المنصف المزغني ❊
١- القلم أرستقراطي.
الفأره شعبية.
٢- في حاضر الأوان صارت الكتابة بفضل الحاسوب وإخوانه حقاٍ طبيعياٍ ولم تعد طبيعة الكاتب أمراٍ فيه نظر ففي سالف الزمان كانت اتحادات كتاب العرب تشترط على المتقدم لطلب العضوية أن يكون قد نشر كتاباٍ أو كتابين. وهذا الشرط كان صعباٍ فلا يمكن للكاتب أن يطبع كتاباٍ إلا إذا تمكن حقاٍ من ناصية الكتابة وتسكع في الشارع الثقافي وعرف المقاهي والنوادي وعرفته وبعد أن يكون قد تخاصم مع نفسه طويلاٍ إذا كان أعزب أو مع زوجته »إذا كانت« وانتقل من مكان إلى آخر من أجل كتاب ورنا إلى أهل الكتابة وسادة القلم بإعجاب وتناقل حكايتهم وزاد عليها وانتمى إلى خلافاتهم بالكثير من التصديق والدهشة البريئة ولفت انتباه أحد الناشرين.
٣ – يسال الطبيب الشاب أين تخرجت¿ فيجيب ذاكرا اسم كلية طب ويسال عن أساتذته الذين أشرفوا على تكوينه ويسأل المحامي في بداياته عن كلية الحقوق وعميدها وأساتذتها فيجيب أما الكاتب الآن فاذا سئل أجاب »الشنفري صعلوك وامرؤ القيس لم يذهب إلى الكتاب«.
٤ – الآن في عصر الحاسوب »أو الكاتوب« صار بوسع الجميع أن يدلف إلى حرم الكتابة دون اضطرار إلى معرفة أصولها فالكتابة صارت مثل الكلام… الكل يتكلم »الإنسان حيوان ناطق« الآن الكل يكتب فلا أحد يقدر على أن يقطع الطريق على كاتب غز بسؤال صعب »هل قرأت لتكتب¿« ولا أحد يسأل روائياٍ عن أصول الكتابة »أنا لست أصولياٍ حتى أجيب عن هذا السؤال« أو يجرؤ على سؤال شاعر من جماعة ما بعد الحداثة عن اسم البحر العروضي »أنا لا أسبح… أنا أطير«. وربما فوجئ السائل بجواب من نوع »لا بد من الأمية لكي تكتب«.
٥- } كيف يصير المرء شاعراٍ الآن¿
} أمر لا يحتاج إلى عناء… يكفي أن تكتب كلمات مترددة ولا تصل إلى نهاية السطر حتى تعود مسرعاٍ إلى بداية السطر التالي.
} احك حكايتك الخاصة.. أو حكاية غيرك. ارم القلم »انقر الفأره« على الورقة البيضاء »الشاشة« ولا تتوقف عن الكتابة… لا تتوقف عن الكتابة »التصفيف«… حتى إن جف القلم »الفأرة أرادت أن تنام« تعباٍ من القفز الفوضوي أدخل حكاية في حكاية وتكلم بلسان أبطال افتراضيين.
٦ – ذات صياح حدثت أحد المولعين بالكتابة على الحاسوب قلت له: لمحمود درويش ديوان سماه. سرير الغريبة ولو نقل تاء الغريبة إلى السرير لصار للكتاب معنى آخر… وفي المساء أراني على شاشة الحاسوب كتاباٍ لم يؤلف منه غير الغلاف وقد سماه على بركة الله »سريرة الغريب«.
٧ – لا تسأل كيف… ولا تستغرب… حاول أن تفهم ولا تلعن هذا الزمن فهو في نهاية المطاف نصيبنا ولا مناص نتمتع به ولن نقضي العمر في المقارنات بين الأمس واليوم… فالغد »حلم لم يعشه أحد« وقد يأتي يومك فيجدك غارقاٍ في بحر المقارنة بين أمس ويوم وأنت تنظم قصيدة رثاء على بحر الزمن الجميل فالشاعر قال: فتمتع بالصبح مادمت فيه ولا تخف أن يزول حتى يزول.
٨ – لا مناص. الحاسوب نصيبنا أما جيل أحمد شوقي الذي لم يعرف بدعة مقل الصحافة فقال فيها: »لكل زمان مضى آية… وآية هذا الزمان الصحف« مشيراٍ إلى طبيعة النقلة في زمن الطباعة من الراوي ذي الذاكرة الجيدة إلى أوراق سيارة عليها تطبع القصائد والأخبار.. وهكذا تصل القصيدة إلى قارئها في اليوم التالي دون تحريف أو زيادة أو نقصان حيث يتدخل الراوي »الرقيب احياناٍ« في تحريف القصائد عند نقلها إلى الجمهور المستمع إلى الشعر.
٩ – هذه هي الفسحة التي وفرها الحاسوب للجميع.. لمن هب ودب وشب وشاب انطلقت مع آليات العصر والعولمة والتنافذ الخلاق بين خلايا الوجود الحي.. حيث لا نفع من الاكتفاء بشتم الزمان »أضعف الإيمان« والتنديد بالامبريالية وفضح مخططات العولمة.
٠١- يشتكي عمداء الرداءة ومؤسسو الضحالة بالقول:»نحن أمة لا تقرأ« ولكن القارئ الذكي موجود لكي يحارب الكاتب الرديء بالعزوف عن اقتناء كتبه.. ذلك أن القارئ الكريم لئيم مع الكاتب الذي نذر عمره في الأمية حتى صار جاهلاٍ موسوعياٍ.
١١ – } ما ذنب القلم إذا كان أرستقراطياٍ¿
} ولا عيب في فأرة شعبية.
❊ شاعر ومدير بيت الشعر التونسي