محمد عبدالرحمن المجاهد
عديد من شعوب العالم كانت تعيش في بحبوحة وتنعم برغد العيش والنماء والتنمية والازدهار الاقتصادي والاجتماعي مع انعدام الديمقراطية وحرية الرأي والانفتاح الاقتصادي وحرية التجارة لكنها أي تلك الشعوب بعد أن غاب عنها حكامها الديكتاتوريون وأنظمتها الشمولية هل تحققت لها الحرية الكاملة والديمقراطية الشاملة والحقيقية والانفتاح الاقتصادي وحرية التجارة ¿ أقول نعم قد يكون تحقق جزء من ذلك أو بعض منه كالانفتاح الاقتصادي وحرية التجارة كما حدث في مصر عقب رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وبعد انقلاب أنور السادات على رجال عبد الناصر ومبادئه والذي أسماه بثورة مايو الأمر الذي كان نتيجته تفشي الفساد واستشراؤه في كل مرافق وأجهزة الدولة وأصبحت مصر غارقة في الديون تزيد عن عشرات المليارات وبيع القطاع العام الناجح وأنهيت العديد من المرافق والمؤسسات الناجحة حتى وصل الأمر إلى ثورة وانتفاضة الشباب..
وهي ثورة وانتفاضة مقارنة بغيرها عبرت عن وعي عميق وإدراك كامل لكل معضلات البلد وتخطيط أدى إلى إنهاء النظام السابق الذي قضى قضاء مبرما على كل إنجازات عبد الناصر وإنجازات الشعب المصري في عهده ولكي لا تنتكس ثورة شباب مصر عليهم أن يكونوا حذرين جدا من محاولة الالتفاف عليها من قبل تلك الأحزاب المهترئة والهزيلة وقياداتها الانتهازية التي انتهت صلاحيتها منذ عقود والتي تعودت ركوب الموجات بأساليب عفنة وإلا سيحدث لثورتهم ولشعب مصر العظيم ما حدث في اليمن وما نحن فيه من محنة طامة تزداد تفاقما قد يصل محدثوها إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر تحقيقا لأجندة خارجية حاقدة..
وكذلك ما حدث في العراق الشقيق الذي سعت المعارضة فيه سابقا وسعى كل الحاقدين وبكل الوسائل القذرة والدنيئة لإسقاط النظام الوطني القومي الذي كانوا يعيبون عليه شموليته ودكتاتوريته والذي كان العراق وشعبه في ظله ينعم بالرفاهة الاقتصادية وبكل الخدمات العامة وبتطور شامل في كافة جوانب الحياة في الصناعة والزراعة والتعليم والبحث العلمي حتى صار فيه من العلماء مالا يوجد في اكبر دول أوروبا وفقا لكلام أحد علماء العراق ورجال التعليم الشرفاء الذي كان أحد معارضي صدام حسين ولكن بعد ذلك ماذا حصل للعراق وماذا جلبت المعارضة العميلة والحاكمة الآن ¿ غير الغزو والاحتلال والدمار والخراب والفرقة والطائفية والعنصرية وتمزيق العراق وديمقراطية مزيفة ومفصلة على مقاس وقياس المحتل ومن جاء بهم يحكمون تحت مظلته وانتهت تلك المكاسب العظيمة والضخمة في العراق التي شملت كل أنحاء البلاد وفي شتى المجالات والمرافق وأهمها وحدته واستقراره وسكينته..
وما مصر والعراق إلا نموذجان أوردتهما كمثال لتلك الشعوب التي تحدثت بأنها كانت بنعيم ورغد وقوة ومهابة فأرادت المعارضة فيها إلا أن تبوق كما باق الحمار حسب الرواية الشعبية التي تحكي أن أحد المزارعين كان يملك ثورا وحمارا وكان يحملهما من الأعمال والأثقال ما لا يطيقانه حتى ضاق بهما الحال فقررا الهروب وفعلا نفذا قرارهما وفرا إلى منطقة كلها خضرة وحشيش وماء لا يعرف عنهما أحد وإذا بالحمار بعد أن زال عنه التعب وشعر بالشبع وظهرت عليه السمنة وبما فيه من نعمة قرر أن ينهق كما هي عادته فإذا بالثور ينهاه عن ذلك حتى لا يسمعه أحد فيبلغ صاحبهما المزارع بمكانهما فأبى الحمار إلا أن ينهق ونهق فعلا فسمعه بعض الناس وأبلغوا صاحبهما بمكانهما الذي أسرع بالإمساك بهما وإعادتهما إلى حظيرته..
