وصف النبي عليه الصلاة والسلام في معنى كلامه أن الأشعريين وهم من اليمن- إذا اشتدت بهم الحاجة جمعوا ما لديهم جميعا من المؤونه ثم اقتسموها بالسوية بينهم ثم قال أخيرا هم مني وأنا منهم فبهذا الخلق الكريم الذي ينبع من صدور سليمة بين النبي عليه الصلاة والسلام أهمية الايثار في الشدائد والأزمات ولذلك نعرف لماذا هم أرق قلوبا وآلين أفئدة وبين ذلك الحال وبين حالنا اليوم الذي طغت عليه الأثرة والحرص على النفس خاصة عند الازمات كانت لنا وقفات مع سنة الابتلاء وكيف نعيشها مع بيان حقائق الدين في ذلك وغيره استفدناه من شيخين كريمين من مدينة زبيد موطن الاشاعرة.
سنة الابتلاء
الابتلاءات والازمات هي سنة كونية يقدرها الله عزوجل على عبادة وهي للصالحين ابتلاء يبتليهم الله به يغفر لهم ويرفع درجاتهم.. كما أنها في الوقت ذاته عذاب من الله تعالى لمن خالف أمره واقترف مانهاه عنه..
فمن أذنب ولم يتب فقد استحق ما لحق به ومن لم يذنب ولم يشارك في المعصية وصبر على الابتلاء فإن ذلك فضل من الله تعالى ليرفع درجات لم يكن يصل إليها بعمله..
وعموما فإن الابتلاء يتعلق بحياة البشرية وإن المرء ليمر به الابتلاء في جميع ساعات يومه حيث أن الصبر عن الحرام ومجاهدة النفس على الطاعات هي أنواع من الابتلاء.. يقول الشيخ عرفات عبدالرحمن الحضرمي أمين عام مكتبة جامع الاشاعرة بزبيد: الأصل في خلق الإنسان على هذه الأرض هو الابتلاء ولذلك خلق الله عزوجل جميع الموجودات في هذه الدنيا وأمرنا أن نأخذ مما هو حلال طيب ونجتنب ما نهانا الله عنه قال تعالى: »ولنعم أجر الصابرين« ولذلك فإننا نجد أن الصبر على الابتلاء هو ضمن أركان الإيمان الستة »الإيمان بالقدر خيره وشره«.
ولذلك إذا واجه المسلم ابتلاء في الصحة أو الأمن أو الجوع وغيرها من المصائب والأزمات فعليه أولا أن يرجع إلى الله تعالى ويحاسب نفسه ويتوب من هذه الآثام لأنه ورد في الأثر أنه لا عقوبة ولا بلاء إلا بذنب قال تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس« وبذلك فعلى المسلم التوبة وكثرة الاستغفار ونشر الرحمة والصدقة بين الناس أما في حال عدم الإيمان والصبر على الابتلاء فإن المسلم لن يكسب إلا الإثم على نفسه كما أنه سوف يعيش أبدا ضيق الصدر وهذا في حق نفسه أما في حق الله عزوجل فإنه يكون قد أغضب الله تعالى واستحق بذلك الغضب من الله عليه.
الإيثار في الإسلام
لاشك أن دين الإسلام حث على الايثار والمواساة بل إنه أكد على ذلك أشد التأكيد وجعل كل عمل يعود نفعه وأثره على الغير من أعظم القربات بل إن الإحسان إلى الغير وإيثاره على الناس وإن كان ذلك من الفاقه والشدة عمل عظمه الله تعالى في كتابه فقال مادحا:» ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه« وكما ورد في الأثر عن بعض الصحابة كما ذكروا عن النبي عليه الصلاة والسلام: لأن أمشي مع أخي حتى يقضي الله حاجته أحب إلي من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرا..
بل إن الإيثار وصل في حياة الصحابه إلى أن يؤثر كل واحد أخاه على نفسه وهم جرحى ويعانون العطش الشديد وكلما وصل الماء إلى أحدهم وسمع أنين أخاه قال: أخي أولى به حتى هلك الجميع كلهم يحرص على أخيه المسلم أكثر من نفسه..
