في ظل الوضع المتردي الذي تعاني منه غالبية المستشفيات في عموم محافظات الجمهورية والذي وصل إلى درجة أن المواطن فقد الثقة في الحصول على جرعة أمل في الشفاء تبرز مشكلة أو بالأصح مصيبة تزيد من معاناة المواطن.. المريض وتتمثل في «الأخطاء الطبية».
وهذه الظاهرة.. الكارثة.. انتشرت كثيراٍ في السنوات الأخيرة وكثيرة هي القصص التي نسمعها عن مرضى فقدوا حياتهم بسبب الأخطاء الطبية.. وفي معظم الحالات تكون أخطاء بسيطة قاتلة لا يرتكبها ممرض مبتدئ فما بالكم بطبيب محترف لديه خبرة طويلة أو هذا ما يفترض!!
والكارثة أن كثيراٍ من الأطباء يسيئون إلى هذه المهنة النبيلة والسامية وينسون القسم الذي أدوه عند تخرجهم.. قسم ابقراط.. بالتستر على الأخطاء.. الجرائم الحقيرة التي يرتكبها زملاؤهم.. بحيث يضيع حتى حق المريض أو أسرته في التعويض.
يقول الأستاذ نصر علي احمد مدير برنامج سلامة المرضى: التقرير الذي أطلقه المعهد الطبي الأمريكي في عام 1999 م تحت عنوان « الخطأ إنساني» قد دفع كثيراٍ من الأنظمة الصحية وصناع القرار الصحي والجهات المعنية الأكاديمية والباحثين وغيرهم حول العالم الى إعادة النظر والتفكير في كثير من جوانب الطرق والسياسات الصحية التي تحدد نظام المعالجة الطبية وإدارتها المتبعة في المستشفيات ومؤسسات تقديم الرعاية الصحية وذلك لما يصاحب حدوث الأخطاء من تبعات وأعباء اجتماعية واقتصادية وصحية على النظام الصحي وكذا على المريض والأسرة والمجتمع والبلد كون هذه الاخطاء تحدث في كثير من مؤسسات الرعاية الصحية حول العالم وبعد ذلك كانت منظمة الصحة العالمية قد وجهت العديد من الدعوات والمبادرات تحث فيها الدول في التعاون لتعزيز الممارسات الطبية الآمنه وسلامة المرضى وقد كانت بلادنا ممثلة بقيادة وزارة الصحة العامة والسكان في صدارة الدول التي تجاوبت مع هذه المبادرات نحو تبني ودعم سياسات سلامة المرضى من خلال العديد من الأنشطة وكذا إنشاء برنامج وطني يهدف الى دعم وتعزيز سياسات سلامة المرضى في إطار الجهود التي تبذلها الوزارة في تحسين خدمات النظام الصحي في المؤسسات الصحية.
وفي ظل الزيادة في الحديث عن موضوع الأخطاء الطبية التي قد تصاحب تقديم الرعاية الصحية لا بد من الوقوف امام هذا الموضوع بكل مسئولية للتطرق الى الأسباب والعوامل التي تساهم في حدوث المضاعفات والأخطاء وكذا التعرف على أهم الجهود الوطنية التي تبذلها وزارة الصحة العامة والسكان بالتعاون مع العديد من الشركاء من المنظمات والجهات المهنية والأكاديمية وغيرها لتحديد حجم المشكلة على المستوى الوطني ومن ثم تبني ودعم الحلول المقترحة للحد والتقليل من حدوث الأخطاء الطبية.
مسؤولية مشتركة!!