وعاد معهما إلى سلوكه السابق وإذا بالثور يخاطب الحمار: أرأيت ما فعله نهيقك بنا ¿ فقد أعادنا إلى عذاب صاحبنا ومشاق الأحمال فوعده الحمار بأن لا يكرر فعلته وطلب منه الهروب معا مرة أخرى وفعلا في يوم ما غافلا صاحبهما المزارع وفرا هاربين إلى منطقة أخرى فيها من النعيم أكثر من الأولى ومع ذلك فوجئ الثور بعد حين بالحمار يبدي رغبته بالنهيق ويصر عليها كعادته إذا شبع واستراح وكانت المنطقة التي هما فيها تطل على هاوية شاهقة فما كان من الثور إلا أن نطح الحمار حتى قذف به إلى الهاوية وبقى يعيش في نعيم وحيدا لا يعلم به أحد..
وذلك حال الشعوب التي تحدثت عنها وحالنا نحن أيضا في اليمن فقد كنا إلى ما قبل أربعة أشهر وقبل ما سميت بثورة الشباب الذين لم يستطيعوا أن يحكموا سوقهم ويتمسكوا بسلمية ثورتهم وانتفاضتهم إذ بأحزاب اللقاء المشترك ومعهم بعض شيوخ القبائل الطامحين في السلطة والحكم يحتضنون إعتصامات الشباب ويجيرونها لصالحهم ولصالح أهدافهم فحولوها من ثورة شبابية سلمية تطرح مطالب عادلة وصحيحة للشباب بل وللشعب كله إلى وسيلة ضغط وابتزاز ضد السلطة بل حولوها أيضا إلى عنف وقتل واغتيال ومظاهرات ليست سلمية ولكنها يتخللها عراك ومشادة مع أفراد الجيش والشرطة لغرض الاستيلاء والدخول إلى المنشآت العامة للنهب والتخريب والتدمير كما حدث من آل الأحمر في الحصبة في صنعاء وكما حدث في تعز وغيرها من المحافظات والمدن..
وتوجوها بذلك العمل الإجرامي الشنيع بمحاولة اغتيال رئيس الدولة وبعض قياداتها فزادوا الطين بلة وزادوا الأزمة تفاقما واستفحالا حتى وصلنا إلى حالة لا تطاق وانهيار اقتصادي فظيع غاب فيها القانون والنظام وغابت كل أو أغلب الخدمات العامة وكل المتطلبات الحياتية الضرورية للإنسان فلا غاز منزليا ولا بترول ولا كهرباء ولا ديزل ولا ماء وارتفعت الأسعار أو السعار إلى درجة غير معقولة أو مقبولة وكل ذلك لأجل أن يرحل النظام ويرحل الرئيس ويحكم اللقاء المشترك مع حلفائه من عصابات آل الأحمر والحوثيين وأصحاب الحراك وعناصر القاعدة..
ولا يهمهم الشعب أمن أم خاف جاع أم شبع بل لا يهمهم أي شيء تحقق للوطن من مكاسب لا يستظيعون نكرانها واول ذلك وحدة البلاد فهم يريدون السلطة حتى لو تمزق الوطن إلى ألف شطر وألف دويلة فذلك حال المعارضات العربية لا تجيد إلا خراب بلدانها والوصول إلى غاياتها ولو عبر الشيطان الرجيم وإذا بنا بعد أن كنا في أمن واستقرار ووضع اقتصادي مقبول جزئيا رغم ما يقال عن دكتاتورية النظام وشموليته وحكاية التمديد وخرط العداد وحكاية التوريث تلك المعزوفة والاسطوانة المشروخة التي ترددها المعارضة فقد كنا مقارنة بما وصلنا إليه في نعيم..
ولكن بوقة الحمار لم تتركنا وحالنا فهم بدلا من أن يأتوا بالأفضل وبالبديل الأحسن ويساعدوا على تحقيق مطالب الشباب العادلة جاءونا بالقبائل التي لا تعرف إلا الفود والخطاط والنهب والاختطاف وجاءونا بمن يريدون عودة الحكم الهاشمي الذي عفى عليه الدهر وبمن يريدون التشطير وبمن يجاهدون الكفر بقتل المسلمين وفي بلاد الإسلام مع أن الجهاد الحقيقي والصحيح لو صدقوا وأرادوا يجب أن يكون في عقر بلدان أعداء الإسلام وضد مصالحهم لكن الله تعالى لن ينسانا وسيرحمنا مما نحن فيه ويرسل ثورا ينطح البواقين إلى مهاو لا يقومون بعدها أبدا والشعب بعد ذلك بعون الله تعالى قادر على أن يأتي بنظام ومعارضة يعرفان مصلحة البلاد والعباد ويعملان لأجلها عن طريق النهج الديمقراطي السليم وعبر صناديق الانتخاب..
almogahed_m@yahoo.com