حثت هيئة علماء اليمن أبناء اليمن على جمع الكلمة وتوحيد الصفوف والحفاظ على أمن واستقرار البلاد جاء ذلك في بيان صادر عن الهيئة يتعلق بالوضع الراهن في البلاد محرراٍ باثني عشر بنداٍ وإليكم نص البيان:
الحمد لله رب العالمين القائل ((واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا)) (آل عمران : 103) والقائل ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)) (الأنفال :46) والقائل : ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) (الرعد :11) والصلاة والسلام على رسول الله القائل ” تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم يهما كتاب الله وسنة نبيه” الموطأ (2/899 ) وبعد:
فإن علماء اليمن يتابعون ما تشهده الأمة العربية اليوم من أحداث متسارعة وأزمات كبيرة وفساد عام في الجوانب المختلفة من ظلم وذل وفقر وبطالة وتنازع وتمزق وضعف بسبب البعد عن الله تعالى وعدم التحاكم إلى شرعة الله وظهور المنكرات والمعاصي قال تعالى ((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)) الأمر الذي جعل بعض الشعوب تثور على حكوماتها وأنظمتها كما حدث في الثورتين الشعبيتين الرائدتين السلميتين في تونس ومصر اللتين أفضتا في النهاية إلى إقامة حكومتين انتقاليتين مؤقتتين لتصريف أمور البلاد والإشراف على انتخابات حرة ونزيهة يتمكن فيها أبناء البلدين من اختيار نوابهم وحكامهم وقد كان لهاتين الثورتين أثرهما على بقية البلدان والشعوب العربية ومنها اليمن غير أنه صاحب هاتين الثورتين قمع واعتداء وسفك للدماء وإزهاق للأرواح فهل نستطيع يا أبناء يمن الإيمان والحكمة تحقيق ما تطمح إليه الشعوب من إصلاح للأوضاع وإقامة للعدل ورفض للظلم والاستبداد وإرجاع الحقوق إلى أهلها دون حصول تلك الأحداث المريرة والمؤلمة التي صاحبت الثورتين¿! نعم نستطيع ذلك بعون الله تعالى وتوفيقه- إذا ماا لتزم أبناء يمن الإيمان والحكمة حكاماٍ ومحكومين بما يقتضيه الشرع وتبينه هيئة علماء اليمن في ما يلي:
أولاٍ: حسن الصلة بالله تعالى والتوبة من الذنوب كبيرها وصغيرها والعمل على إزالة المنكرات في جميع المجالات وإشاعة الأخوة الإيمانية فيما بينهم وتعظيم حرمات الله تعالى وحرمات المسلمين في دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
ثانياٍ: الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة واحتكام جميع أبناء اليمن حكومة وشعباٍ في كل شيء يتنازعون أو يختلفون فيه إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لقوله تعالى (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت واليه أنيب) (الشورى :10) وقوله تعالى :(ياأيها الذين أمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرَ وأحسن تأويلاٍ) (النساء 59) فالكتاب والسنة هما المرجعية لكل المسلمين حكاماٍ ومحكومين عند التنازع والاختلاف والتمسك بهما والتحاكم إليهما وتطبيقهما في كل المجالات هو دليل الإيمان وشرطه قال تعالى : ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاٍ مما قضيت ويسلموا تسليماٍ)) (النساء 65) وهو الضمان الحقيقي للحفاظ على وحدة الصف والأمن والاستقرار لقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فيمن يترك الاحتكام إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ” وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ” رواه ابن ماجه.
ثالثاٍ:جمع كلمة أبناء اليمن وتوحيد صفوفهم والحفاظ على أمن البلاد واستقرارها وترك كل ما يؤدي إلى أحداث الفرقة والنزاع وإثارة الفتنة وإيقاع العداوة والبغضاء وإثارة النعرات الجاهلية والعصبيات الطائفية والمناطقية مذكرين بأن اليمن شعب واحد ربهم واحد ودينهم واحد لا تفرقهم طوائف ولا أعراق وإنما تجمعهم إخوة الإيمان والإسلام قال تعالى :(إنما المؤمنون اخوة ) (الحجرات :10) وقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا التقوى هاهنا ـــ ويشير إلى صدره (ثلاث مرات ) بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله”رواه مسلم.
رابعاٍ : دعوة جميع أبناء اليمن من سائر القيادات والزعامات والقوى والفعاليات من جميع المحافظات والمناطق والقبائل اليمنية لعقد مؤتمر وطني جامع لتدارس أوضاع اليمن الحاضرة والاتفاق على الحلول لمشاكلنا الراهنة و التوافق على تشكيل حكومة إجماع وطني مؤقتة من أهل الكفاءات بحيث تكون متوازنة توزع فيها الحقائب الوزارية السيادية بين الكفاءات من أبناء المجتمع اليمني حتى لا يكون فيها هيمنة لطرف على آخر وذلك لتسيير أعمال البلاد وتقوم بالأشراف على تمكين الشعب من اختيار نوابه وحكامه برضاه وفي أجواء حرة ونزيهة وآمنة واتخاذ الإجراءات والضمانات التي تحقق ذلك خاصة وقد تضمنت خطابات رئيس الجمهورية مما يؤيد مضمون ذلك ورفضه مبدأ التوريث والتمديد.