وفي بداية الأمر يجب التأكيد أن علينا عدم توجيه اصابع الاتهام واللوم الى الأطباء والفئات الفنية كمقدمي الرعاية الصحية في تحمل المسئولية الكاملة عن حدوث الأخطاء الطبية التي قد تصاحب تقديمهم للرعاية الصحية لأنه لا يمكن الجزم في تعمد الطبيب أو الفريق الفني بالقيام بشكل متعمد بإجراء أو تدخل طبي يمكن أن ينتج عنه أذى للمريض أو خطأ طبي أو مضاعفات للمريض ولكن في المقابل يجب علينا جمبعاٍ أن نعمل معا لنعيد النظر في شكل ومكونات النظام الصحي أو نظام المعالجة الطبية المتبع على مستوى كل مؤسسة صحية والذي من خلاله يتم تحديد مهام ومسؤوليات وكذا دور كل فرد من أفراد الفريق الطبي والصحي في المستشفى بل ويحدد آلية المعالجة وطرق التعامل مع كل حالة مرضية يستقبلها أو يشرف عليها وهذا ما يعرف عالميا بالمعايير والبروتوكولات العالمية للمعالجة والتي يجب أن يلتزم بها الأخصائي والطبيب والممرض وموظفو الدواء وأخصائي المختبر وغيرهم من بقية افراد الفريق الطبي والصحي وفقأ للمؤهلات العلمية وقدرات كل عضو في الفريق الطبي والصحي أي بمعنى أن هناك إجراءات وتدخلات طبية لايمكن أن يقوم بها والإشراف عليها إلا من قبل أختصاصي أو استشاري طبي وليس أي مؤهل أقل منه كما أن هناك مهام في الرعاية التمريضية تقدم للمريض لا يمكن أن يقوم بعملها إلا ممرض حاصل على مؤهل جامعي وهكذا وهنا يأتي دور المجلس الطبي الذي نعلق عليه آمالاٍ كبيرة كشريك فاعل لوزارة الصحة العامة والسكان في وضع الآليات للتأكد من أن كل من يقوم على خدمة ورعاية المريض هو بالفعل مؤهل لهذا النوع من التدخل أو الرعاية وذلك من خلال إيجاد نظام لتراخيص الممارسة الطبية بانها فعلا تتفق ومؤهلاته العلمية ونؤكد على أهمية التكامل بين الوزارة والمجلس وكذا النقابات الطبية ونقابة التمريض.
التدريب والتأهيل
كما يجب أن نؤكد على عامل آخر وهو دور المستشفيات حيث لإدارات المستشفيات دور كبير في ذلك من خلال ضرورة دعم جوانب التدريب والتأهيل أثناء الخدمة لمقدمي الرعاية الطبية والصحية وتوجيهها نحو تعزيز وتحديث معارفهم ومهاراتهم العلمية والعملية بما يضمن التزام العاملين بمعايير وسياسات سلامة المرضى أو لتدريب الكوادر الطبية والصحية حول استخدام وتطبيق هذه المعايير والبروتوكولات الطبية والصحية بالإضافة الى عوامل التدريب والتأهيل يجب التطرق الى خطوات اخرى تعمل عليها الوزارة مثل تعزيز نظام أو برامج تدريبية توجيهيه للخريجين الجدد من الأطباء والممرضين الملتحقين بالخدمة الصحية حديثا حيث يجب أن يخضعوا لبرنامج تدريبي توجيهي يتم الإشراف عليهم من قبل أطباء أخصائيين بالنسبة للأطباء حديثي التعيين وكذلك الممرضين حتى يتم التأكد أن هؤلاء حديثي التعيين أصبحوا بالفعل قادرين على تحمل مسؤولية سلامة ومأمونية الرعاية التي سيقدمونها للمرضى كما أن الوزارة تعمل على تحسين وتطوير بيئة عمل الأطباء والممرضين وبقية مقدمي الرعاية الصحية لما له من أهمية وهنا يجب الإشادة بدور قيادة الوزارة وجهودها الكبيرة مع وزارة المالية العمل على زيادة ورفع الموازنات التشغيلية المعتمدة للعديد من المستشفيات الأمر الذي سيمكن المستشفيات من عمل الكثير من هذه الأنشطة وتحسين بيئة وظروف عمل الكوادر الطبية والصحية في هذه المستشفيات .
3محاور رئيسية
ومن الضروري الإشارة الى أنه تبذل جهود لتعميم العمل بمعايير معتمدة لسلامة المرضى والتي تدعم وتعزز اعتبارات وممارسات طبية آمنه في المستشفيات تضمن سلامة ومأمونية الخدمة والرعاية الصحية التي نقدمها للمريض وهذه المعايير عملنا عليها بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وكذا المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة بدول الخليج العربية في إطار مشروع المبادرة الإقليمية للمستشفيات الصديقة لسلامة المرضى وتركز هذه المعايير بمجملها على ثلاث محاور رئيسية لسلامة المرضى وهي مكافحة العدوى المكتسبة في المستشفيات – والممارسات الطبية غير الآمنة وايضا الأخطاء الدوائية وهذه المحاور تعالج الكثير من أسباب وعوامل حدوث الأخطاء الطبية كما تحتوي على العديد من المبادرات الدولية لسلامة المرضى مثل تشجيع تنفيذ حملات وطنية لتحسين نظافة وغسل اليدين في إطار جهود مكافحة العدوى في المستشفيات وكذا تحسين التدخلات الجراحية من خلال تنفيذ أنشطة تتعلق بالجراحة الآمنه بحسب توصيات منظمة الصحة العالمية بهدف تحسين مخرجات الرعاية الجراحية هذه المعايير هي الآن في مرحلة التطبيق الاختباري في مستشفى الوحدة التعليمي – في عدن منذ نوفمبر 2009 م بموافقة الأخ معالي وزير الصحة العامة والسكان أ.د عبد الكريم يحي راصع وكذا سعادة د. غازي أحمد إسماعيل وكيل الوزارة لقطاع الطب العلاجي وبالتعاون مع المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية وأؤكد بأن كل المؤشرات والمعطيات تؤكد على إيجابية أثر تطبيق هذه المعايير في تحسين الرعاية الصحية وسلامتها بشكل كبير في المستشفى حيث يؤكد العاملون في المستشفى بأن تطبيقهم والتزامهم بهذه المعايير ساهم كثيرا في رفع وزيادة الوعي العام لدى العاملين حول أهمية الأخذ بعين الاعتبار سلامة المرضى وتجنب حدوث الأخطاء الطبية أثناء تقديم الرعاية الصحية للمرضى وكذا تصحيح ممارسة العديد من الإجراءات الصحية في رعاية المرضى.
