لقد أثبتت العديد من الدراسات العلمية التي أجريت على وسائل الاتصال الجماهيري ومنها الصحافة بأنه يمكن استخدام الصحافة للخير والتطور والبناء وخدمة أفراد المجتمع وبالعكس من ذلك يمكن أن تكون أداة من أدوات الهدم والشر لتخريب قيم المجتمع وأخلاقه كما أن الصحافة إحدى أدوات ممارسة السياسة ذلك أن الدفاع إعلامياٍ عن قضية أو مبدأ أو رأي يعد مسؤولية وطنية وربما تكون قومية في المقام الأول.
وتصحيح صورة ما لبلد أمام الرأي العام المحلي والعالمي مسؤولية أيضاٍ كما أن معالجة الانتقادات ومشاعر عدم الثقة والإحباط كلها أعمال من مسؤوليات العمل الصحفي ولكن هذه المسؤوليات يجب أن تكون أداة لممارسة الدبلوماسية والديمقراطية الشعبية والاتصال بالمؤسسات التي تضع السياسة أو تؤثر في عملية اتخاذ القرار وتوجيه الرأي العام ونقل المعلومات وتظل ممارسة حرية التعبير وإبداء الرأي بالوسائل السلمية هي الحلم الذي يراود الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها والارتباط القائم بين التعددية الحزبية والتنوع الصحفي ارتباط وثيق فإذا ما تحقق للصحافة حرية الرأي والتعبير بصورة أفضل والتنوع بمختلف أشكاله فهي التي تعكس بالضرورة طبيعة المجتمع الذي توجد فيه.
إن حرية الرأي والتعبير في الصحافة ترتكز أساساٍ على المناقشات والمحاورات وليس على فرض وجهة النظر الواحدة أو الرأي الواحد من القمة إلى القاعدة لأن الهدف الأسمى للصحافة هو إحراز تقدم للإنسان وتمكينه من تحقيق حرياته ومساواته وتحقيق العدالة كما أن حرية الصحافة هي الأسلوب الأمثل لتحقيق حرية الإنسان وتوفير حياة كريمة وطيبة له.
ومن الأمور التي يجب الإشارة إليها هنا هي الارتباط الوثيق بين الظاهرة الإعلامية والرأي العام فوسائل الاتصال الجماهيري من صحف وإذاعة وتلفزيون لها تأثير كبير على جمهور المواطنين وتوجيههم الوجهة التي تريدها فضلاٍ عن ذلك فإن الصحافة وثيقة الصلة ببناء المجتمع ككل وتتأثر تأثراٍ مباشراٍ بالأوضاع الثقافية والاجتماعية والتنظيمات السياسية والبنى الفكرية السائدة في المجتمع وهذه العوامل تتدخل ليس في رسم السياسة الإعلامية للصحيفة وفي تحديد الأهداف العملية للصحيفة فحسب بل في اختيار المادة الصحفية.
وإذا كان جل الكتابات الصحفية تحاول التمييز بين ثلاثة أهداف رئيسة للصحافة هي: نقل وتوصيل المعلومات للآخرين ومحاولة التأثير في أفكارهم وآرائهم وتشكيلها ثم الترفيه والتسلية لتمضية أوقات الفراغ فإنه يجب التأكيد على تداخل هذه الأهداف وتفاعلها.
وسواء كان محتوى المادة الصحفية وهدفها هو الكشف عن أهم الاتجاهات والآراء والمواقف السائدة بالفعل في المجتمع أم إصدار (تعليمات) وتوجيهات تعبر عن سياسات وأفكار معينة تريد الدولة من خلال صحفها الرسمية نشرها بين الناس لتغيير الآراء السائدة فعلاٍ بينهم. وتباينت الأنظمة السياسية في الوطن العربي في اعتمادها على نظم صحفية معينة تتناغم مع سياسة كل نظام سياسي مما يصعب تصنيفها تحت مظلة نظام صحفي محدد فانعكس ذلك على مساحة الحرية المتاحة في الوطن العربي.
وفي اليمن برزت خلال السنوات الماضية من عمر دولة الوحدة وجهات نظر مختلفة تعكس نوع العلاقة القائمة بين الصحافة والحكومة وأسفرت وجهات النظر عن وجود أنواع عديدة لطبيعة العلاقات القائمة من أبرزها الأنواع الآتية:
النوع الأول: علاقة الخصومة: وتعني أن تكون الصحافة مناوئة للحكومة وذات حجج مضادة وتشكل علاقة الخصومة محوراٍ أساسياٍ لنجاح الرسالة الإعلامية للصحيفة وتحقيق مصالحها.
النوع الثاني: علاقة تكامل: تبرز علاقة التكامل في ما تقدمه الصحافة من دعاية سياسية والنشاط الدعائي ضروري ومكمل لسلطة الحكم ولا تستطيع أية حكومة أن تكسب شعبيتها من دون تأييد وسائل الإعلام لسياستها.
النوع الثالث: العلاقة التبعية »الوكيل«: في علاقة التابع بالمتبوع تجعل الصحافة نفسها (كوكيل للحكومة) من خلال نشر سياستها والترويج لأنشطتها وينشر هذا النوع من العلاقة التبعية في مجتمعات الدول النامية بينما لا يرحب الصحفيون في مجتمعات التعددية الصحفية بمثل هذا الدور.
النوع الرابع: الالتزام الذاتي (إعلام المجتمع): ويرافق هذا النوع من النشاط الصحفي التزامات مهنية وأخلاقية ويترتب عليها مسؤوليات حيال المجتمع كالتزام ذاتي وذلك من خلال تنظيماتهم النقابية والقواعد التي سنوها لأنفسهم.
❊ استاذ الاعلام والاتصال جامعة صنعاء