أكتب بأنني أعشق المطر ورائحة العشب والأرض المروية ورؤية العشب المغسول والطرقات الندية المطر يغسل الأشياء يمنحها الصفاء البهاء المنطفئ تحت وطأة الزمن.
حين تبدأ قطرات المطر تتساقط ألبس عباءتي وأشد الحجاب على رأسي وأركض على الأرصفة اللامعة أشعر بأنه يرويني هذا القادم من عند ربي يضخ نبض الفرح في شرياني ويعطيني الإحساس بالامتلاء أضغط على مفتاح الإرسال في زاوية صغيرة على اليسار تظهر كتابة بأحرف صغيرة بأن الطرف الآخر يكتب رسالة بعد لحظات تتقافز الأحرف زرقاء نقية على الشاشة كأنها مغسولة بماء البحر.
يكتب رومانسية مجنونة أنت أنا أحب المطر ولكنني لا أحب البلل أنظر إليه عبر النافذة وأتمنى أن ينقطع بسرعة. يد صديقتي زميلتي في العمل تربت على كتفي وتقول:
– كفاية شات لقد أدمنت الدردشة مع هذا الرجل.
أغلق مربعات الحوار أمامي على الشاشة أغلق الجهاز أضع رأسي بين يدي أفكر لقد أدمنت الشات معه أدمنت عيوني هذه الأسطر الفيروزية السابحة في فضاء النت أدمنت هذه اللحظات التي تفتتني إلى شظايا تأخذني إلى عالم نشوة هش سرعان ما أهبط منه تتلقفني مخالب أفكار قاسية ويدميني الإحساس بالذنب ما الفرق بين هذا المتواري خلف الأميال والرجل الذي أعيش معه تحت سقف واحد..¿
صوت زميلتي يخرجني من بحيرة أفكاري. صديقتي عاشت تجربة زواج قصيرة انتهت بطلاق مؤلم كلنا نعبر حافة الألم منا من يغوص في الأعماق أو يطفو على السطح هي نفوسنا القوية أو الهشة والمستهلكة بأفكارنا السلبية أو متوقدة بإرادتنا القوية تسألني بحنق..
– هل تفهمينني¿
أسأل نفسي لو أقول لها بأنه إحساس مشبوب بخوف دفين من المجهول إحساس بالنصر والهزيمة معاٍ تحت سقف منزلي أنا زوجة وأم وخادمة في المنزل وموظفة امرأة تلبس مختلف الأدوار دمية متيبسة في قالب يحمل اسمي. نسيت وجهي وزجاجات عطوري وألوان أظافري وتلك الحلي المبعثرة وأثوابي الجميلة العالقة في الدولاب كأنها تخص غيري أشعر بأني امرأة مرهقة فقدت ذاكرتي مع هذا السباق الماراثوني الذي يبدأ منذ ساعات مبكرة من كل يوم في المطبخ لإعداد الإفطار والركض وراء الأطفال للحاق بباص المدرسة وإعداد نفسي للحاق بباص العمل. وأجد نفسي أدور مثل ساعة الحائط وحين يأتي المساء تنفد كل طاقتي معنوياتي أضع رأسي على الوسادة وأستسلم لأشرعة النوم اللذيذ وعلى أجنحة النوم أجوب الجزر النائية الماطرة جاء صوت صديقتي وهي تقف عند باب مكتبها تقول:
– إنه زوجك يقول بأن هاتفك مغلق..
أنـــــظر إلى هاتــــفي جــــثة هامــــدة ملقاه بإهمال..
تضيف..
– إنه سيأتي لأخذك بعد قليل..
أحسست بسحابة ثقيلة تهبط على نفسي إنه لم يتعود أن يعرج على موقع عملي ما الجديد. انتظرته عند بوابة الشركة كان يبتسم على غير عادته كانت السماء مثقلة بالغيوم والرعد بدأ يزمجر وسيوفه اللامعة تشق كبد السماء انسابت سيارته بهدوء ورذاذ المطر يسقط على الزجاج الأمامي للسيارة وأنا أكبح جياد رغباتي أن تصهل تحت المطر أوقف السيارة وسمعت صوته..
– تفضلي أنت رومانسية مجنونة تفضلي مارسي طقوسك تحت المطر.
أحسست بصاعقة ضربت رأسي أنظر إليه بذهول غير مصدقة سقط صمت ثقيل بيننا شعرت بضجيج قلبي وإيقاع المطر على الزجاج الأمامي كسياط تنزل على روحي..
– الأولاد يحبون الدردشة فكنت أبعث لهم النكات والطرائف ووجدتك تدخلين في الخط ولم أشأ أن أخبرك بهويتي.
كان المطر يزداد كثافة والماسحات تعمل جاهدة لتنقية الرؤية.
– بإمكانك أن تمارسي طقوسك الوحشية.
كان المطر يزداد كثافة ويرسل موسيقاه المحببة إلى نفسي نفسي تتوق أن أترجل وأبدأ رقصتي وأستسلم له بروحي وجدت يده تمسك يدي وعيناه ترسل ألقاٍ رائقاٍ يمسح صدأ الإرهاق عن عمري أغمضت عيني.
– بماذا تفكرين..¿
كان حنان قلبه المتدفق في صوته ولمسات يده على يدي يمدني بذلك التواصل الروحي كأننا نكتشف بعضنا وتتوهج روحي بهذه الشرارة العاطفية وأتمنى أن تدوم طويلا.
– أشعر بأنني ارتويت حقاٍ..
– ما رأيك أن نذهب إلى المنزل ونأخذ الأولاد وأدعوكم إلى مطعم فكري كيف ستقضين اليوم.
مرت لحظات وازداد الصمت كثافة صف طويل من السيارات يسير ببطء يشق المجرى المائي الذي بدأ يتراكم في أجزاء من الطريق.
– عندي رحلة عمل إلى القاهرة بعد أسبوع ما رأيك أن ترافقيني إننا لم نقم بمثل هذه الرحلة منذ أن تزوجنا.
شهقت حاولت أن أحبس دموعي التي تجمعت في عيوني يده تمتد نحوي وتربت على يدي برفق ويسحبها نحو فمه بقبلة حارة وسريعة.
زهرة رحمة الله