يبدو أن ظاهرة الغش ما تزال هي سيدة الموقف في تحديد مصير مستقبل أجيالنا القادمة حيث تحولت إلى ثقافة سائدة لدى المجتمع اليمني لا سيما في العملية التعليمية..
ففي كل عام تجري امتحانات للشهادتين الأساسية والثانوية في عموم محافظات الجمهورية لكن هذه العمليات الامتحانية لم نشهد أن احداها مرت هكذا دون اختلالات كوجود حالات الغش وكذا منتحلي الشخصيات وغيرها من المخالفات المربكة للعملية التعليمية في البلاد..
فعادة ما تشير أصابع الاتهام إلى مدراء مكاتب التربية ورؤساء المراكز الامتحانية في المديريات وكذا المدرسين والمراقبين في تفشي ظاهرة الغش بين الطلاب داخل المراكز الامتحانية وخاصة في المناطق الريفية..
وبرغم التحذيرات التي تصدرها وزارة التربية والتعليم كل عام في حق مرتكبي هذه الظاهرة أو المتساهلين معها أياٍ كانوا لكنها تبدو في الأخير أنها ظاهرة لا تعدو أن تكون صوتية اعتاد على سماعها الكادر التربوي والطالب معاٍ.. إذ لم نر يوماٍ أنه تم إحالة مركز امتحاني إلى النيابة للتحقيق معه بتهمة التواطؤ في ارتكاب جريمة الغش! وبالتالي فإن مهام الوزارة مقتصرة على رصد حالات الغش ومن ثم نشرها في الصحف معتبرة أن ذلك فيه الحد من ظاهرة الغش..
قال تقرير الاتصال والتنسيق باللجنة العليا للامتحانات للعام الدراسي الماضي أن حالات الغش تزايدت بين الطلاب حيث تم رصد «2829» حالة غش واعتداء على المراقبين وانتحال شخصية وهروب بدفاتر الاجابة أو تمزيقها وغيرها من محاولات الغش بينما توزعت محاولات الغش على «449» مركزاٍ امتحانياٍ في مختلف المحافظات..
وأفاد التقرير أن هناك نسباٍ متعددة من المخالفات التي ارتكبت في المراكز الامتحانية خلال العام الدراسي المنصرم.
وارجع التقرير ارتفاع تلك النسب في محافظات وانخفاضها في أخرى إلى قصور بعض التقارير من اللجان الإشرافية في بعض المحافظات عن حالات الغش وأعراضه ما يسبب خللاٍ في الجمع للحالات ينعكس على النسبة العامة النهائية لمستويات الغش في كل محافظة من محافظات اليمن.
سلوك انحرافي
ولما للغش من آثار خطيرة وسلبية مترتبة على الطالب بل المجتمع برمته فقد أجمع دكاترة علم الاجتماع تأكيدهم على أن الغش سلوك انحرافي من حيث خرقه لقواعد السلوك والقيم التي تتبادلها الجماعة البشرية ويضر بمصالح هذه الجماعة.
يقول الدكتور عبدالله عوبل: أن القبول الاجتماعي لمبدأ الغش يمنحه قيمة معتبرة من قبل أولياء الأمور في المناطق الريفية القبلية والمساهمة في تلقين الأطفال الغش من قبل فاعلين اجتماعيين هم بعض المشائخ أو الوجهاء وبعض الأهالي وبعض ممثلي السلطات والتربويين بالإضافة إلى إدارات مدرسية ومعلمين ومراقبين ويضيف عوبل: أنه يوجد استجابات داخلية في النظام التعليمي تسمح بتزايد حالات الغش.. ناهيك عن تدخل المجتمع قسراٍ لفرض الظاهرة المخلة بقيمه فتلك جريمة بشعة تعبر عن قابلية المجتمع للفساد مع قلة تأثير الوزاع الديني وعدم قدرة رجال الدين والمجتمع المتدين على خلق النموذج الأخلاقي.
ثلاثة حلول
وحول طرق النجاة والخلاص من الغش يرى عوبل أنه يكمن في ثلاثة حلول: الأول: اصلاح النظام التعليمي وتخليص طرق التدريس من التلقين أن يكون مقدمة للخلاص من هذه الظاهرة خصوصاٍ حينما يكون المنهج ملائماٍ لسن الطلاب ويتوافق مع معارف المعلم ولا يجعل من الحشو للمعلومات غايته بل يترك فراغاٍ للتدريب والمهارات العملية.
ثانياٍ: استبدال طرق التقويم التقليدية بطرق حديثة بحيث يمكن للطالب أن يعتمد على عقله في الفهم والتفكير أي أن المطلوب ليس استجراراٍ أعمى للمعلومات التي حصل عليها بل أن يعبر عن فهم عميق في موضوع الدرس أو الامتحان.