هذا هو الواقع
ونحن نعيش هذه الأزمة الحالية نسأل الله الفرج لابد أننا نعاني من النقص والشدة في بعض الاحتياجات لعل أهمها الغاز وكذلك البترول ولكن في مثل هذه الأزمات تتكشف سوءات الاثرة والأنانية ويتضح لنا مع الاستمرار والابتلاء أن المرض متفش والمسلم الذي كان يعيش التفاني والتضحية من أجل أخيه أصبح أبناؤه يعيشون حياة شعارها نفسي نفسي..
فمن التاجر إلى المستهلك لا نرى إلا الإثرة والأنانية فلا يكاد البعض يشتم أثر أزمة إلا وسارع لحصاد الأرباح الاستغلالية دون مبالاة بصحة ذلك العمل أم أنه عمل محرم لا يبارك له في ثماره الدنيوية ويكون سببا لهلاكه في الأخرة..
وأشد من ذلك أن نرى تلك الإثرة والأنانية بين عامة الناس الذين ليس لهم ربح ولا مصلحة إلا الحرص على الاستحواذ على القدر الكافي من الاحتياجات لأطول مدة ممكنة خوفا من القادم المجهول أو احتياطا له فترى الكثير من الناس يسارعون في استجلاب المواد الغذائية بغرض تخزينها في بيوتهم مما يزيد في الطلب فيرتفع بذلك سعر هذه المادة أو الحرص على الحصول على مادة الغاز مثلا بأكبر عدد ممكن من الاسطوانات رغم شدة الأزمة فيحاول أن يستخرج أسطوانه من هنا وأخرى من هناك وبأسعار مضاعفة دون أن يدرك أن القليل الذي يكفيه لأيام قادمة لم يتحصل عليه الكثير من الناس ولو أن كلا منا اكتفى باسطوانة واحدة لاستفادت كثير من الأسر التي حرمت من الطعام الدافىء منذ فترة فأين الإيثار خاصة عندما نرى كيف علمنا النبي عليه الصلاة والسلام التعامل في مثل هذه الأمور وبين لنا أروع الأمثلة: حين رأى النبي عليه الصلاة والسلام جماعة من المسلمين ظهرت عليهم علامات الشدة والمعاناة أمر بالأذان حتى اجتمع الناس فقام فيهم خطيبا موعظهم وذكرهم ثم أمرهم في آخر حديثه أن من كان له فضل من شيء فليعد به على من لا شيء له من ذلك وحينها فهم الصحابة أن لاحق لهم في فضل وغيرهم من المسلمين لا يجدون شيئا من ذلك..
الحكمة عند الأزمة
الشيخ عبدالرحمن محمد الأهدل من مدينة زبيد يحدثنا عن الواجب في مثل هذه الأزمات قائلا: معروف أن الدين الإسلامي هو أفضل الأديان من جهة إيثار الآخرين على النفس ولهذا يقول الله عزوجل في كتابه العزيز:» ومن يوق شح نفسه فاؤلئك هم المفلحون« ودعانا نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام إلى حب الناس كأنفسنا فقال: لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه« إذن واجبنا كمسلمين لاسيما في أوقات الأزمات أن نتحلى بخلق الإيثار لأن ذاك اختيار لنا من الله سبحانه وتعالى يقول تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنه« إذن هو ابتلاء من الله عزوجل والمعصوم من عصمه الله تعالى وعدم الإيثار في مثل هذه المواقف يعني نقص في الإيمان الشرعي ولا نشكك في عقيدة أحد فينبغي علينا أن يكون معدننا صافيا لاسيما وأهل اليمن كما وصفوا أنهم أهل الحكمة فمتى تتجلى تلك الحكمة إن لم تكن الآن في مثل هذه الأزمات وإن لم يكن نحن فمن¿ ولذلك لابد من العودة إلى الدين والتحلي بالأخلاق الفاضلة وإنزال النفس منازل الآخرين فإذا وضعت نفسك مكان غيرك علمت قدر الحاجة..
