الرحمة.. مبدأ قرآني ومطلب إنساني
> يعتمد المجتمع الإسلامي في تماسكه على عدة سمات وخصائص من بينها التراحم والمودة والرفق وحسن المعاملة فالمسلمون حري بهم التواصي بما يشيع المحبة والتراحم ومساندة بعضهم بعضاٍ عند الصعاب والشدائد..عن الرحمة وثمارها وعواقب غيابها ومظاهرها في رمضان كانت لنا هذه الوقفات..
مدح الله تعالي المؤمنين في كتابه مبيناٍ صفة هامة من صفاتهم فقال:»رحماء بينهم«.
وتتمثل الرحمة في الشعور بآلام الغير واستشعار معاناتهم لتثمر بعد ذلك الوقوف معهم ومساندتهم وإعانتهم بقدر المستطاع ونتيجة ذلك جميعاٍ أن تأتي الألفة والمحبة بين هؤلاء فيتكون بذلك مجتمع قوي متناصر متآزر متناصر لايقوى الأعداء على إيزائه ولا يطمعون في ذلك لما يرون منهم من المسلمين من اجتماع كلمتهم ووحدة صفهم.
ولذلك فليس عجباٍ أن نرى لذلك المبدأ خيراٍ في كتاب الله تعالى فكثيراٍ ما ورد في الآيات الكريمة ليبين القارئ القرآن مكانة هذا المبدأ في دين الاسلام وأهميته..
أهمية الرحمة
يقول الشيخ جبري إبراهيم حسن عضو جمعية علماء اليمن:الرحمة صفة ينبغي أن تنتشر بيننا جميعاٍ فبالرحمة نحافظ على أرواحنا من القتل وسفك الدماء وبالتراحم والرحمة نحافظ على خدماتنا العامة حتى لا نؤذي أحداٍ بفقدانها بالرحمة ننقذ المرضى وبها نطعم أهل الجوع والحرمان وبها تعيش الأسر والمجتمعات.
قال تعالى:» ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاٍ لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون« فالرحمة إذا فقدت من داخل الأسرة وجد مجتمع لارحمة فيه وذلك لأن الأسرة نواة المجتمع ولكن إذا أسست الرحمة من أول بذرة داخل الأسرة فيرحم الكبير الصغير ويوقر الصغير الكبير وتعرف حق العالم وتحترمه فينتج بذلك المجتمع المتراحم المتآخي البعيد كل البعد عن الأحقاد والضغائن وتتولد فيه القيم النبيلة من التسامح والتآخى والتعاون والإيثار والمحبة إلى غيرها من القيم التي نحتاج إليها كثيراٍ للمضي قدماٍ في درب الحياة الإيمانية.
وهذا هو شهر الرحمة فيجب علينا أن نتراحم ونتعاون ونتكاتف وننسى الاحقاد ونكون أمة واحدة متراحمة يؤثر بعضها بعضاٍ فربما جاع أحدهم وأطعم أخاه وربما تعب ليريح أخاه وربما وربما.
قال تعالى:» ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة« وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الأمة يجب أن تكون متراحمة متماسكة كمثل الجسد الواحد يشد بعضه بعضاٍ وقال أيضاٍ:» لاتنزع الرحمة إلا من شقي« .
ثمار الرحمة
ويقول الشيخ مراد القدسي خطيب مسجد الشاطبي بصنعاء:التراحم بين المسلمين من الأخلاق الفاضلة ومن مكملات الإيمان قال النبي صلى الله عليه وسلم:» مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر«
والتراحم فيه مصالح للمسلمين جميعاٍ.
قال النبي عليه الصلاة والسلام » الراحمون يرحمهم الرحمن« وقال » إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء« بالتراحم تتحقق المواساة بين المسلمين وإعانة الفقراء والمساكين ورعاية العجزة والأرامل واليتامى وبالتراحم تتحقق المحبة بين المسلمين وكلما كان المسلم رحيماٍ بأخيه أدى ذلك إلى المحبة بينهم.
وبالتراحم تزول المظالم بين المسلمين وتزول الشحناء والبغضاء بينهم..
وبالتراحم أيضاٍ يعز الله المسلمين ويحقق لهم النصر على أعدائهم ويمكن لهم في الأرض لينشروا الرحمة بين الناس:» وما أرسلناك إلارحمة للعالمين«
إذا غابت الرحمة!
لاشك أن المجتمع الإسلامي يعتمد أساساٍ في بنائه على الأخوة والتماسك ولذلك حث الإسلام على ذلك بل جعل ذلك مبدأ هاماٍ في حياة المسلم.. ولكن ذلك البناء الذي يعتمد على الأخوة والتماسك لله لن يدوم طويلاٍ إلا إذا كان للتراحم في ما بينهم مكان..
فلن يكون في المجتمع أخوة حقيقية إلاِ إذا وجدت الرحمة ولن يكون التماسك بينهم إلا إذا وجدت الرحمة ولن يرفق بعضهم ببعض إلا إذا وجدت الرحمة ولن يكرم بعضهم بعضاٍ على وجه الحقيقة إلا إذا وجدت الرحمة.
أما في حال غياب التراحم بين المسلمين فلاشك في زوال الروابط المتينة واعتماد الأنانية والمصلحة الذاتية في التعامل بينهم بل قد يصل الأمر إلى العداوة بين المسلمين من أجل المصالح الشخصية فيتحول بذلك المجتمع المسلم إلى مجتمع لايحكمه سوى قانون الغاب » القوى يأكل الضعيف« والبقاء »للأقوى«..
