دعا أساتذة وفقهاء القانون الدستوري من مختلف الجامعات اليمنية كافة القوى السياسية بمختلف مشاربها وتوجهاتها الفكرية إلى التفكير وبجلاء بالنتائج الإيجابية التي قد يجنيها الشعب اليمني في حال حظيت المبادرة الأخيرة لرئيس الجمهورية بالحوار والتأييد مؤكدين أن اليمن بهذه المبادرة الوطنية سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه وأنه يجب تشكيل لجان فنية من اساتذة القانون الدستوري والقضاة الدستوريين لإعداد مشروع الدستور الجديد وفقاٍ للرؤية التي يراد أن يتسم بها الدستور الجديد.
وأشاروا في هذا الاستطلاع الذي أجرته »الوحدة« حول آلية وشكل الدستور الجديد الذي يضمن الفصل بين السلطات ويعزز الانتقال إلى النظام السياسي الجديد بكل أبعاده إلى أن المرتكز الأساسي لنجاح أي منظومة دستورية بغض النظر عن أي نظام هو مدى احترام الممارسة للسلطة لهذه النصوص والتطبيق الفعلي للدستور وأنه من خلال الاحترام للنصوص الدستورية يمكن لنا أن نكتشف أي الأنظمة أصلح لمجتمعنا ولواقعنا السياسي والاجتماعي.
لافتين في هذا السياق أنه من الأجدر بكل فئات المجتمع اليمني وأطيافه السياسية قبل اصدار الأحكام على هذه المبادرة إعطاء رأي واضح وصريح حولها واستيعاب أهدافها وما يمكن أن تحققه على الواقع السياسي والمجتمعي أيضاٍ من الاستقرار والحفاظ على السلم الاجتماعي.
استطلاع/ عبده الأوع
حيث يشير الاستاذ الدكتور عبدالوهاب شمسان نائب عميد كلية الحقوق بجامعة عدن إلى أن هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها وهي أن المبادرة التي أطلقها الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية قد أكتسبت اهتماماٍ كبيراٍ على كافة المستويات داخلياٍ وإقليمياٍ ودولياٍ لذا نرى من الأهمية بمكان قبل إصدار الأحكام أو إعطاء رأي واضح وصريح حولها من الأفضل بل والأجدر استيعاب فحواها وجوهرها والأهداف التي ترمي إليها والنتائج التي ستفرزها وتحديداٍ في ما يتعلق بالاستقرار المجتمعي والحفاظ على السلم الاجتماعي.
من ناحية أخرى يمكننا القول أن المبادرة تشكل قاعدة متينة ومرجعية للجميع إذا ماحظيت بالإجماع فعن طريقها يمكن حلحلة الأوضاع الراهنة وإعادة الأفكار والأراء المتضاربة إلى ثكناتها الأمنة والإسهام وبفعالية في حل المشكلات الراهنة التي تشهدها اليمن اليوم غير أن ذلك يتطلب بدرجة أساسية المصداقية والثقة المتبادلة فمتى توفرت المصداقية رغم الاختلاف والتباين بالإمكان من وجهة نظرنا إزالة كافة الاحتقانات ومن ثم التوصل إلى حلول ومخارج عملية تخدم أمن وإستقرار المجتمع اليمني.
اللجوء إلى الحوار
في الوقت ذاته نجد أن المبادرة حتى ولو لم تبلور كافة الأفكار التي قد تكون معبرة عن وجهات النظر كافة الاطراف والأطياف السياسية هذا معناه أن هناك من يرى ضرورة استكمال أو إضافة بعض الأفكار إليها فلا ضير مادام الهدف الأساسي لكل هذه الاجتهادات هو حقن الدماء واللجوء إلى الحوار البناء والمثمر باعتباره الوسيلة الحضارية المثلى لحل كافة الأزمات وتجاوز الصراعات والاختلافات مهما كان نوعها وهو في نهاية المطاف الطريقة الحضارية المتبعة والتي يجب أن تحظى بالاهتمام للوصول إلى التغيير المنشود والإصلاح للعملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعمل ويسعى الجميع إلى تحقيقها.