وكما تعلمنا من الصحابة رضوان الله عليهم كما علمهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بأن ينظر المرء في أمور الدنيا إلى من هو أدنى منه« وينظر في أمور الأخرة إلى من هو أعلى منه«
حينها سيدرك المرء قدر نفسه وسوف يعمل على مساعدة الآخرين وكما ورد في الحديث القدسي: الخلق عيال الله وأحبكم إلى الله أنفعكم لعياله.
فمتى وجد هذا المعنى في قلوبنا تغلبنا على شح النفس فعصيان النفس وعصيان الشيطان يوردنا موارد الإيمان وطاعتهما توردنا موارد الهلاك فقد يرى الإنسان مثلا أن استئثاره بسلعة ما في أوقات فيه نجاح له ولا يعلم أنه قد تكون عليه وبالا فالله تعالى يقول: عسى أن تحبوا شيئا وهو شرلكم« وهنا تكمن المشكلة ولذلك لابد من التغلب على النفس فديننا يأمرنا بعدم مطاوعتها والعمل على تربيتها بمخالفتها واجبارها على الخير وإن كرهته واجبارها على الخير وإن كرهته عند ذلك ننتصر على النفس وتختفي مثل هذه الأخلاق الذميمة في حياة صاحبها ونجد ذلك تحقق في الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وذلك ينبغي علينا الإقتدار بهم ولو من باب التشبه كما قيل: وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح..
تجار الأزمات
ومن الحريصين على استغلال الأزمات لتحقيق الأرباح غير المشروعة يقول:»الأهدل« بالنسبة للذين يستغلون هذه الأزمات لتحقيق الأرباح عبر الاستغلال أو الاحتكار فقد أوضح الإسلام موقفه منهم فهم المحتكرون والمستفيدون والاستغلال والاحتكار في شريعة الإسلام حرام ولذك ينبغي على الحاكم الأخذ على يد هؤلاء متى علم بعملهم ولا ينبغي أن يترك هؤلاء يتلاعبون بأقوات الناس لأجل مصالح دنيوية والفقهاء قد أطالوا في بيان أحكام هذه المسألة..
وهؤلاء الذين هم أصحاب المصالح الأنانية المستغلون لحاجة الناس هؤلاء يصطادون في الماء العكر فالمغبة لابد أن تعود عليهم عاجلا أو آجلا وهؤلاء قد يوصفون بأنهم غير صالحين في المجتمع وغير متعاونين ومتراحمين ومرجع ذلك كله إلى نقص في الدين والإيمان لديهم..
فينبغي عليهم أن يتقوا الله تعالى وأن يحاسبوا أنفسهم وليعلموا أن الموت مصيرهم عن قريب وكفى بالموت واعظا فلا يدري الإنسان متى تحين ساعته..
ولو اختفت مثل هذه الشريحة من داخل المجتمعات لعاشت المجتمعات في خير وعافية ولكنها سنة الله لابد من وجود الخير وضده حتى يرث الله الأرض ومن عليها وكما قيل: فبضرها تعرف الأشياء.
خلاصة
ونحن نعاني مما نعاني لابد لنا أن نتفكر في قول الله تعالى: ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالو إنا لله وإنا إليه راجعون«
وعلينا عند ذلك:
– الإيمان بالقضاء والقدر
– الصبر وعدم السخط
– الإيثار وإكرام المسلمين.
– الاكتفاء بالقليل من الاحتياجات غير المتوفرة في الأسواق.
تفقد أحوال المسلمين خاصة الأقارب والجيران ومساعدتهم بقدر المستطاع.
– عدم الهلع والتنافس على استجلاب الاحتياجات الكبيرة وتخزينها ولنعلم أن الرزق أو الطعام الذي قدر الله أنه من نصيبك سوف يأتيك الآن أو غدا.
– الاطمئنان بأن الرزاق هو الله اليوم أو غدا في الرخاء أو في الشدة مع وجود الحاجة في الأسواق أو حتى إن اختفت..
فإذا اطمأنت القلوب بالله كفاها وإن اطمأنت بالأسواق اوكله الله إليها..
