الإرهــــاب بلا ديـــن
د. عبدالحق عزوزي
> حذرنا مراراٍ من تداعيات الخطابات السياسية الأوروبية والغربية الزائفة التي تجد في معاداة الإسلام والمسلمين تجارة رابحة ومخزوناٍ انتخابياٍ لا ينفدº واستشهدنا ذات مرة بالفيلسوف الألماني الكبير يورغن هابرماس عندما أشار إلى العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين كسبب يجعل الجسم المجتمعي الألماني مصاباٍ بداء الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين تنمو فيه فكرة كون الهوية والثقافة الوطنية في مأزق كبير وهذه الهوية يوقد نارها بعض من الأحزاب والسياسيين كلما أكدت استطلاعات الرأي أنهم فقدوا مصداقيتهم تجاه منتخبيهم من قبيل ما وقع في تسعينيات القرن الماضي عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغسلافيا السابقة وطلبوا اللجوء السياسي في البلد مما أثار الكثير من الجدل السياسيº ولكن خلافاٍ لما وقع في تلك الفترة فإن السياسيين الألمان أضافوا خاصية جديدة في دفاعهم عن الهوية والمرجعية الوطنية هي كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة “يهودية-مسيحية”.
هذا الكلام الذي حذرنا منه وجد للأسف ذروته في الاعتداء الأخير الذي هز النرويج من طرف شاب لا يتعدى عمره 32 سنة سعى حسب زعمه لـ”تطهير أوروبا من المسلمين بحلول 2083” بإشعال “حرب صليبية ضد المسلمين”º وقد نشر على الإنترنت قبل إقدامه على هذا الإجرام المدان “مانفستو” أو ميثاقاٍ في 1500 صفحة كتبه على مدى ثلاث سنوات يجمع بين دليل صناعة القنابل وما يظنه عن الإسلام والتعدد الثقافي في أوروبا والعالم وما يظنه عن سياسات أصحاب القرار في أوروبا والاستشهادات التاريخية بالمسيحيين المتطرفين والسياسة الدعائية المغرضةº وتنبأ السفاح “بريفيك” بأنه سينعت بأكبر وحش نازي منذ الحرب العالمية الثانية “وأنه قائد فرسان الحق”.
إنني على يقين أن إرهابي النرويج هو نتيجة الخطابات والسياسات الأوروبية السلبية في حق المهاجرين المسلمين منذ عقود التي غذتها باستمرار وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وجعلت المسلمين رهائن لحسابات سياسية وأمنية خلطت بين الأخضر واليابس بين الهجرة والإرهاب وبين الإدماج والمخدرات والجريمةº وازداد هذا العداء الرسمي الذي يجد له مريدين في المجتمع مع خطر الهجمات الإرهابية بعد 11 سبتمبر 2011 الذي يكبر له كل من أراد أن يجمع أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات وحملات حرق المصحف كما حدث بالولايات المتحدة الأميركية والتأييد الشعبي لمنع بناء المآذن كما حدث في سويسرا وحظر النقاب كما وقع في فرنسا.
وقبل أخذ القرارين الأخيرين (منع بناء المآذن وحظر النقاب) قامت الدنيا ولم تقعد في سويسرا وفرنسا فأنشئت المجالس المختصة في البرلمانات وأقيمت المؤتمرات والبرامج التلفزيونية اليومية على طول السنة وتدخل رؤساء الدولتين ومستشاروهم في أكثر من مرة لشرح حظر بناء الصوامع ووضع النقاب ومن خلال ذلك وجود المسلمين فوق ديارهم وصعوبة إدماجهم وتسارع الجريمة بمقدم الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين وتأتي الجماعات الأوروبية المتطرفة لا لتؤازر هذه السياسات بل لتوبخها لأنها لم تتبع منذ عقود لتظهر أكثر صلابة وقوة وتزيد في هجماتها على الإسلام والمسلمين.
إن الدول الأوروبية تعج اليوم بأحزاب تيار اليمين الشعبوية التي تستفيد من ثلاث خاصيات أساسية:
- الأفكار التي تتغذى منها كالعنصرية والتطرف والقومية والاستعلاء والخوف من الأجنبي وهي أفكار تجد لها قاعدة كبيرة في المجتمع الغربي لأنها سريعة الولوج إلى أذهان الأوروبيين خاصة مع الأزمات اليومية التي يمر منها الإنسان الغربي وعلى رأسها أزمة البطالة وغلاء المعيشة.
- الأحزاب اليمينية المتطرفة سرعان ما تجد آذاناٍ صاغية في الانتخابات كالحزب البريطاني الوطني في المملكة المتحدة وهو حزب عنصري وحزب الحرية الهولندي الذي يترأسه “خيرت فيلدرز” (حقق في آخر انتخابات هولندية 15.5 في المئة من الأصوات) وللتذكير فإن “خيرت فيلدرز” هذا كان قد شبه القرآن الكريم بكتاب “كفاحي” للقائد النازي أدولف هتلر وحزب الطريق للحرية للنمساوي العنصري المتطرف بزعامة هاينز كريستيان الذي جعل من مقولة “فيينا لن تصبح إسطنبول” قاعدة أساسية في تحركات الحزب لاستئصال المهاجرين الأتراك وكل هذه الأحزاب لها تمثيلات في البرلمانات في كل دولة وفي البرلمان الأوروبي.
- الأحزاب الأوروبية تعلم أن هدف الأحزاب اليمينية المتطرفة هو تأجيج مشاعر العداء تجاه المسلمين ولما يظنونه “سرطاناٍ خبيثاٍ” يجب استئصاله وأن كل ما يقدمون عليه هو خطأ مبين ولكن للسياسة حسابات معاكسة حيث تتبنى مع مرور الوقت خطاباتهم وأفكارهم لاستقدام الأصوات التي يمكن أن توالي اليمينيين فتزداد تلك الجماعات العنصرية شدة وقساوة وتكتسي على العكس من ذلك شرعية إضافية ويزداد وجودها في كل الدول الأوروبية.
وما وقع في النرويج هو درس موجع لكل السياسيين الأوروبيين الذين تسلقوا سلالم المناصب على حساب تأجيج وتغذية الكره للإسلام والمسلمين والنفخ في أبواق هذا العداء وهو الذي ولد إرهاب “بريفيك” وسيولد مزيداٍ من الإرهاب ما لم تتوقف هستيرية العداء للمهاجرينº وكم أعجبتني تحليلات الإعلام العربي في غالبيته لأنه لم يصف الإرهاب النرويجي بإرهاب مسيحي ولو كان الذي قام بالعملية مسلماٍ لسميت العملية بأنها إرهاب إسلامي… الإرهاب لا دين له ولا ملة بل هو آفة عالمية..<
عن »الاتحاد«
الإرهــــاب بلا ديـــن
التصنيفات: منوعــات