ويرى الدكتور شمسان أن على كافة القوى السياسية بمختلف مشاربها وتوجهاتها الفكرية التفكير وبجلاء بتلك النتيجة الإيجابية التي قد يجنيها الشعب اليمني عندما تحظى هذه المبادرة بالقبول وتكتسب التوافق لأنها تشكل منطلقاٍ لحل كافة القضايا العالقة. وأعتقد هنا بأن اليمن سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه كدولة وكشعب وقف أمام مشاكله رغم تعقيداتها وقام بحلها عبر الحوار البناء مشكلاٍ بذلك نموذجاٍ على جميع الأمم والشعوب أن تحتذي به فقد أستطاع الحفاظ وبمسؤولية على أمنه واستقراره ووحدته وضمن تقدمه وازدهاره ورقيه واختار المكانة التي تليق به بين الأمم مجسداٍ المقولة التاريخية ” الإيمان يمان والحكمة يمانية “.
رقابة متبادلة
فيما يؤكد الدكتور محمد الغابري أستاذ القانون الدستوري المساعد بجامعة صنعاء على أنه يجب تشكيل لجنة فنية من متخصصي القانون الدستوري والقضاة الدستوريين لإعداد مشروع الدستور الجديد وفقاٍ للرؤية التي يراد أن يتسم بها الدستور الجديد أي هل المطلوب نظام رئاسي أم برلماني أم نظام الجمعية حيث أن لكل من هذه الأنظمة أركانا وخصائص تميزه عن الأنظمة الأخرى فالنظام البرلماني مثلاٍ يقوم على ثنائية السلطة التنفيذية أي رئيس دولة يسود ولا يحكم ورئيس وزراء يمارس كافة مظاهر السلطة التنفيذية ولهذا فإن رئيس الدولة ونظراٍ لأنه لا يمارس سلطات فعلية فهو غير مسؤول سياسيا وأن المسؤولية السياسية تقع على رئيس الوزراء والوزراء بصفتهم الممارسين فعلياٍ للسلطة التنفيذية.
مضيفاٍ: يقوم هذا النظام على أساس التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أي أن هناك فصلاٍ مرناٍ بين هاتين السلطتين ولكل من التعاون والرقابة بينهما مظاهر معينة فمظاهر التعاون تتمثل في إمكانية أن يكون أحد أعضاء البرلمان عضواٍ في الحكومة وأحقية الحكومة في تقديم مشاريع قوانين لمناقشتها وإقرارها في البرلمان واقتراح تعديل أي نص قانوني سابق كما أنها تقوم سياسياٍ بإعداد مشروع قانون الموازنة السنوية.
مشيراٍ إلى أن مظاهر الرقابة تتمثل في أحقية البرلمان في تقديم تساؤلات واستفسارات عن أي موضوع يتطلب ايضاحاٍ من قبل الحكومة أو أحد أعضائها أو عمل استجواب للحكومة بمجملها أو لأحد أعضائها حيال أي موضوع يرى البرلمان أن هناك خللاٍ أو تجاوزاٍ من قبل الحكومة أو أحد أعضائها فهو بمثابة اتهام لها بوجود تقصير أو مخالفة معينة حيال هذا الموضوع وقد يتطور إلى ملتمس رقابة أو ما يسمى بسحب الثقة من الحكومة أو أحد أعضائها وهو أخطر الوسائل الرقابية التي يملكها البرلمان حيال الحكومة بالإضافة إلى أحقية البرلمان في تشكيل لجان لتقصي الحقائق في أي موضوع من المواضيع التي تشرف عليها الحكومة وتقدم اللجنة المشكلة من أعضاء البرلمان تقريراٍ حياله وقد يتطور الأمر وفقاٍ للنتائج الناتجة عنها أيضا إجراء استجواب أو سحب الثقة من الحكومة نتيجة لما ظهر من اختلالات أو مخالفات ارتكبتها السلطة التنفيذية.
لافتا إلى أن السلطة التنفيذية في المقابل تمتلك وسائل رقابة على البرلمان والتي تبدأ بإصدار قرار بدعوة البرلمان للانعقاد في دورته الأولى وتنتهي باتخاذ قرار بحل البرلمان وفقاٍ للإجراءات والشروط التي عادة ما تنص عليها الوثيقة الدستورية المنشئة لهذه السلطات والمحددة لاختصاص كل منها وطبيعة العلاقة التي تكون بين هذه السلطات.