ثالثاٍ: تنمية وعي المجتمع والإدراك بأن مكانة الفرد في المجتمع ليست فقط عبر الحصول على الشهادة بل بالمعارف والمهارات التي يمتلكها.
ثقافة الغش
وفي ما يتعلق بتجاوز وزارة التربية والتعليم للاختلالات التي شهدتها امتحانات الأعوام الماضية واختيار رؤساء المراكز الامتحانية للحد من الغش قال الدكتور عبدالله الحامدي – نائب وزير التربية والتعليم : أن هذه الظاهرة تحولت في بلادنا إلى ثقافة في بعض المديريات والمناطق وهي ظاهرة خطيرة جداٍ ونحن نهيب بكل أبناء الوطن أياٍ كانوا آباء وأمهات مجالس محلية مواطنين شباباٍ معلمين مراقبين جهات أمنية أن يتقوا الله لأن هذه تعتبر عملية تخريبية بل وكبيرة أن نساعد أبناءنا ليترفعوا عن طريق الغش وهذه القضية نحن نبذل جهداٍ من خلال اختيار المراقبين والملاحظين حيث وجهنا مدراء مكاتب التربية بذلك ونأمل أن تكون العملية الامتحانية لهذا العام أكثر انضباطاٍ من أي عام سابق بسبب ما قد لاحظه كل أبناء الوطن وبالتالي فإن المسؤولين الذين وصلوا إلى مواقعهم بالغش هم من يقومون اليوم بكل عملية تخريبية في البلاد..
رأي
يلاحظ أن عمليات الغش المنظم تتم والمدرسون الملاحظون يتفرجون ويشرفون فقط على مرور وتوزيع الاجابات النموذجية وقد يصل الأمر إلى أن يقوم أحدهم بكتابة الاجابة النموذجية على السبورة..
ليس هذا فحسب فخارج اللجان والمراكز الامتحانية يقف طابور من المدرسين المتخصصين يمدون الطلاب بالاجابات النموذجية بل أن هناك مدراء مدارس في بعض المدن الرئيسية يقومون بتسهيل وتنظيم عمليات الغش بهدف أن يحصل الطلبة الذين ينتمون إلى مدارسهم على درجات عالية ومن ثم يكونون من أوائل الجمهورية..
وهنا يبرز السؤال الأهم: إلى متى يستمر هذا العبث الذي يمارسه هؤلاء بحق جيل الغد.. جيل المستقبل¿ وأي قدوة سيمثلها مثل هذا المدير أو المدرس الذي ظل طيلة العام الدراسي يعلم تلاميذه الصدق والأمانة ومكارم الأخلاق وفي النهاية أتى يعلمهم الغش!!
خلاصة
المعلم هو المحور الرئيسي وحجر الزاوية لبناء المجتمع وبصلاحه تصلح العملية التعليمية والمجتمع إلا أن البعض أساءوا – وما يزالون – لمهنة التعليم – هذه المهنة السامية والنبيلة.
وظاهرة الغش تفشت في أوساط الطلبة وكثير منهم صاروا كسالى ولم يعودوا يعتمدون على مجهوداتهم في الاستعداد للامتحانات بل أصبحوا يعتمدون على أساليب الغش من أجل النقل والحصول على المعلومات دون أن يكلفوا أنفسهم عناء المذاكرة والكد والجد والسهر في طلب العلم.
وهذه الظاهرة تفشت واستفحلت حتى أصبحت من أخطر الظواهر الاجتماعية لأنها تهدد العملية التعليمية والتربوية كما تهدد مصير جيل المستقبل وانتشار الغش وظهور وابتكار أساليب جديدة عاماٍ بعد عام لا يبشر بالخير لا يبشر بجيل يمكن الاعتماد عليه في مواصلة عملية البناء والتنمية والتطوير في المجتمع لا يبشر بمستقبل مشرق..
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم نهانا عن الغش بكل صوره وأشكاله وأنواعه في كل الأمور ونفر منه تنفيراٍ فقال: « من غشنا ليس منا».
لهذا نتمنى من الجميع وعلى وجه الخصوص الدعاة والتربويين الشرفاء والوجهاء أن يقوموا بدورهم في محاربة والقضاء على هذه الظاهرة حتى يصلح حال المجتمع ويتعود الناس على الصدق والأمانة والحرص علي أداء الحقوق والواجبات والقيام بمهامهم والمسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقهم على أكمل وجه وحتى ينشأ الأبناء على الصدق والأمانة والآداب والأخلاق الفاضلة.. والله الموفق..