الرقابة غائبة
أما الدكتور عبد الله الاسطى استشاري جراحة المخ والاعصاب والعمود الفقري فيقول: بأن بعض الأطباء الذين يعملون في المستشفيات الخاصة منها والعامة يحملون مؤهلات غير مناسبة و يعملون فقط بالخبرة ويفتقرون إلى المؤهل العلمي في ذلك التخصص. إضافة إلى أن رغبة بعض الاطباء في الكسب المادي فقط وعدم وجود رقابة قادرة على ردع مرتكبيها بالإضافة إلى غياب ضوابط العمل للأطباء الخاصة بإجراء العمليات.
ويحمل الدكتور عبدالله الأسطى وزارة الصحة العامة والسكان مسؤولية حدوث مثل تلك الأخطاء قائلاٍ: انعدام مبدأ الثواب والعقاب وغياب المسؤولية في متابعة الأطباء وأعمالهم والنزول الميداني إلى المستشفيات وكل هذه المهام التي تحملها وزارة الصحة يلعب دوراٍ مهماٍ في حصد العديد من ضحايا الأخطاء الطبية في بلادنا.
ويرى أن الحل يكمن في محاسبة مثل أولئك الأطباء وقد يكون الخطأ وارداٍ في عالم الطب.. لكن أن يخطئ طبيب ليس له أي مؤهل في ذلك المجال هنا يجب أن يحاسب ويحاسب أيضاٍ من أعطاه وسهل له ممارسة مهنة الطب من خلال تفعيل الرقابة من الدولة على المستشفيات العامة والخاصة وتصنيف الأطباء حسب التخصصات والخبرة والكفاءة وان لا يجري أي طبيب أية عملية جراحية إلا في مجال تخصصه العلمي ما لم سيتعرض للمساءلة القانونية من الجهات المختصة.
وأشار د.الأسطى إلى أنهم بصدد تكوين لجنة لمحاسبة وكشف الأخطاء الطبية مكونة من أطباء مشهود لهم بالكفاءة وكذا محامين وإعلاميين.. لكنهم لم يتمكنوا إلى الآن من إخراج التصريح الخاص بتلك اللجنة.
أسباب أخرى
الدكتور ناجي الحاج يقول:
ظاهرة الأخطاء الطبية في اليمن يمكن أن نقول أنها قد غلفت بكثير من الأسباب غير المنطقية كالتحجج بأسباب واهية نتيجة الإهمال وعدم المتابعة والمعرفة السليمة أو نتيجة الجهل وعدم كفاءة الطبيب وعدم توفر الإمكانات اللازمة للقيام بالمهمة الطبية المحددة أو شحة الإمكانات وقد يكون ناتجاٍ عن جهاز أو ربما إصابة المريض بمضاعفات وصل بالبعض إلى إلقاء الحجج على الكهرباء وتكرار انطفاءها.
ويتابع: فيما بعض الأطباء يعزون سبب كثرة الأخطاء للرواتب والمعيشة الصعبة التي يعيشها البلد وللعلم أن الأطباء أفضل حالاٍ من كثير من المواطنين ومسألة التحجج بهذه الجزئية لا شك أنها تحسب ضد الطبيب كون الطبيب قد قبل العمل في المستشفى بذلك الراتب وعليه أن يؤدي عمله مقابل ما يتسلمه طالما أنه لم يكن مجبراٍ على العمل.