خامساٍ: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية واجب شرعي سواء مورس بطريقة فردية أو جماعية كالتجمعات والاعتصامات وسائر الفعاليات الجماعية والمظاهرات السلمية التي لا اعتداء فيها على مال أحد أو عرضه أودمه أو أي ممتلكات عامة أو خاصة ويجب على الدولة أن تقوم بواجبها في حماية هذا الحق وضمان ممارسته ولا يجوز لها أن تمنع أحداٍ ممن ممارسة هذا الحق فضلاٍ عن الاعتداء عليه أو اعتقاله وكل اعتداء بالضرب أو القتل أو غيره هو جريمة عمدية لا تسقط بالتقادم يعاقب عليها الآمر والمنفذ وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حرمة الدماء بقوله :(لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماٍ حراماٍ) رواه البخاري وقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم(لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم ) أخرجه الترمذي ولا يجوز الطاعة لأحد يأمر بهذه المعصية لقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” رواه الترمذي كما ينبه علماء اليمن بأنه لا يحق لأي مظاهرة أخرى مخالفة أن تتجه إلى نفس مكان المظاهرة الأولى منعاٍ للفتنة وصيانة للدماء وكذلك يحرم أي اعتداء بالضرب أو القتل أو غيره على القوات المسلحة والأمن فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
سادساٍ : إصلاح القضاء وفق أحكام الشريعة الإسلامية وسرعة اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المبدأ الدستوري الذي ينص على استقلاله كما نصت على ذلك المادة (149) من الدستور ” القضاء سلطة مستقلة قضائياٍ ومالياٍ وإدارياٍ ويمكن القضاة من الاختيار الحر لمجلس القضاء الأعلى .
سابعاٍ : منع أي توقيف أو اعتقال تعسفي وحظر تعذيب السجناء جسدياٍ أو نفسياٍ أو معنوياٍ اتقاء للظلم ودعوة المظلوم كما قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب” وقد نص الدستور في المادة (48) بأن الدولة تكفل للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم وتحظر التعذيب بكافة صورة وأشكاله ووجوب إطلاق سراح جمع المعتقلين والسجناء خارج القضاء.
ثامناٍ : محاسبة من باشر و تسبب بضرب أو قتل المتظاهرين سلمياٍ أو الصحفيين والإعلاميين وكذا محاسبة كل من ثبت قضاءٍ اعتداؤه على الممتلكات الخاصة والعامة في الأحداث الأخيرة أو اعتدى بضرب أو قتل على أفراد الشرطة والجيش وسرعة إطلاق سراح المعتقلين على ذمة المظاهرات والاعتصامات السلمية .
تاسعاٍ : ضرورة التعجيل بما يلي :
1- سحب وإلغاء جميع الإجراءات الانفرادية التي أدت إلى تأزيم الأوضاع.
2- إقالة كل الفاسدين والعابثين بمقدرات الأمة ومحاسبة من ثبت قضاء في حقهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
3 – تشكيل لجنة متفق عليها من العلماء والقضاة المشهود لهم بالنزاهة والصلاح يستعينون بمن يرونه من الخبراء والمختصين للبت في قضايا النزاع بين جميع الأطراف .
عاشراٍ : ضمان جميع الحقوق والواجبات والحريات للرجال والنساء في ضوء الشريعة الإسلامية .
أحد عشر : إعادة دعم السلع الأساسية والنفط ومشتقاته لرفع المعاناة عن أبناء الشعب وعدم إثقال كاهل المواطن بالضرائب .
اثنا عشر : التعامل مع جميع المواطنين في كل أنحاء اليمن بالسوية وإزالة أي صورة من صور التمييز الحزبية أو القبلية أو المناطقية أو أي عصبية جاهلية وإقامة العدل وإزالة الظلم ورد الحقوق وإيصالها إلى أهلها ومحاسبة المفسدين.
وختاماٍ فإن هيئة علماء اليمن تؤكد على ما يلي :
1- دعوة كافة القوى الخارجية إلى الالتزام باحترام السيادة اليمنية والالتزام بالقوانين الدولية التي تمنع التدخل في الشئون الداخلية للدول.
2- دعوة جميع أبناء الشعب اليمني المسلم الغيور حكاماٍ ومحكومين إلى الالتفاف حول ما جاء في هذا البيان والعمل على نشره وتبيينه وشرحه ودعوة الجميع لرفع أصواتهم بالمطالبة بما ورد في هذا البيان نصحاٍ للأمة ودراءاٍ للذمة ورفع العرائض الموقعة من أبناء الشعب وتسليمها لهيئة علماء اليمن تأييداٍ لما جاء في هذا البيان وحثاٍ لجميع القوى بالإلتزام بما ورد فيه .
3- دعوة أخوانهم مشايخ القبائل اليمنية وجميع وجهاء واعيان أبناء الشعب اليمني لتأييد هذا البيان.
4- دعوة جميع أبناء الأمة الإسلامية وفي مقدمتهم العلماء والدعاة والهيئات والمنظمات والجمعيات الإسلامية لمساندة موقف علماء اليمن بالدعاء والتأييد.
وستظل هيئة علماء اليمن في متابعة دائمة لتطورات الأحداث على الساحة اليمنية.. سائلين الله تعالى أن يجنب اليمن وسائر بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
صادر عن هيئة علماء اليمن
صنعاء بتاريخ الاثنين 18 ربيع أول 1432هـ الموافق 21/2/2011م..