعاملة وقلة الاحترام ما يجعلها أكثر عرضه للذئاب البشرية بحكم فقدان عذريتها وتسترها بكلمة مطلقة”.
وأشارت الصائم أنه وفي بعض المناطق المطلقات هن الأكثر تعرضاٍ للعنف وللتحرش والاختطاف والاغتصاب كما أن المطلقات يتعرضن للعنف الجسدي من قبل الوالد والإخوة بشكل أكبر من تعرض المرأة غير المطلقة كما أنهن يتعرضن للعنف النفسي من قبل بنات جنسهن أيضاٍ”.
وأكدت الصائم أن “المرأة المطلقة تواجه ضغوطاٍ كبيرة حتى من أقاربها وهذا مرتبط بالنظرة الدونية لها”
مضيفة أن العادات والتقاليد ساهمت بشكل كبير في هذا الجانب والبعض يذهب إلى أن المرأة ناقصة عقلاٍ وديناٍ وعليها أن تذعن لما فرضه المجتمع عليها من قيود وخاصة عندما تكون مطلقة.
أما علماء النفس فيؤكدون أن الطلاق يسبب شرخا كبيرا في نفسية المطلقين وخاصة المرأة حيث تعتبر هي الحلقة الأضعف والأكثر تضررا من حدوث الطلاق حتى إذا كان الطلاق مطلبها الذي ترى فيه خلاصا من حياة تعيسة تقول الأخصائية النفسية سميرة عبد المحسن : أن المرأة تحتاج إلى سنوات من الزمن حتى تخرج من أزمتها النفسية التي يسببها لها الطلاق وإنها تحتاج إلى معاملة خاصة ومساعدة من قبل الأهل والمحيطين بها للخروج من أزمتها النفسية التى تمر بها .
فخسارة المرأة المعنوية نتيجة الانفصال اكبر من خسارة الرجل المادية والمعنوية معا حيث تشعر المطلقة بأنها أهينت في أنوثتها التي هي أغلى ما لديها وان يلفظها رجل من حياته هذا يعنى أنها كائن غير مرغوب فيه وان أنوثتها أصيبت بطعنة عميقة يصعب اندمالها فقد يجعلها الطلاق تعانى من الشعور بالنقص الذي يرافقها طيلة حياتها كما أن نظرة المجتمع للمطلقة تساهم بشكل فعال في زيادة تأزم حالتها النفسية وتزداد الرغبة لديها في الانطواء على نفسها والانعزال عن الآخرين مما يجعلها عرضة للإصابة بالاكتئاب والأمراض النفسية المزمنة .
توعية مجتمعية
بما أن الأعراف والتقاليد تحكم مجتمعنا اليمني والطلاق حق مشروع لكلا الطرفين وإن كان ابغض الحلال إلى الله فلا بد من التوعية والإكثار من برامجها سواء كانت على مستوى الفرد أو الجماعة .. وعلى وسائل الإعلام القيام بواجبها في إطار التوعية المجتمعية كي لا تظل النظرة للمرأة وبالأخص المرأة المطلقة نظرة دونية وضيقة ..
ولو لم يشرع ديننا الإسلامي الحنيف الطلاق لاختل المجتمع وكثرت فيه الأمراض المجتمعية والفساد الأسري والخطيئة الفردية والتي قد تقع من الزوج أو الزوجة في حال إجبار أي طرف على تقبل الآخر بالإكراه..