من الأمور الملفتة للأنظار والمقلقة في ذات الوقت ما نشاهده هذه الأيام في شاشات التلفزة عبر الفضائيات وما نقرأه في الصحافة من صور ومشاهد وقصص تبرز حضور الأطفال في الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات التي تشهدها بلادنا وعدد من الدول العربية حالياٍ.. الأمر الذي يترتب عليه انعكاسات سلبية ونفسية خطيرة على الأطفال مستقبلاٍ حيث حذرت منظمات دولية ومحلية من مغبة الزج بالأطفال في المظاهرات وساحات الاعتصامات سواء المؤيدة أو المعارضة التي تقام في عدد من محافظات الجمهورية.
عدد من المنظمات المعنية بحماية الطفولة في اليمن أكدت أن هناك عدداٍ من الأطفال سقطوا ضحايا بالرصاص الحي منذ بدء الاعتصامات في مختلف محافظات الجمهورية حتى الآن الأمر الذي يجعل من اقحام الأطفال في ساحات الاعتصام المناوئة أو المؤيدة أمراٍ غير مقبول لما يشكله ذلك من خطر كبير على حياتهم وحسب منظمة سياج فإن حق الطفل في التعبير عن رأيه يسقط في مثل هذه الحالة تجنباٍ للمخاطر التي ستترتب على حياتهم انطلاقاٍ من مقولة «درء المفسدة أولى من جلب المصلحة».
ودعت المنظمة كافة أطراف العمل السياسي في اليمن إلى استشعار المسؤولية الكاملة تجاه حماية الأطفال وعدم الزج بهم في اتون الفتنة والصراع من باب التعبير عن الرأي مطالبة الأجهزة القضائية بسرعة القبض على المتهمين في قتل الأطفال الذين سقطوا ضحايا الاعتصامات خلال الأسابيع الماضية وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم الرادع وفي ذات المنوال حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة «اليونيسف» من الزج بالأطفال في صراعات الكبار عبر المظاهرات والاعتصامات التي يشهدها اليمن حالياٍ..
ودعت المنظمة مؤخراٍ كافة الأطراف المؤيدة والمعارضة في اليمن إلى حماية الأطفال من أي مخاطر تلحق بهم مؤكدة ضرورة تحمل كل الأطراف مسؤولية الالتزام باتفاقية حقوق الطفل والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان مشيرة إلى أن العنف ضد الأطفال غير مقبول مطالبة في نفس الوقت بحماية الأطفال واليافعين بأي ثمن ومهما كانت الظروف.
استغلال
مؤسسة شوذب للطفولة والتنمية بدورها أدانت وبشدة استخدام الأطفال واستغلالهم في النزاعات والصراعات القائمة وفي بيان للمؤسسة صدر مؤخراٍ دعت الأطراف السياسية في اليمن وفي مقدمتها السلطات المعنية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية إلى تبني حوار إيجابي يجنب الوطن أتون الصراع ويساهم في عدم اقحام الأطفال في النزاعات الداخلية.. وشددت على ضرورة منع استخدام الأطفال دون سن 81 سنة كأداة للعنف أو غرضاٍ له واستغلالهم في ما يتنافى مع مصالحهم الفضلى مطالبة أطراف العمل السياسي في اليمن بتعزيز الأمن البشري واشراك الأطفال في بناء السلام والمصالحة والوفاق الوطني وعدم تعريض حياتهم للخطر.. فيما عبرت مجموعة التعليم في حالات الطوارئ باليمن في بيان مماثل لها عن قلقها إزاء تعطيل العملية التعليمية وعدم انتظام حضور الأطفال في المدارس نتيجة الاضطرابات التي تشهدها بعض المحافظات اليمنية وأكدت في بيانها حق الأطفال في التعليم في جميع الأوقات بما في ذلك أوقات الاضطرابات المدنية أو في حالات الطوارئ باعتبار المدارس مسؤولة عن توفير البيئة الحامية والآمنة للأطفال للوصول إلى حقهم في التعليم وأعربت المجموعة ن قلقها من انتهاك حقوق الأطفال في التعليم وتعريضهم للخطر داعية جميع الأطراف إلى توفير الحماية للأطفال وعدم إشراكهم في الأنشطة السياسية.
