فقد كانت لديهم »ثقافة« يتميزون بها من حيث الطقوس والممارسات والأفعال التي لاتزال عالقة حتى الآن في ذاكرة من عاش تلك الحقبة من الزمن من الآباء والأمهات والأجداد..
الاستطلاع التالي: يقلب صفحات الماضي مع عدد من الآباء والأمهات والأجداد لنتذكر معهم الاستعدادات التي كانت تسبق دخول رمصان وعاداتهم وتقالديهم أثناء صيامه !!
استعدادات مبكرة
الشيخ مهدي الكوكباني من ساكني صنعاء القديمة في »السبعينيات من عمره« يقول: »إن الاستعدادات والتحضيرات لشهر رمضان كانت تسبقه بأشهر« حيث نقوم بطلاء البيوت بالجص الأبيض من الخارج حواف الشبابيك والقمريات وحزام البيت وإطار الأبواب لتنزيين المنازل فرحاٍ برمضان«.
وأضاف الكوكباني: كما كنا نقوم بطلاء الدرجان وقيعان الأماكن »بالخضر« وهو »القضب« ما يعرف بالبرسيم مع الماء وكذلك مع المادة السوداء الناتجة بعد احراق مادة »مخلفات الحيوانات مع التبن« بأسلوب منظم وكل ذلك بعد أن نقوم »بدقها« مع بعضها البعض..
لا يقل الاستعداد والفرح لدى النساء في صنعاء القديمة في الماضي عن الرجال في استقبال شهر رمضان..
تقول الوالدة »أم عبدالله« يعتبر رمضان شهر التراحم والألفة والمحبة فقد كنا نحن النسوة نقوم »بتقشيع« أي تنظيف المفارش من الأتربة ونقوم بغسلها حيث كنت أحمل فوق رأسي البطانيات والمفارش وأذهب برفقة صديقاتي مع جيراني لغسلهن في »برك« جامع الحميدي أو نذهب إلى »الغيل الأسود« في التحرير..
وتضيف الحاجة أم هاني القرماني: كنا نحن »النسوان« ربات البيوت نقوم بإخراج حاجة البيت من الحبوب مثل »البر البلدي« حيث كنا نشتري الحبوب قبل رمضان بأشهر من الباعة الذين يأتون من ذمار »عنس« وتجتمع »النسوان« في الحارة ونقوم »بنقاى« الحبوب كما نقوم »بطحن« البر لعمل »جشوش« للشربة.
أكلات رمضانية
وعن عادات رمضان في ما يخص »الطعام« في صنعاء القديمة.. أفادت »أم هاني« كانت لنا عدة وجبات في شهر رمضان نبدأها بوجبة »الفطور« التي كانت أثناء أذان المغرب بعد مدفع الإفطار وهي عبارة عن التمر قهوة قشر الحلبة الحامضة سحاوق والوجبة الثانية تأتي بعد تأدية صلاة المغرب مباشرة وتسمى »العشاء« وفيها تقدم »العصير الشفوت الفتوتة »المعصوبة« الشعيرية وهكذا أما الوجبة الثالثة كما تقول »أم هاني« هي وجبة »الغداء« أو ما يعرف بـ»السحور« فكان لنا عدة اختيارات إما حلبة بيضاء مع سمن وفاير أو فتوت مع سمن بلدي بالحيسي أو مطيط مع عصيد مع قهوة قشر بلدي في الجمنة وبالصياني القديمة.. وتداخلت معها الوالدة أم عبدالله – مضيفة:»كنا نعمل شفوت بالمدر الشبامي مع لبن بقرة من دار سلم ونعمل »محلــبية بيضاء« ولم يكن لدينا »ثلاجات وبرادات« مثل اليوم !! وعندما استفسرت منها كيف تحفظ تلك »المحلبية« باردة¿!
أجابت: كان في كل بيت ودار في صنعاء القديمة »مكان« يشبه الشباك في الأدوار العلوية وكان بارزاٍ عن البيت به فتحات صغيرة يدخل إليها الهواء البارد فكنا نضع المحلبية أو الماء في ذاك المكان حتى الافطار وعندها يون بارداٍ جداٍ.
سمر صنعاني
ويضيف العم الكوكباني في ما يخص وقت السمر لساكني صنعاء القديمة في الماضي كنات أغلب سمراتنا في شهر رمضان يغلب عليها الجانب الديني ومناقشة القضايا الاجتماعية التي تخصنا وكانت تلك السمرات على ضوء »نوارة« ليجتمع الجيران في الحارة ثلاثة أو أربعة ونتناول ورق القات في جو من الحميمية والروحانية والألفة بعيدين عن القيل والقال !!
عادة رمضانية
وقد كانت في الماضي لمعظم رجال صنعاء القديمة عادة في أيام رمضان حيث كانوا يصلون الظهر في الجامع الكبير ومن ثم يتدارسون كتاب الله »القرآن« حتى صلاة العصر وبعدها يتوجهون إلى »سوق القات« لشراء وريقات القات ومن ثم تبدأ »الدورة« والمقصود بها »التنزه« خارج أسوار صنعاء حيث يتوجه »البعض« إلى »جبل نقم« وبالتحديد إلى »غيل« وهو ماء يخرج من »عين« تسمى »غزل الباش« كلَ يحمل »زمزمية« أو »كعدة« باللغة الصنعانية الدارجة فما أن يصلوا لتلك »العين« حتى يملأوها بالماء البارد أو من عين تسمى »عين الفقيه« ويعودون.