منوها بأن المرتكز الأساسي لنجاح أي منظومة دستورية بغض النظر عن أي من هذه الأنظمة سواءٍ رئاسياٍ أو برلمانياٍ أو نظام جمعية أو حتى مختلطاٍ بين البرلماني والرئاسي بمدى احترام الممارس للسلطة لهذه النصوص واحترام الاختصاصات المناطة بكل سلطة بموجب هذه الوثيقة الدستورية وعند التطبيق الفعلي واحترام هذه النصوص يمكن أن نكتشف أيا من هذه الأنظمة أصلح لمجتمعنا وواقعنا السياسي والاجتماعي.
تعديلات ناضجة
كما يرى الدكتور عبدالرحمن المختار أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحديدة أن المبادرة في ما يتعلق بإعداد دستور جديد من جانب لجنة مشكلة من مجلسي النواب والشورى يتبنى النظام البرلماني ويفصل بين السلطات لم تكن موفقة في هذا البند الذي يشوبه التناقض وعدم الانسجام وتنقصه الدقة والموضوعية ويفتقر في إسناده إلى المشروعية فمجلس النواب القائم فعليا لم يعد له وجود من الناحية الدستورية ليس حاليا فحسب لكنه يفتقد لهذه المشروعية منذ العام 2009 ذلك أن الدستور قد حدد بشكل دقيق لا لبس فيه ولا غموض لمجلس النواب في المادة (65) منه مدتين الأولى عادية محددة بـ (ست سنوات) تبدأ من أول اجتماع قبل نهاية هذه المدة بستين يوما يصار إلى انتخاب مجلس جديد أما الثانية فهي استثنائية لا يجوز اللجوء إليها إلا إذا تعرضت البلاد لظروف قاهرة يستحيل معها إجراء الانتخابات (الحرب أو الفتنة الداخلية أو الكوارث الطبيعية) فإذا ما تحققت حالة من حالات هذا الظرف يتم إعمال المدة الاستثنائية بشكل تلقائي مباشر ودون حاجة إلى أي اتفاق من جانب القوى السياسية باعتبار أن المشرع الدستوري قد نظم هذه الحالة ولم يترك لأي جهة بأي حال من الأحوال سلطة في ذلك باعتبارها حالة موضوعية ولأن حالة الظروف الاستثنائية أو القوة القاهرة لم تتحقق فإن اتفاق الأحزاب في السلطة والمعارضة عام 2009على تمديد مدة مجلس النواب سنتين هو اتفاق باطل بطلانا مطلقا ويعد خرقا للدستور وأن ما يروج له من مشروعية توافقية ليس له أي أساس دستوري على الإطلاق فليس هناك أي نص في الدستور يخول الأحزاب الاتفاق على خلاف نصوصه وأحكامه.
ولذلك فمجلس النواب ليس مؤهلا من الناحية الدستورية والمعرفية لإجراء تعديل على الدستور النافذ ناهيك عن إعداد دستور جديد وأعتقد جازما أن قسما من مشاكل وأزمات البلاد سببها وجود مثل هذا المجلس المترهل فلو كان هناك مجلس تمثيلي نيابي حقيقي يدرك واجباته الدستورية لما تغولت السلطة التنفيذية واستفحلت الأزمات وتفاقمت المشاكل ومجلس النواب عاجز تماما عن تقديم حلول ناجعة لها والسبب في ذلك وببساطة شديدة هو أن فاقد الشيء لا يعطيه إضافة لذلك فإن اعتماد السلطة التنفيذية في صياغة مشروعات التعديلات والمبادرات المتكررة على كوادر معارفها القانونية ضحلة قد أدى إلى تراكم واستفحال الأزمات ولأسباب قد تكون بسيطة جدا وأؤكد أنني هنا لست متهكما ويمكنني أن أدلل على كل ما أقول غير أنه ولأن المقام ليس مقام التفصيل فسأقتصر على إيراد تناقض واحد من عشرات التناقضات وللقارئ أن يحكم ففي تعديلات 2001م جاء ضمن مبررات مشروع التعديل في ما يتعلق بتمديد مدة مجلس النواب أن ” التجربة قد أثبتت أن مدة الأربع سنوات فترة قصيرة فما أن يبدأ عضو مجلس النواب المنتخب في التعرف على حقوقه وواجباته وعلى آلية عمل المجلس حتى تنتهي السنة الأولى تقريبا وما إن يبدأ يستقر ونشاطه يتصاعد خلال السنتين الثانية والثالثة حتى تبدأ السنة الرابعة والأخيرة والتي تفرض عليه أن يبدأ الاهتمام بالانتخابات التالية ولذا فإن مدة الست سنوات سوف تؤدي إلى استقرار أكبر لنشاط السلطة التشريعية.