تحريم
من جانبهم أكد أكاديميون في علم الاجتماع بجامعة صنعاء أن الشرائع السماوية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تحرم الزج بالأطفال في اتون الصراعات بكافة أشكالها وأنواعها وأن استخدام الأطفال كدروع بشرية أو أي شكل من أشكال الصراع تجرمه كل القوانين الوطنية الناظمة لحقوق الإنسان ويسيء إلى طفولتهم ويستغل براءتهم مؤكدين أن من يقوم بهذا العمل ومن يحرص على الزج بالأطفال في المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات حتى وإن كان بصورة بسيطة يعتبر جريمة أخلاقية ومخالفة لقيم الدين الإسلامي الحنيف..
وأوضح مختصون في مركز النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء أن الأطفال لم يتهيأوا فطرياٍ للمشاركة في المظاهرات والاعتصامات ومشاركتهم تعرضهم لأي خطر أو اصابة أو حتى لضربات الشمس وقالوا: يفترض أن يكون الأطفال في مأمن من صراعات الكبار وجميع الأطراف المشاركة في المظاهرات المؤيدة أو المعارضة لأن الأطفال لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم في المواقف الخطرة ولا يمتلكون الخبرة والقدرة للتحرك أو التصرف كون المظاهرات في اليمن لم تصل بعد إلى مفهوم الديمقراطية لما يشوبها من صدامات واحتدام سواء كانت لفظية أو جسدية وهو ما يجب أن يبتعد عنه الأطفال نظراٍ لما يلحق بهم من مساوئ في خلق مزيد من الكراهية والعنف لأي موقف يتعرضون له في حياتهم الطفولية.
أخطار
وبرغم هذه التحذيرات والتنديدات من قبل المنظمات المحلية والدولية بحماية الطفل في اليمن ما زلنا نشاهد ونلحظ باستمرار وجود الأطفال في ساحات الاعتصامات والمظاهرات يرددون الشعارات ويكتبون بعض الكلمات التي يرددها المعتصمون على جباههم وفي أياديهم وعلى ملابسهم وهذا أمر يعرضهم لكثير من الأخطار الصحية والنفسية والجسدية بل يظهر بعض الآباء والأمهات الذين جلبوا أطفالهم إلى تلك الساحات وهم يلقنونهم تلك الشعارات ويوغرون صدورهم البريئة بثقافة الكراهية.
وعندما سألنا عدداٍ من الآباء عن انعكاسات ما يجري ويبث عبر القنوات الفضائية من ساحات الاعتصامات والمظاهرات على أولادهم أكدوا أن هذه الظاهرة انعكست بوضوح لدى الأطفال حيث أن الأطفال بدأوا ينقسمون في المدارس والفصول الدراسية وفي الحارات والشوارع وحتى في البيوت بين مؤيد ومعارض فتجد الأطفال ينقسمون بعد خروجهم من المدارس مثلاٍ ينقسمون ويرددون الشعارات والعبارات التي يسمعونها من الكبار في البيوت وفي التلفزيون ككلمة «ارحل» وكلمة «بلاطجة» وعبارات «لا للتخريب نعم للأمن والاستقرار» وقال بعض الآباء أن بعض هؤلاء الأطفال يكتبون تلك الشعارات في أيديهم وعلى أقدامهم وفي ملابسهم ودفاترهم فيما أكد بعض أساتذة المدارس أن هذا الوضع المؤسف انعكس على الأطفال في المدارس إلى درجة أنه حدثت بعض الشجارات والاشتباكات بين الأطفال من المؤيدين والمعارضين في بعض المدارس وكذلك في الحارات والقرى.