ويضيف: من الأسباب التي تؤدي إلى كثرة الأخطاء الطبية العمل في أكثر من موقع واللهث وراء الكسب وهناك الأخطاء في المستشفيات الخاصة وضعف الرقابة الصحية وأيضاٍ عدم وجود لوائح واضحة ومحددة ومطبقة في المستشفيات وما يصاحب ذلك من ضعف الأداء في المستشفيات الحكومية..
ولعل من أكثر المفاسد التي تتم في هذا القطاع أن هناك مستشفيات خاصة تستقدم عمالة أجنبية ويتضح بعد برهة من الزمن أن كثيراٍ منهم يمارس الطب فيما تخصصه بعيد عن هذا المجال وأن هناك بعضاٍ ممن استقدموا يحملون شهادات في التمريض ويمارسون عمليات كبرى.
دكاترة أجانب غير مؤهلين
ومما لا شك فيه أن كثيراٍ من الأخطاء الطبية سجلت على أيدي دكاترة أجانب يعلل الدكتور أكرم السقاف – مستشفى الكويت – هذا السبب كون إيمان أغلب المرضى بالدكتور الأجنبي أكثر من الطبيب اليمني.. ويضيف: الطبيب الأجنبي يتعاقد مع المستشفى ويستلم ما يقارب من 2500دولار ويمنع التعاقد مع الطبيب اليمني ومعه نفس المؤهل وربما أعلى من ذلك.
أمور يدركها الأطباء فقط
ويقول المحامي أسامة عبد الإله سالم الأصبحي رئيس مؤسسة العدالة للمحاماة: الأخطاء الطبية من القضايا التي كثرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير على المحاكم ولا أقدر على تحديد كم هي فهذا يعود على وزارة الصحة ويرجع ذلك لغياب عدد من العناصر المهمة التي تتيح التعامل مع قضايا الأخطاء الطبية بدقة علمية عالية ورقابة ومتابعة مفروضة تمنع وجود المجاملات بين الأطباء الذين يقومون بكتابة التقرير وزملائهم الأطباء في المستشفيات بالإضافة إلى أن قضايا الأخطاء الطبية تتعلق بأمور علمية دقيقة يجهلها عامة الناس ويدركها الأطباء المختصون فإنه يتم في هذه النوعية من القضايا اللجوء إلى التقارير الطبية لإثبات وجود ضرر من عدمه أو تحديد الضرر ونسبة العجز وغيرها من الأمور الطبية التي تختلف وفقاٍ للحالة المنظور فيها وهو ما يعتمد عليه مختلف الأطراف من قضاة ومحامين ومتضررين ومهتمين لإثبات الخطأ أو نفيه بالرغم من حساسية تلك القضايا وأهميتها باعتبارها متعلقة بصحة الانسان وحياته.
حلول
ويوضح الأصبحي: لابد من وجود تشريعات قانونية وتكون خاصة بالأخطاء الطبية كحماية للمريض والطبيب وللمحامي والقاضي وتحدد التعويضات المالية للمتضررين من الأخطاء الطبية وعدم تركها وفقاٍ لتقديرات القضاة وتكون رادعة لبعض المستهترين بحياة الناس وصحتهم وسلامتهم . ففي الوقت الحالي القانون العام هو القانون الذي نرجع له وهذا غير صحيح فالقوانين الرادعة تعمل على الحد من زيادة هذه القضايا حيث يتم تحديد العقوبات المناسبة حسب نوع الخطأ الذي قام بارتكابه الطبيب والأضرار المادية والمعنوية التي نتجت عنها أو لحقت بالمتضرر .
مآس
ويضيف: هناك مآس كثيرة كقضية الطفل عبدالقاهر الذي بتر عضوه الذكري في عملية ختان خاطئة والطفلة أميمة التي شلت بسبب عملية في عمودها الفقري وغيرها الكثير من القضايا التي لا يتسع المجال لذكرها.
وبما أني محام ومترافع في كثير من قضايا الاخطاء الطبية أشير إلى أن تكون اللجان الطبية في المحافظات مستقلة لا تخضع لمكاتب الصحة أو الوزارة وإنما تخضع لوزارة العدل ومراقبتها لتجنب وقوع أخطاء من قبل اللجان غير المختصة والتي تضيع مع تقاريرها العائمة حقوق المريض المتضرر وأيضا أن يكون المجلس الطبي الاعلى تابعا لوزارة العدل أو لمجلس القضاء الأعلى لكي يعمل بحيادية تامة لمصلحة المريض أو الطبيب .