والملاحظ أن نظرة أولية لهذا التبرير تنبئ أن مشروع التمديد إلى ست سنوات قد بني على استطلاعات ودراسات عميقة موثقة لعدد من الدورات الانتخابية غير أن نظرة فاحصة تؤكد مدى قصور بل وعدم دقة وموضوعية هذا التبرير خصوصا أن التعديل قد تم في زمن الدورة الانتخابية 1997-2001م وما يؤكد عقم هذا التبرير هو التراجع عنه في مشروع التعديلات الدستورية المعروضة على مجلس النواب والتي ستتضمن خفض مدة مجلس النواب من ست إلى أربع سنوات وبمبرر أن الست سنوات مدة طويلة فهل كانت الأربع سنوات غير كافية فقط بالنسبة لتعديل 2001م وكافية في التعديلات المقترحة مؤخرا! فأي منطق دستوري يمكنه قبول مثل هذا التناقض والعبث ¿ وأي عاقل يمكنه قبول هذا العبث بالدستور¿
ولا شك أن الوصول إلى تعديلات دستورية ناضجة تواكب متطلبات الحياة في مختلف المجالات أو إقامة دستور جديد يستجيب لطموحات الجيل ويلبي وينسجم مع طموحات الأجيال القادمة يتطلب أن يتم ذلك من خلال جمعية تأسيسية منتخبة تضم أساتذة وخبراء القانون الدستوري في كليات القانون أو الحقوق تقتصر مهمتها على إنجاز التعديلات المطلوبة أو صياغة الدستور الجديد على أن تنحل هذه الجمعية تلقائيا بمجرد إنجاز مهمتها باعتبار أن ترك مهمة التعديلات أو إقامة دستور جديد للسلطة التنفيذية( مجلس الشورى) والتشريعية لن يخلو من العبث والأهواء وبالطبع سيكشف التطبيق العملي سريعا أنها ناقصة غير ناضجة مشوهة لا تنسجم مع الحد الأدنى من أهداف التعديل أو التغيير.
وحول تبني الدستور الجديد للنظام البرلماني واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات ففي هذا الطرح تناقض كبير ذلك أن النظام البرلماني وكما هو معلوم يقوم على أساس يحقق التعاون والتوازن بين سلطات الدولة وهو ما يعرف بالفصل المرن وهو عكس ما ذهبت إليه المبادرة فمثلا يمكن لعضو البرلمان في النظام البرلماني أن يكون وزيرا وهو ما لا يجوز في النظام الرئاسي كما يمكن للبرلمان مساءلة واستجواب الوزراء فرديا وجماعيا وهو ما لا يجوز في النظام الرئاسي كما يملك البرلمان سحب الثقة من الحكومة وتملك الحكومة حل البرلمان وهو ما لا يجوز في النظام الرئاسي .
وإذا كان مبدأ الفصل بين السلطات هو ضالتنا فعلينا البحث عنه في النظام الرئاسي وبمعنى أخر يتحقق مبدأ الفصل بين السلطات في النظام الرئاسي بشكل أوضح وأقوى منه في النظام البرلماني ففي النظام الرئاسي تضيق مساحة التعاون والتوازن بين السلطات بينما تتسع هذه المساحة في النظام البرلماني وإذا كان الفصل بين السلطات لم يتحقق في اليمن ونحن في ظل نظام رئاسي يتمتع فيه الرئيس باختصاصات دستورية وفعلية واسعة جدا فإن القول بتحقق هذا المبدأ في ظل النظام البرلماني المقترح يعد ضربا من الخيال وقد يقول البعض أن الدستور اليمني النافذ تضمن وسائل للتوازن بين السلطات تتمثل في امتلاك البرلمان لحق سحب الثقة من الحكومة وامتلاك السلطة التنفيذية لحق حل البرلمان ومن ثم يمكن وصف النظام اليمني بأنه نظام برلماني والحقيقة أن العبرة في هذا المجال ليست بمجرد وجود نص نظري بل بما يصار إليه في الواقع العملي من تطبيق لهذا النص فلم يسبق للبرلمان ولا للسلطة التنفيذية استخدام الحق المقرر لهما دستوريا وهو ما يؤكد الصبغة الرئاسية لنظام الحكم والأصل وفقا لذلك أن يكون مبدأ الفصل بين السلطات مفعلا في ظل هذا النظام وليس معطلا وإذا لم يتحقق هذا المبدأ في صيغة هذا النظام فلا جدوى من البحث عنه في غيره .
