الجمال وقبح الفساد!
محمد سلام الشرجبي
> يعتبر الجمال هبة من الله في هذا الكون الفسيح والجمال وهو موجود في كل شيء في الطبيعة فالمنظر الجميل قد يجعلك تسرح ثواني سواء كان في الوجه أو في موسيقى هادئة أو في لوحة زاهية أو في واحة غناءُ فيها من الخضرة ما يسلب العقل خاصة إذا كان خرير مياه الجداول أو انسياب الساقيات من حولك وكل هذا الجمال لا تراه العيون البدائية أو الأذان البليدة والحال موجود في الكلمة أو الجملة المنسقة والموضوع باعتبار أن الكتابة فن من الفنون بل أعظم وأرقى فن وذوق في الوجود فإذا كان الرسام في الرسم يزهو بالفرشاة أو بالألوان فيختار عند رسم الظل أو الغروب والشمس بأرجوانيتها وهي على وشك الغروب حين يكون منظر نصف القرص قد التهمته مياه البحر والنصف الآخر مائلا للعيان فإن الكتاب المبدعين قد يختارون أيضاٍ أوقاتا للكتابة اما الصباح عند البكور والعصافير تغني أو في حلكة الليل الدامس والهدوء والسكينة تحيطان بهم فتركون لأسنة أقلامهم العنان لتسطر أحلى العبارات وأجمل الكلام يساعد هذا الوقت انهيار الكلمات السريعة كانهيار حبيبات المطر حتى أن القلم يأبى فراقه لراحة اليد والوسطى والسبابة والابهام.
على سيبل المثال أذكركم بالرسام الشهير »دي فنشي« عندما أبدع في رسم لوحته المشهورة باسم »الجوكوندا« أو »المونوليزا« لم يقم بهذا العمل العظيم إلا بعد أن ترك مدرسته الابتدائية وذهب إلى البيئة التي صقلته وهي بيئة جمال الريف وما فيه من أصناف النباتات والحيوانات العجيبة والحشرات كالفراشات الملونة الجميلة وهكذا أيضاٍ سنشاهد في أصحاب النفوس الجميلة دوام الابتسامة وعفوية الكلام والتواضع في وجوههم أما أصحاب النفوس القبيحة ممن قد استفحل القبح وتوغل كالمرض في نفوسهم فسنشاهد ذلك في وجوههم فيظهر فيها العبوس والاكتئاب وتقطب الجبين والغيبة والنميمة والكذب نشاهد كل هذا في وجوههم ولهذا عندما تموت الأذواق لدى البشر يفقد الإنسان حاسة الجمال في النفس فيظهر القبح في كل مكان يظهر لدى الموظف عندما يجعل الوظيفة تشريفا لا تكليفا فيهمل ويترك معاملة الناس لأسابيع أو شهور ويظهر القبح أيضاٍ لدى بائع المواد الغذائية الذي يغش في سلعته ولدى بائع اللحوم والأسماك والخضروات والفواكه ولدى معارض السيارات ولدى المخابز والمطاعم ولدى المسئول في الدوائر الحكومية في الضرائب ولدى بائعي المشتقات النفطية واسطوانات الغاز ممن سببوا المتاعب للمواطن وجعلوه يركض في الشوارع بغية الحصول على اسطوانة الغاز لإنقاذ أولاده وأطفاله من الجوع.. هذا هو القبح الذي ظهر ويظهر لدى من تسبب في تدني عملتنا الوطنيةمقابل الدولار بضياع الحكمة وقصر النظر والعشوائية لكونهم اقتصاديون. والقبح أيضاٍ موجود لدى الصيدلاني أو الطبيب اللتان يغشان في بيع العلاجات المزيفة وبدلاٍ من أن يبحث المواطن عن العلاج والشفاء يبحث عن الكفن.. والقبح أيضاٍ يتواجد لدى سلات المهملات ولدى أصحابها الذي يرمون في سلاتهم كل شئ جميل لمن يتقدمون به طالبين الوظائف من العاطلين والفقراء فيقبلون ويفضلون ماهو قبيح كامثالهم عاملين بالمقوله » وافق شن طبقة« أو »الطيور على أشكالها تقع«.
نعم وهكذا عزيزي القارئ عندما يضيع الجمال من النفس ويظهر القبح تفسد الحياة في كل شيء ولو كان الجمال موجودا لما كانت كل هذه المعاناة موجودة ولما كان الغش والرشوات والظلم والفساد موجوداٍ لأن القبح والفساد توم.. ولولا القبح لما كان الفساد لأن المفسد قبيح والظالم قبيح أما أصحاب النفوس الجميلة المؤمنة بالله فهم بعيدون عن هذه التصرفات والعياذ بالله وما أحوجنا أن نربي أنفسنا لتصبح جميلة شامخة فيها أنفة وعزة وكبرياء ولن يكون هذا إلا إذا تركنا القبح لأهله وانطلقنا من المقولة:
كن جميلاٍ ترى الوجود جميلاٍ
والذي نفسه بغير جمال لايرى في الوجود شيء جميلاٍ.<
الجمال وقبح الفساد!
التصنيفات: منوعــات