الطيب الصالح .. والجاهلية الجديدة!
حسن عبد الوارث
Wareth26@hotmail.com
> “أنا مندهش وحزين”!!
هذا ما قاله الأديب السوداني الفذ الطيب الصالح إثر سماعه نبأ القرار السلطوي الجاهلي الشاذ بحظر التعاطي مع روايته الشهيرة “موسم الهجرة إلى الشمال ” في الجامعات والمدارس السودانية قبل نحو عقد ونصف العقد من الزمن !!
ولم يكن الطيب الصالح وحده “مندهشاٍ وحزيناٍ ” حينها إنما كانت هذه حال جميع الأدباء بل والقراء أيضاٍ .. فالرواية- التي صدرت العام 1966- ظلت مثار إعجاب كل من قرأها ومحل تقدير كل من تناولها بالنقد أو الدرس.. وهي إحد بضعة أعمال روائية عربية تشكل اليوم أبرز ملامح التفوق – الفني والموضوعي – في مسار الرواية العربية المعاصرة.. بل اعتبرت واحدة من أهم مائة رواية صدرت حتى الآن على مستوى العالم كله ..كما ترجمت الرواية إلى عدة لغات بينها الإنكليزية والفرنسية .. وتقرِر تدريسها في أعرق الجامعات السودانية والعربية ..وأ ْنجزت حولها عدة رسائل ماجستير ودكتوراه .. وحْرِرت بشأنها مئات الدراسات والمقالات والكتابات المختلفة..
وبعد هذا كله جاء – في ذلك اليوم الأسود – مشائخ الجاهلية الجديدة ليقرروا أن هذه الرواية – التي طبقت شهرتها الآفاق لروعتها الفنية وتميْزها الموضوعي – تثير الفجور وتسخر من القيم العربية والإسلامية وإنها مْخلِة بالآداب !!
وليلاحظ القارئ العزيز كيف اصبحت هذه “التهمة” سهلة النطق و سريعة الانتشار في هذا العصر حيث التكفير والتخوين والترهيب والوصم بالاباحية والاخلال بالآداب هي من أكثر السلع رواجاٍ لكنها – بالطبع – من أكثرها كساداٍ في الوقت نفسه وبصورة فريدة للغاية !
ففي مثل هذا العصر – عصر الثورة الاتصالية الكونية – يصبح مجرد التفكير بمصادرة كتاب ضرباٍ من الحماقة الخارقة .. فالكتاب – مثل اية مادة معلوماتية – سيجد طريقه بألف وسيلة ووسيلة الى يد وجيب وعين القارئ.. فلم تعد ثمة موانع قادرة على سد منافذ المعرفة في ظل هذا الانفجار المعلوماتي – الاتصالي – الهائل ..
غير ان دعاة الجاهلية الجديدة لا زالوا يمتطون الناقة ويمتشقون السيف ويفترشون الوبر ويلتحفون بالبداوة ولا زالوا يتعاطون مبدأ الوأد ومنطق الفضيحة ولغة العار وهي – كلها – غدت اليوم غير موجودة في سواهم .. فهم فضيحة هذا العصر وعار القرن المقبل !!
وقد رحل الطيب صالح ساخراٍ من مشائخ الجاهلية الجديدة .. دهاقنة العصر وسدنة الخطيئة!!<
الطيب الصالح .. والجاهلية الجديدة!
التصنيفات: ثقافــة