وحول تبني الدستور المقترح نظام الأقاليم على أساس اللامركزية الإدارية والمالية فما هو الجديد الذي أضافته هذه المبادرة ¿ لاشك أننا إذا ما رجعنا سريعا والقينا نظرة خاطفة على التنظيم السابق لما للمبادرة لوجدنا أن الأمر لا يعدو عن كونه تلاعبا بالمصطلحات فالإدارة المحلية تم تطبيقها منذ عام 1991م وحتى عام 2000م وقامت على أساس اللامركزية المالية والإدارية والسلطة المحلية تم تطبيقها منذ عام 2000 م إلى اليوم على أساس اللامركزية المالية والإدارية والحكم المحلي واسع الصلاحيات المقترح تطبيقه قبل إعلان هذه المبادرة يقوم على أساس اللامركزية المالية والإدارية والمبادرة الأخيرة (الأقاليم) تقوم على أساس اللامركزية الإدارية والمالية فما الذي يميز الإدارة المحلية عن السلطة المحلية عن الحكم المحلي عن الأقاليم طالما أن كلاٍ منها يقوم من حيث المضمون على أساس اللامركزية المالية والإدارية فقط ¿
لاشك أن مرد الخلط بين المصطلحات يرجع لأحد أمرين إما تدني مستوى المعرفة بالمصطلحات ومدلولاتها لدى القائمين على الصياغة أو تعمد إيهام الجمهور بتغييرات كبيرة بينما تقتصر في حقيقتها على الجانب الشكلي أما من ناحية المضمون فلا تختلف عن بعضها مطلقا وفي فقه القانون الإداري والإدارة العامة يقتصر مفهوم الإدارة المحلية على جزء من النشاط الإداري للسلطة التنفيذية في حين ينصرف معنى الحكم المحلي إلى سلطات الدولة التقليدية من تشريع وتنفيذ وقضاء وكذلك الحال بالنسبة لنظام الأقاليم الذي يقوم على أساس اللامركزية السياسية والذي يقتضي أن يكون لكل إقليم حكومة محلية وبرلمان محلي وسلطة قضائية محلية وكل ذلك لا تستجيب له المبادرة كونها تقيد نظام الأقاليم باللامركزية المالية والإدارية وهي بهذا التحديد لا تختلف من حيث المضمون عن الإدارة المحلية ولا عبرة بالاختلاف من حيث الشكل .
وحول تشكيل حكومة انتقالية من جميع القوى السياسية يرى الدكتور المختار أن الأمر لا يعدو عن كونه استدعاء لمأساة السلطة الانتقالية المشكلة عقب إعلان الوحدة اليمنية حيث خلت هذه المبادرة من تحديد الآليات الآمنة لنقل مسئوليات السلطة الدائمة إلى الحكومة المنتخبة فالأصل وفقا لقواعد القانون الدستوري أن الحكومة الانتقالية المعنية بترتيب شئون الحكم خلال هذه المرحلة يجب ألا تتبوأ مناصب السلطة في الفترة الدائمة التالية مباشرة للفترة الانتقالية وهو ما حصل عكسه بالضبط في بلادنا بداية التسعينات فالحكومة الانتقالية لم ترتب الأوضاع المستقبلية لتحقيق المصلحة العامة بل تم ترتيبها لتناسب مصالح خاصة لطرفي السلطة وهو ما كرس الاتجاه الحتمي نحو حرب 1994م
ولا شك أن عدم تحديد هذه المبادرة لآليات نقل السلطة عقب انتهاء الفترة الانتقالية إلى الحكومة الدائمة وكذا دور ومكان القائمين على تنظيم شئون الحكم خلال تلك الفترة فإنه يترتب على إغفال كل ذلك إعادة إنتاج الماضي وأسوأ ما فيه حرب صيف 1994 ولذلك فالأصل أن يكون محددا وبشكل دقيق أن السلطة التي تتولى تنظيم شون الحكم خلال الفترة الانتقالية يجب ألا تظهر أو يظهر أي من أعضائها خلال المرحلة الدائمة التالية مباشرة لفترة الحكومة الانتقالية..