إفطار خاص
بعدها وقبل أذان المغرب يتوجه أكثر ساكني صنعاء القديمة إلى الجامع الكبير يحملون إفطاراٍ قليلاٍ عبارة عن »تمر – شوية شفوت – حلبة حامضة – كدم« والجميع ينتظر مدفع الإفطار كلَ يحمل مسبحته وقد انزوى في ركن الجامع يذكر الله ويسبحه فيتحلقون »حلقات حلقات« للإفطار في مشهد روحاني فيه من الفرحة الشيء الكثير على »نعمة صيام« ذاك اليوم.
حزاوي صنعانية
وكان للنساء في الماضي بصنعاء القديمة »سهرات« تجمعهن مع بعضهن البعض فقد كن يجتمعن في منزل احداهن وهي كبيرة السن أو لديها فن النكتة ويتسامرن وكانت احداهن تسمعهن »الحزاوي« جمع حزوية وهي قصة شعبية أو خيالية أغلبها ذات فائدة وحكمة.
التسبيحات الثلاث !
وأردف الكوكباني أن أكثر ساكني صنعاء القديمة يتسامرون ويسهرون حتى التسبيحات الثلاثة وثم موعد وجبة »الغداء« »السحور« !!
وعندما سألته عن أهمية التسبيحات الثلاثة لدى أهالى صنعاء القديمة في السابق والحاضر !
أجاب الكوكباني بأن تلك »التسبيحات الثلاثة« كانت لها فوائد خاصة في السابق حيث لم تكن هناك »ساعات« توقيت وكهرباء لمعرفة الوقت.. »فالتسبيحة الأولى« كانت أهميتها بأن تقوم المرأة »لتعجن« صغيرة من العجين وتتركها »تتخمر« التسبيحة الثانية »تقوم المرأة بإشعال »التنور« النار وإعداد وجبة السحور »الغداء« أما »التسبيحة الثالثة« لا ينادي بها إلا ونحن داخل الجامع الكبير نؤدي صلاة الفجر
وقد كان في الماضي لصنعاء القديمة »مسحراتي« وكان يدعى راجح الحارس كما أفاد أكثر من وجدت من كبار السن في صنعاء كانت وظيفته إيقاظ أهل صنعاء للاستعداد لتناول »الغداء« السحور وكان لديه »طبل أو طاسة« يقرع بعصا على احداهما فتصدر صوتاٍ مرتفعاٍ يسمعه كل ساكني صنعاء فيقومون.
ألعاب رمضانية
وقد كانت لساكني صنعاء القديمة في الماضي خاصة »الأطفال« ألعاب شعبية وأهازيج واشعار لا تزال محفورة في ذاكرة الآباء والأمهات والأجداد والجدات في صنعاء القديمة.
وقد بين صاحب الصوت الشجي الوالد صالح ذلك حيث أسمعني بصوته »تغريد« وكيف كانوا يستقبلون رمضان حيث قال »كنا ونحن أطفال ننتظر بفارغ الصبر قدوم ليالي رمضان حتى نلعب ونلهو بأزقة وحارات صنـــــعاء القديمــــة فكنا نقول ونردد الآتي:
حسين حسين يا حسين
يا نادش القعشتين
والقعشتين راوية
أروى من الساقية
والساقية جْلجْلان
وأطرافها الزعفران
وأضاف وكنا نقول أيضاٍ
يا قمر قميره قميره
يا سراج الليلة الليلة
سربنا سرب الحمام
سرب الحمام
والحمام طياره.. طياره
أو نقـــول كذلك ابتـــــهاجاٍ برمضان وقدومه
يا رمضان يا بو الحماحم
إدي لنا قرعة دراهم
وثمة ألعاب شعـــــبية كانوا يمارســــونها خاصــة في ليالي رمضـــان في الماضي ومنها:
لعبة »من قبة الطيار« وهي لعبة على شكل دائرة تشكل من »الأولاد« وواحد »منهم« في المنتصف بين »الدائرة« ولعبة »الأزرار« وهي استخدام »أزرار« الملابس المعروفة ونقوم بتحريكها ودفعها باحدى أصابع اليد حتي تبلغ »حفرة« في الأرض بالإضافة إلى لعبة »حبس أمان«.
أما في ما يخص البنات فكانت لديهن كما بينت الحاجة أم هاني القرماني لعبة مشهورة هي »الدحبيبة« حيث تتقابل فتاتان وتتماسكان بالأيدي وتقومان بالدوران بشكل مائل وتقولان »دحبيبة يادحبيبة.. نزلتي وادي الذيبة أدي لاخي خطيبة وهكذا«.
تمسية رمضان
وكانت لدى أطفال القديمة عادة هامة ومشهورة جداٍ بذكرها الأباء والأمهات حيث كانوا يمارسون هي »التسمية« وهي عبارة عن »زيارات« يقوم بها أطفال الحارة مجتمعين »صبياناٍ وفتيات« إلى احدى المنازل في الحارة وهم يرددون بصوت عال وموحد »يا مساء جيت أمسي عندكم«.. حيث ينتــظرون من صاحب »المنزل« أن يعطيهم »بقشة« أو نصف بقشة فبعضهم كان يعطيهم وقد كان ينزلها من أعلى المنزل يوضعها في »خرقة« واحراق بعض أطرافها حتى يراها الأطفال عند سقوطها.
كما كانت لدى أطفال صنعاء القديمة عادة بأن يحرقوا »يشعلوا« النيران فوق أسطح المنازل من »الرماد + القاز« احتفالاٍ وابتهاجاٍ برمضان ولياليه.
والكثير الكثير من العادات والتقاليد الشعبية التي تحتويها أزقة وبيوت صنعاء القديمة تســـــــتقبل رمضـــان ولياليه ابتهاجاٍ وفرحاٍ..<