غياب القانون
أما المحامي عمار الأهدل فيقول: لا يوجد حتى اليوم قانون خاص بهذه القضية ولكن هناك اعتماداٍ على بعض القوانين ذات العلاقة فالقانون المدني مثلاٍ يمكن أن يؤخذ منه في التعويضات المدنية ويؤخذ من قانون الجرائم والعقوبات عندما يتم التحقق من وجود جريمة جنائية وكذا ينظم إجراءات تقديم الدعوى الجزائية قانون الإجراءات الجزائية لكن قانون إنشاء المجلس الطبي الأعلى التابع لرئاسة الوزراء الآن هو المختص لاسيما بعد تسمية أعضاء جدد له في 2010م وهو يقوم بنظر الدعاوى بوجود الأخطاء الطبية وبعدها يتم إرسال القضية للنيابة عندما يتضح أن هناك خطأ طبيا يمكن مساءلة الطبيب أو المستشفى عليه جنائياٍ.
تقرير عالمي
ذكر التقرير الخاص بالصحة في العالم الصادر عن منظمة الصحة العالمية للعام 2010م بأن الأخطاء الطبية تكلف مالاٍ كما أنها تسبب معاناة. وبسبب نقص البيانات الوبائية الموثوقة فإن مدى انتشار وحجم الأخطاء الطبية على مستوى العالم غير معروف. إلا أن التقديرات تشير إلى أن واحداٍ من بين كل عشرة مرضى في البلدان المتقدمة يحدث له ضرر أثناء تلقيه الرعاية بالمستشفيات وقد يكون العدد أكبر بكثير في البلدان النامية. ويعاني 1.4 مليون شخص في شتى أنحاء العالم في أي وقت من الأوقات من العدوى التي تكتسب في المستشفيات. ومن غير المعروف كم يكلف ذلك السلطات غير أن دراسة أجريت في عام 1999 أشارت إلى أن الأخطاء الطبية التي يمكن تلافيها قد تقتل نحو 98000 شخص كل عام في الولايات المتحدة الأميركية بما تتراوح تكلفته ما بين 17 و 29 بليون دولار أميركي. ومن التدابير البسيطة للحد من الأخطاء الطبية التشجيع على نظافة الأيدي وكذلك تعزيز ممارسات الحقن المأمون وأيضاٍ التأكد من دقة التشخيصات.
ومن الإجراءات البسيطة أيضاٍ والمنقذة للحياة استخدام القوائم التفقدية التي دعت إليها مبادرة منظمة الصحة العالمية: الجراحة المأمونة تنقذ الحياة فقد تحققت نتائج مذهلة من استخدام القوائم التفقدية ولاسيما في ميتشيغان بالولايات المتحدة الأميركية حيث سعت مبادرة طرحت على مستوى الولاية بكاملها إلى الحد من عدوى مجرى الدم المرتبطة بالقثطار بإعداد قائمة تفقدية قصيرة والبدء في استخدامها. والقائمة التفقدية من بين أشياء أخرى مكِنت الممرضات من التأكد من أن الأطباء يتبعون الإجراءات كما ينبغي. وقد انخفضت حالات عدوى مجرى الدم في جميع وحدات الرعاية المكثفة المشتركة في هذه المبادرة إلى 1.4 حالة لكل 1000 يوم من أيام استخدام القثطار وهو أقل من 20 % من المعدل الذي كانت تحدث به هذه العدوى قبل تطبيق استخدام القائمة التفقدية مما أدى إلى إنقاذ 1800 روح على مدى أربع سنوات. ويمكننا أن نجد الآن مبادرات القائمة التفقدية مطبقة في عديد من البلدان من بينها الصين والأردن وتايلند والمملكة المتحدة.
ومن الأساليب الجزائية (التي يمكن أن تثير الجدل) للحد من الأخطاء الطبية وقف المدفوعات بسبب الأخطاء. ويجري اختبار هذا الأسلوب في الولايات المتحدة الأميركية حيث أوقف برنامج (مديكيرMedicare -) وهو برنامج التأمين الاجتماعي الذي تقدمه الحكومة والذي يوفر التغطية الصحية للسكان البالغين من العمر 65 عاماٍ فأكثر أوقف منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2008 تعويض المستشفيات عن حالات ما يطلق عليها «أحداث لا عذر فيها» وهي تلك الأخطاء الطبية التي يرى البرنامج أنه «يمكن توقيها بشكل معقول». وتشمل الأخطاء الأساسية مثل إجراء الجراحة على الجزء الخطأ من الجسم غير أنها تشمل أيضاٍ المضاعفات مثل قرحات الفراش الوخيمة وبعض الإصابات المحددة التي يسببها سقوط المرضى.
ويأمل برنامج مديكير من خلال رفض الدفع بسبب الأخطاء تقليص الوفيات المقدرة ب 98000 وفاة التي تحدث كل عام بسبب الأخطاء الطبية..