ابن النيل
(1)
يتضاءل الحلم في أعماقنا.. عندما نشعر ولو للحظة واحدة.. أنك تبتعدين.
ويكبر الحلم ثانيةٍ.. ويتجدد.. كلما أحسسنا بأنك تقتربين.
يجتاحنا الشوق دوماٍ.. ويزداد الحنين إلى ألق صباحاتك المشرقة.
وحين تثير النكتة الساخرة ضحكات أبنائك.. نتصور واهمين أنها اللامبالاة.
نعرف أن النيل لاينضب.. فقد تتفجر فيك الينابيع الخفية.. ويفيض نهرك الخالد.. في موعدُ لا يملك تحديده سواك.
يتمزق الصمت الكئيب.. إيذاناٍ بعودة الطيور المهاجرة من رحيلها القسري.. وتختصرين المسافة حين تنتفضين في وجه من خذلوك.. ومن باعوك في سوق النخاسة.
هكذا أنت يا بهية العرب..
هكذا أنت.. أيتها المعشوقة الصابرة.. والمثابرة.
وحدك تدركين أسرار المخاض.. و.. وحدك تحتفظين بها.. وتعرفين متى تكون الولادة.. وكيف تكون »الطلقة« الحاسمة.
من رحم الأزمة تولدين..
فيتعملق الفتية الصغار في شوارعك الضيقة.. ويكتبون أسماءهم على خاصرة التاريخ.. وتطل على الدنيا وجوههم السمر.. ويعلو النشيد في مواكب الفقراء.. لتعكس صفحة المياه في ترعةُ نائية.. طرب صفصافة طال اشتياقها إلى ربيع أيامك لعلنا ندرك معاٍ وسوياٍ حقيقة أن الخائفين لا يصنعون الحرية وأن الضعفاء لا يصنعون الكرامة وأن المترددين لا تقوى أيديهم المرتعشة على البناء.
(2)
أتذكر الآن جيداٍ.. أن أحد أبنائك ممن لا يجيدون القراءة والكتابة.. كان قد قام بزيارة معرض الكتاب الدولي بالقاهرة وعندما فوجئ بيدُ تضع على ظهره العلم الفلسطيني اللاصق.. استدار إلى الخلف.. وقال مشيراٍ إلى صدره من ناحية القلب.. هنا فقط ينبغي أن يوضع العلم الفلسطيني.. فلقد جئت خصيصاٍ لهذا الغرض.
هكذا هم أبناؤك يا بهية العرب.. وهكذا أنت.. يافلسطينية الوجه والقلب.
ويحضرني هنا.. قول شاعرنا الكبير عبدالرحمن الأبنودي.. في واحدة من قصائده العامية:
الضحكة قامت م الهموم
واللي فطر مجبور يصوم
واللي قعد قادر يقوم
أنا قلت.. رقص الفجر في الميدان
الكل كان منتظره
.. لما هل
ساقوا عليه وسخنت السوقة
ساعتها كانوا كلهم قلبي
في الفرحة كان شعبي
يرفض مرارة الموت