أطفال سياسة
ويشير المهتمون بهذا الشأن إلى أن بعض الأطفال ببراءتهم المعتادة اكتسبوا شيئاٍ من العمق السياسي نتيجة أحداث ثورتي تونس ومصر وغيرها من التطورات في بعض الدول العربية ليحملوا في جعبتهم أسئلة عدة نثروها أمام والديهم ومعلميهم لفهم ما يجري أو لتوضيح ما يعنيه ذلك القائد السياسي في خطاباته كما أن بعضهم اتجه نحو شبكة الانترنت لمتابعة آخر المستجدات المسيطرة على قنوات الأخبار وأكد بعض المعلمين في المدارس الابتدائية أن كثيراٍ من الطلبة يرددون بعض العبارات التي تردد في هذه المظاهرات والاعتصامات والمسيرات من دون وعي منهم وقال: إن دور المعلم هنا هو التوجيه والمتابعة لكل ما ينقله الطفل من شاشات التلفزيون إلى الفصل والمدرسة لأنهم بحاجة إلى متابعات ومناقشات أكثر من أطفال الأمس بسبب مصادر التلقي المتعددة وما تخلفه من مفاهيم وآثار سلبية تحتاج إلى توضيح لدى الأطفال بشكل صحيح.
وذكر مختصون في تفسير الأحلام أن الطفل قابل للتأثير والاختزال بشكل سريع بسبب الصفحة البيضاء التي يحملها في عقله حيث من الممكن أن تزرع تلك الأحداث السياسية الخلافات بين الأطفال وتجعلهم عرضة لأحلام مفزعة أثناء النوم مشددين على دور الأسرة في متابعة وتوجيه الأطفال وعدم تركهم لوحدهم أمام شاشات التلفاز حتى لا تؤثر مشاهد العنف والدماء في سلوكهم في ما بينهم.
وأضاف هؤلاء المختصون أن النزاعات تؤدي إلى التسرب من المدرسة حيث يتجه التلاميذ لايجاد فرص عمل مشيرين إلى أن النزاعات تؤدي إلى افقار الأسرة وتأتي أصلاٍ نتيجة الفقر.
اضطرابات
وأشار بعض الاستشاريين في الطب النفسي إلى تغييرات نفسية كبيرة تحدث للطفل حينما يتعرض لصدمات مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية حيث تحدث اضطرابات بعد تخطي الإنسان للصدمة محذرين من خطورة هذا المرض النفسي الذي تكمن أعراضه في تخيل الموقف الدموي الذي شاهده أمامه والشعور بتوتر شديد وتجنب أي موقف يذكره بهذا الحدث فيشعر بالرعب الشديد وسرعة الاستثارة والتوتر وقالوا ان هذا الاضطراب يتطلب برامج علاجية نفسية لافتين إلى أن تجار الأطفال ومرضى الميل الجنسي للأطفال يستغلون المجتمعات المفككة الفقيرة يستغلون فترات الحروب ليغتصبوا الأطفال ولمعالجة هذه المشكلة دعا الأطباء النفسيون إلى عدم تعريض الطفل لمشاهدة الحروب أو ما يجري في أماكن الاحتجاجات واشغال الأطفال ببرامج التسلية واللعب مع استمرارية عملية التعليم وفي حال عدم القدرة على عزل الطفل عن الأحداث يأتي دور الأهل في توضيح الصورة للطفل بما لا يشعره بالرعب.
الختام
كشف تقرير جديد للأمم المتحدة عن أن عشرات من الصراعات حول العالم ما زالت تحرم الأطفال من طفولتهم داعياٍ المجتمع الدولي لاتخاذ تدابير ملموسة لوضع حد لايذاء الأطفال في الصراعات.
وقال التقرير أنه على مدى العشر السنوات الماضية بلغ تأثير الصراعات على الأطفال درجة غير مسبوقة من الوحشية فقد تم استهداف الأطفال في مدارسهم وتعرضوا للخطف واجبروا على العمل كمقاتلين أو كخدم وتم استغلالهم لأغراض جنسية وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف فينمان أن المخاطر التي يتعرض لها الأطفال أثناء الصراعات في تزايد وأن النزاعات المسلحة تحرم 82 مليون طفل من التعليم إضافة إلى العنف الجسدي والاغتصاب وأفاد تقرير اليونسكو الذي حمل عنوان الأزمة المخفية أن ما يقدر بنحو 24% من أصل 76 مليون طفل لا يذهبون إلى المدرسة بسبب النزاعات المسلحة..