يذكر لنا الشيخ »القدسي« شيئاٍ من عواقب غياب التراحم بين المسلمين فيقول:
إذا غاب التراحم بين المسلمين تحصل الفرقة والاختلاف بينهم ويغيب المعروف ويحضر المنكر والباطل وتنتشر المظالم ويبزغ النفاق.. ويتسلط الأعداء على المسلمين ويأخذون بعض ما في أيديهم قال تعالى »ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاٍ مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون« وقال عليه الصلاة والسلام:» ولن ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلاِ سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم فيكون نقض عهد الله وعهد الرسول-والرحمة جزء من ذلك العهد – سبباٍ لتسلط الأعداء
شهر الرحمة
لا شك أن الصيام وتلاوة القرآن والمحافظة على الصلاة وطمأنينتها كما أن تلين القلوب التي كانت غافلة.. وكلنا غافلون ولذلك نجد مظاهر التسامح أكثر ما تكون في شهر رمضان فكم من مشكلة حلت في رمضان وكم من مخطئ عفا الناس عنه في رمضان وكم من مديون عفا الدائن عنه في رمضان وكم من صاحب عسرة عفي عنه في رمضان.
وفي هذا الشهر المبارك تتجلى مظاهر عديدة للتراحم بين المسلمين وياليتها تدوم بعد رمضان فمن الإحسان إلى الجيران وتفقد أحوالهم إلى الموائد الرمضانية في المساجد والبيوت والتي عمت الجميع فلا تكاد ترى مسكيناٍ أو عابر سبيل لا يجد طعاماٍ مضاعفة الأجور أيضاٍ في هذا الشهر تدفع الكثير من الناس إلى مضاعفة الصدقات ولا غرابة في أن يكون شهر رمضان موسماٍ ينتظره المساكين كل عام بفارغ الصبر ولا غرابة أيضاٍ أن نلاحظ قدوم المساكين من الريف في أواخر رمضان وازدحامهم على أبواب المساجد لتتلقى أيديهم ما تجود به نفوس المحسنين من الرجال والنساء وكل ذلك من فضل الله تعالى أولاِ وأخيراٍ..
ولا ننسى هنا أن نذكر أهم أبواب التراحم في هذا الشهر المبارك ألا وهو فريضة الزكاة »عموماٍ« حيث يخرج معظم التجار زكاتهم في شهر رمضان إضافة إلى زكاة الفطرة التي تدفع عن كل شخص حتى الذين ما زالوا في بطون أماتهم »الحوامل« ولا شك أن ذلك خير كبير ودخل وفير خاصة إذا أوفى من تجب عليهم الزكاة بزكاتهم وتم تصريف ذلك حسب ما أمر الله تعالى وعلى طريق النبى عليه الصلاة والسلام فإننا بعد ذلك قد لا نرى محتاجاٍ أو فقيراٍ..جانب آخر من مظاهر الرحمة في رمضان وهي إكرامية رمضان والتي ينتظرها الموظفون كل عام ويعتبرونها عاملاٍ مساعداٍ لتغطية العجز في المتطلبات الرمضانية ومتطلبات العيد.
ولن تغيب الرحمة في رمضان عن نزلاء السجون أيضاٍ فهناك الكثير ممن هم حريصون على حسن السيرة والسلوك لتدخل أسماؤهم بذلك ضمن قائمة المرشحين للعفو والإفراج الذي يحل عليهم مع حلول شهر رمضان.
الرحمة الإلهية
ولاننسى أيضاٍ مظاهر الرحمة الربانية في رمضان فرمضان كله رحمة من الله تعالى وهبهم إياه ليتزودوا من الخير فأول الشهر ينادي المنادي فاتجاٍ أبواب الرحمة: ياباغي الخير أقبل وياباغي الشر أقصر وذلك بعد أن يمن الله برحمته على عباده فيأمر الملاكة أن تصفد مردة الشياطين..
من رحمته تعالى أن تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران خلال شهر رمضان..
ومن رحمته تعالى أن ضاعف أجور أعمال العاملين في رمضان .
ولله في كل ليلة عتقاء من النار.. ومن صام رمضان إيماناٍ واحتساباٍ غفرله ماتقدم من ذنبه.
قال تعالى :»ليلة القدر خير من ألف شهر« كل هذه رحمات منه عز وجل من بها على عباده في رمضان.. ولذك فإن الأحرى بنا جميعاٍ أن نكون رحماء فرحمة الله لايعطيها إلا الرحماء فمن رحم عباده عفا عنه ومن أطعم عباده أطعمه ومن أكرم عباده أكرمه ومن تصدق على المحتاجين تصدق الله عليه..
فإذا كانت بغي بني إسرائيل دخلت الجنة حين أتت الرحمة في قلبها على الحيوان فأسقته فكان ذلك سبباٍ لهدايتها.
وامرأة أخرى دخلت النار حين نزعت الرحمة من قلبها فحبست قطة فلم تطعمها ولم تطلقها لتأكل من حيث شاءت فإذا كانت هذه عقوبة وثواب الرحمة للحيوان فكيف إذاٍ يكون ثواب الرحمة بالإنسان وخاصة المسلم وكيف يكون أيضاٍ عقاب عدم الرحمة بالمسلم.
وقفة
رحم الله فهل نرحم ¿ وعفا الله .. فهل نعفو¿ ويسر الله .. فهل نيسر¿
قال تعالى :» وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم«
وقال عليه الصلاة والسلام:» إنما يرحم الله من عباده الرحماء« فمن رحم سيرحم ومن عفا سيعفى عنه ومن غفر سيغفر له.
اللهم أدم الرحمة بيننا في رمضان وبعده اللهم أنزل علينا رحماتك وبركاتك وألف بين قلوبنا واجمع كلمتنا ووحد فرقتنا إلى الحق..آمين..<
الرحمة.. مبدأ قرآني ومطلب إنساني
التصنيفات: نور على نور